سبب تفاوت الناس في الأرزاق
سبب تفاوت الناس في الأرزاق
خلق الله -تعالى- الإنسان وتكفَّل برزقه من حياته إلى مماته، وأقسم بأنَّه لن تموت نفس إلا وقد استوفت كامل رزقها الذي قد كُتب لها، فعلى المسلم أن يوقن تمام اليقين أنَّ الرزق بيد الله وحده لا شريك له، وأنَّ الناس هم عباد لله وليس لأحد أن يتحكم في رزق أحد؛ فرزق الإنسان في السماء مكتوب وهو نطفة في بطن أُمِّه، ولكن قد يتساءل شخص ما هو سبب تفاوت الأرزاق بين الناس في الدُّنيا؟.
وإنَّ لله -تعالى- الحكم العظيمة والبليغة في سرِّ تفاوت الرزق بين عباده، وله غاية الحُكم والتقدير في تقسيم الأرزاق بين عباده جميعًا، فجعل الغني والفقير وذلك لتقوم مصالح العباد والبلاد فهذا يوسِّع عليه وهذا يُضيق عليه، وهذا يتصدَّق على هذا، فهو عليم بأحوال عباده وماذا فعلوا لو بُسط لهم أو مُنع عنهم الرزق، يقول -تعالى-: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وهو عليمٌ بجميع عباده عليمٌ بأحوالهم وبأمورهم وتصرُفاتهم وأفعالهم، عليمٌ أنَّ من عباده من لا يملك قوت يومه، وعليمٌ أنَّ من عباده من يملك قوة سنته، لكن ما جَعل ذلك إلا ليختبرَ الإنسان وليبتليه في كِلتا حالتيه، فينظُر هل يصبر الفقير؟ وينظُر هل يَشكُر هذا الغني؟.
وحِكمه -جلَّ في عُلاه- في الإنعام على عباده بالنِّعم الجليَّة، وتوفاوتهم في أرزاقهم كثيرة، ونذكر هنا بعضَ ما قد نعلم منها:
الحكمة الأولى
لو كان الناس على مستوى واحد في الرزق -أي كان كُلُّ الناس أصحاب أموالٍ وغنىً وصحة- لَمَا استمرت الحياة ولما قامت لها قائمة؛ فالتسوية بالرزق قد يجعل الحياة لا تسير ولا يدور دولابها، فلو كان الناس جميعهم أطبَّاء أو مهندسين؛ لَمَا وجدنا من يتخلص من قماماتنا، ولما وجدنا من يَخيطُ ثيابنا، ولَمَا وجدنا من يُعلمُ أبناءنا، ولَما وجدنا من يَحمي ممتلكاتنا؛ فإنِّما جُعل هذا التفاوت لتسمر الحياةُ على طبيعتها كما أرادها ربُّ العزَّة والجلال.
الحكمة الثانية
ومن أسباب تفاوت الرزق بين العباد، هو الاختبار والابتلاء بين العباد، وذلك لينظر الله -تعالى- من يشكرهُ من عباده ممن يكفره؛ فأمدَّ الله -تعالى- الغني بالمال ليختبره وليبتليهُ، وذلك في أن ينظر في هذا الغني هل يَدُوم شُكره لهذه النِّعمة التي أنعم الله عليه بها؟.
ويقوم بإنفاق أمواله في وجوه الخير والبرِّ للمحتاجين لهذا المال، أم يَكفُر هذه النِّعمة في استخدامها في معصية الله -تعالى- وفي إضاعتها وتبذيرها، ولا يَكُن للفقير نصيبٌ منها.
وقد يمنع الله -تعالى- الرزق عن بعض عباده أيضًا ليبتله ويختبره، فينظر هل صبر هذا الفقير على فقره؟، هل حمد الله -تعالى- وشكره على ما عندَه من نِّعمٍ أُخرى؟، هل دفعه فقره إلى السرقة والقتل والنهب للحصول على المال؟، أم كان من المحتسبين عند الله؟.
أم كان أيضاً من المؤمنين الذين في جميع أحوالهم راضين محتسبين، كما قال ذلك نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
الحكمة الثالثة
أنَّ لله -تعالى- حكمة عظيمة في مسألة بسط الرزق من منعه عن بعض الناس؛ فمن الناس من إذا بسط الله له الرزق بغى في الأرض وتجبَّر فهذا لا يصلُح له إلا الفقر، يقول -تعالى-: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)،فالله -تعالى- أعلمُ بما في أنفس عباده.
ومن لم يفهم هذه الحقائق فذلك لاعتباره أن الغنى من إكرام الله للعبد والفقر من إهانة الله للعبد، وقد رد الله هذا الظن السيء والفهم الخاطئ حينما قال -تعالى-: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ).
وقال -تعالى-: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً)، فكم من صاحب مهنة دنيئة، حمد الله على نعمة عمله ورزقه هو عند الله أفضل بكثير من صاحب مال وجاه لم يشكر الله تعالى على نعمه وكفر بها.