زكاة الذهب الملبوس
زكاة الذهب الملبوس
الذهب من الأموال التي تجب فيه الزكاة باتّفاق العلماء؛ لأنّه مالٌ معدٌّ للنماء؛ أي الزيادة، فتجب فيه الزكاة إذا بلغ النِّصاب وحال عليه الحول، أمّا حُليّ الذهب المصاغ؛ فمن اتّخذه بنيّة التنمية، أوالكنز، أوالاقتناء، أوالإيجار؛ فتجب فيه الزكاة باتّفاق العلماء، وتعدّدت آراء العلماء في الذهب الملبوس المتّخذ بنيّة اللبس؛ مثل الخاتم، والإسوارة، والقلادة، وغيره ممّا أباح الله -سبحانه وتعالى- للمرأة التزيّن به؛ فذهب جمهور الفقهاء من الشافعية ، والمالكية، والحنابلة إلى عدم وجوب الزكاة في الذهب الملبوس المتّخذ بنيّة اللّبس والزينة، ووضعوا لعدم وجوب الزكاة فيه عدّة شروط، ومنها ما يأتي:
- أن يكون الذهب الملبوس مباحاً للمرأة؛ مثل الخاتم والسوار، فلا تجب فيه الزكاة، أمّا إذا كان مُحرّماً؛ كأن تتخذ المرأة سيفاً أو نعالاً من الذهب للزينة، أو أن يتّخذ الرجل خاتماً من ذهب، فذلك تجب فيه الزكاة.
- أن يكون الذهب الملبوس بنيّة اللّبس والتزيّن؛ فلا تجب فيه الزكاة، أمّا إذا كان بنيّة الاكتناز* أوالتجارة أوالاقتناء؛ فتجب فيه الزكاة.
- أن يكون الذهب الملبوس ضمن المعتاد بين الناس؛ بعيداً عن الإسراف والتبذير، فلا تجب فيه الزكاة، أمّا إذا كان الذهب الملبوس كثيراً، كأن تلبس المرأة أساور كثيرة تصل إلى حد الإسراف والتبذير الكبير، أو أن تلبس خاتماً ثمنه باهظ جداً، فهذا يدخل في الإسراف وتجب فيه الزكاة.
وذهب الحنفية إلى وجوب الزكاة في الذهب كلّه سواء تمّ اتّخاذه بنيّة اللبس، أو الاكتناز، أو الاقتناء، أو التجارة؛ فتجب فيه الزكاة، وسواء كان استعمال الذهب مباحاً أو محرّماً، لأنّ الأصل في الذهب النماء، فلا تسقط عنه الزكاة بالاستعمال، بدليل ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-، حيث قال: (أتَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ امرأتانِ، في أَيديهما أَساورُ مِن ذَهبٍ، فقال لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتحِبَّانِ أنْ يُسوِّرَكما اللهُ يومَ القيامةِ أَساورَ مِن نارٍ؟ قالتا: لا، قال: فأَدِّيَا حقَّ هذا الذي في أَيديكما)، واستدلّوا أيضاً بحديث أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (دخلَ عليَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فرأى في يديَّ فتَخاتٍ من وَرِقٍ، فقالَ: ما هذا يا عائشةُ؟، فقلتُ: صنعتُهُنَّ أتزيَّنُ لَكَ يا رسولَ اللَّهِ، قالَ: أتؤدِّينَ زَكاتَهُنَّ؟ قلتُ: لا، أو ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: هوَ حَسبُكِ منَ النَّارِ)، فدلّ ذلك على وجوب الزكاة في الذهب الملبوس عند الحنفيّة.
زكاة الحلي من غير الذهب والفضة
الحُليّ الذي تتّخذه المرأة للزينة من غير الذهب والفضة؛ مثل اللؤلؤ، والمرجان، والزبرجد، والياقوت، والألماس، وغيره؛ لا تجب فيه الزكاة باتّفاق العلماء، لأنّ الأصل في هذا الحُليّ الاستعمال والتزيّن، ولا يوجد نصٌ شرعيٌّ أو إجماعٌ يدلّ على وجوب الزكاة فيه، كما لا يصحّ قياسه على ما تجب فيه الزكاة، أمّا إذا تمّ اتّخاذه للتجارة؛ فتجب فيه زكاة عروض التجارة *، وإذا اتّخذ الرجل هذا الحُليّ للتزيّن، فتجب فيه الزكاة؛ لأنّه استعمله استعمالاً مُحرّماً.
شروط زكاة الذهب
تجب الزكاة في الذهب باتّفاق العلماء لقول الله -عز وجل-: (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ* يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُم هـذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ)، فدلّت الآية الكريمة على وجوب الزكاة في الذهب وبيّنت مصير الذين لا يؤدّون حق الله في هذه الأموال، وتكون زكاة الذهب واجبةً إذا تحقّقت عدّة شروط، وهي فيما يأتي:
- الإسلام: فلا تُقبل زكاة الذهب من غير المسلم، لقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَما مَنَعَهُم أَن تُقبَلَ مِنهُم نَفَقاتُهُم إِلّا أَنَّهُم كَفَروا بِاللَّـهِ وَبِرَسولِهِ وَلا يَأتونَ الصَّلاةَ إِلّا وَهُم كُسالى وَلا يُنفِقونَ إِلّا وَهُم كارِهونَ).
- الحرية: فلا تجب الزكاة على العبد؛ لأنّه لا يملك شيئاً، وكل ما بيده يرجع مُلكه إلى سيّده.
- الملك التام للذهب: وذلك بأن يكون المسلم مالكاً حقيقياً للذهب؛ فإن تعلّق به حقٌ لغيره فلا تجب فيه الزكاة.
- بلوغ النصاب: ونصاب الذهب عشرون ديناراً من الذهب؛ أي ما يعادل خمسة وثمانين غراماً من الذهب، بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولَيسَ عليكَ شيءٌ يَعني في الذَّهَبِ حتَّى يَكونَ لَكَ عِشرونَ دينارًا فإذا كانَ لَكَ عِشرونَ دينارًا وحالَ علَيها الحَولُ فَفيها نِصفُ دينارٍ فَما زادَ فبِحسابِ ذلِكَ)، ومن لم يملك النِّصاب فلا زكاة عليه.
- حولان الحول: وهو أن يمضي اثنا عشر شهراً؛ أي عامٌ كاملٌ على ملك نصاب الذهب، ولا تجب الزكاة في الذهب ما لم يمضِ عامٌ كاملٌ على تملّكه؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ولَيسَ في مالٍ زَكاةٌ حتَّى يَحولَ علَيهِ الحَولُ).
فإن تحقّقت تلك الشروط وجب إخراج زكاة الذهب، فإذا بلغ خمسة وثمانين غراماً فأكثر وجبت الزكاة بمقدار رُبع العشر؛ أي اثنان ونصف بالمئة، فحين يأتي وقت إخراج الزكاة ينبغي على المزكّي الذي يملك النّصاب معرفة قيمة الغرام الواحد من الذهب في وقت إخراجه للزكاة؛ فيقوم بضرب مجموع غرامات الذهب بسعر الغرام الواحد حسب العملة في بلده، ثمّ يقسم الناتج على أربعين، ويكون الناتج هو مقدار الزكاة الواجبة.
__________________________________
الهامش
* الاكتناز: جمع الذهب ومراكمته للادّخار.
* عروض التجارة: وهو كُل ما يُعدُّ لأجل التِّجارة به.