سبب نزول قوله تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم)
سبب نزول قوله تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم)
هذه الآية من سورة آل عمران ، وهي من السور المدنية، ومن طوال السور، وقال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما).
وقد تعددت أقوال أهل العلم في سبب نزول قوله -تعالى-: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وبيان ذلك فيما يأتي:
نزلت بعد تحريم الربا
حيث أنزل الله -تعالى- الآية التي قبلها والتي تنهى عن أكل الربا ، وهي قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون* وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين* وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون).
ثم بين لهم الله -تعالى- أن طريق الجنة التي عرضها السموات والأرض يكون بالمسارعة إلى مغفرة الله -تعالى-، أو بالمسارعة إلى أسباب المغفرة بدلاً من إثم أكل الربا، فأنزل الله -تعالى- قوله -عز وجل-: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
نزلت لبيان فضل أمة النبي محمد على بني إسرائيل
قال بعض المسلمين للنبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد كان بنو إسرائيل أفضل منا؛ لأن الله -تعالى- أخبرهم إذا أذنبوا ذنباً بأنّه سيكتب الذنب والكفارة على باب بيوتهم؛ أي يعطيهم الفرصة للتوبة ، بينما أمة الإسلام لا يعرفون ذنوبهم، ولا يعرفون كفارتها.
وهنا سكت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله -تعالى- قوله: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين)،فأخبرهم النبي -صلى عليه وسلم- أن المسارعة إلى المغفرة لنيل الجنة لهذه الأمة أفضل مما كان عليه بنو إسرائيل من فضحهم بذنوبهم أمام الخلق.
تفسيرات أهل العلم لمعنى المسارعة
لأهل العلم عدة تفسيرات في بيان معنى المسارعة المذكورة في الآية، ومنها ما يأتي:
- المسارعة إلى الأعمال التي توجب المغفرة
لأن المغفرة لا يمكن المسارعة إليها، لذا فالمقصود المسارعة إلى الأعمال التي تكون عاقبتها المغفرة.
- المسارعة إلى التوبة
وهذه مبينة على أن سبب نزول الآية كان بعد تحريم الربا، فبين الله لهم طريق الخروج من إثم الربا العذاب من خلال المسارعة إلى التوبة.
- فسرت المسارعة بالاغتنام
وذلك بما تضمّنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حياتَك قبلَ موتِك، وصحتَك قبلَ سقمِك، وفراغَك قبلَ شغلِك، وشبابَك قبلَ هرمِك، وغنَاك قبلَ فقرِك)، حيث إن هذه المسائل الخمس المهمة إن لم يسارع إليها المسلم فيما قبل فإنه سيفقدها ويفوته فضلها.
- المسارعة إلى كل أعمال الخير
- ذكر القرطبي منها أداء الفرائض والإخلاص والثبات في القتال وغيرها.
- المسارعة بالطاعات التي تؤدي إلى مغفرة الذنب
أي إنّ أخذ الربا مغفرته تكون بالتقوى والطاعة لله -تعالى-؛ حتى ينال الإنسان ستر ذنوبه في الدنيا والمغفرة عن أخذ الربا، ويكون من أهل الجنة في الآخرة.
- الهجرة، أو المسارعة إلى صلاة الجماعة وصلاة الجمعة.
معنى (جنة عرضها السموات والأرض)
فيما يأتي ذكر معنى ﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾، عند أهل العلم:
- بيّن ابن عباس -رضي الله عنهما- معنى هذا الجزء من الآية وقال: "تُجمع السماوات والأرضون بعضها إلى بعض كما يبسط الثوب، فذلك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلا الله"، وقد نسب هذا القول إلى جمهور العلماء.
- قيل: لم تقصد الآية تحديد العرض؛ بل جاءت على أسلوب العرب في الحديث؛ بأنهم يذكرون عظيم عرض الجنة للدلالة على أن طولها أعظم من ذلك؛ حيث إن طول كل شيء في الأغلب أطول من عرضه.
- إن الآية جاءت للدلالة على عظيم ما أعد الله -تعالى- لكل فرد من عباده المتقين، وذلك بأن أعد لكل واحد منهم جنة عرضها السموات والأرض.
- شبّه أقصر أبعاد الجنة بأطول الأبعاد التي نعرفها في الدينا؛ ترغيباً بالمسارعة للتوبة.
- الآية تشير إلى أن ثمن الجنة أغلى مِن السموات والأرض مجتمعات، ولعله مأخوذ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا إن سِلْعَةَ اللهِ غاليةٌ، أَلَا إن سِلْعَةَ اللهِ الجنةُ).
- فُسّر العرض المذكور في الآية كذلك بأنه كناية وتعبير عن عظيم سعة الجنة ، مثل قول العرب "بلاد عريضة"، أي بلاد واسعة جداً، فكان الأسلوب القرآني بما يوافق لغة العرب