رثاء الأب في الشعر الجاهلي
ملامح رثاء الأب في الشعر الجاهلي
يُعد الرثاء أحد الأغراض في الشعر العربي ، إذ إنّه عبارة عن بكاء الراثي على ميته، وتسجيل صادق عن مشاعره في شعره، وكان يُنظر للأب منذ العصر الجاهلي على أنّه ربُّ منزله وسيده المُطاع، فمتى ما وافته المنية خيّم الحزن على أهله، وبكوا لفقدان سيدهم وفارسهم الذي لا يُمكن عودته للحياة، ويكون حزنهم أشد وطأةً حينما يُقتل ولا يُؤخذ بثأره.
في ضوء ما سبق، ما يُميز رثاء الأب في الشعر الجاهلي أنّه شديد التوتر والعاطفة، فالشاعر يُصور حزنه والفاجعة التي أصابته جراء فقدانه، كما أنّ في رثائه إشادة بصفاته وخصاله الحميدة.
نماذج على رثاء الأب في الشعر الجاهلي
نماذج على رثاء الأب في الشعر الجاهلي فيما يأتي:
قصيدة لابنةُ الحكيم بن عمرو العبدية
قالت ابنة الحكيم بن عمرو العبدية في رثاء أبيها، وهي تطلب من قومها أن يأخذوا الثأر من قاتل أبيها:
أيرجو ربيع أن يؤوب وقد ثوى
:::حكيم وأمسى شلوه بمطبق
فإن كنتم قوما كرامًا فعجلوا
:::له جرأة من بأسكم ذات مصدق
فإن لم تنالوا نيلكم بسيوفكم
:::فكونوا نساء في الملاء المخلق
وقولوا ربيع ربكم فاسجدوا له
:::فما أنتم إلا كمعزى الحبلق
قصيدة دختنوس ابنة لقيط بن زرارة
قالت دختنوس في رثاء أبيها الذي قتل في يوم شعب جبلة بين عبس وذبيان:
بكر النعي بخير خندف كهلها وشبابها
- وأضرها لعدوها وأفكها لرقابها
وقريعها ونجيبها عند الوغى وشهابها
- ورئيسها عند الملوك وزين يوم خطابها
وأتمها نسباً إذا رجعت إلى أنسابها
- فرع عمود للعشيرة رافع لنصابها
ويعولها ويحوطها ويذب عن أحسابها
- كالكوكب الدري في ظلماء لا يخفى بها
عن خيرها نسباً إذا نصت إلى أنسابها
- وهوازن أصحابهم كالفأر في أذنابها
وقالت دختنوس أيضًا في رثاء أبيها:
ألا أيها الويلات ويلة من بكى
- لضرب بني عبس لقيطا وقد مضى
لقد ضربوا وجها عليه مهابة
- ولا تحفل الصم الجنادل من توى
فلو أنكم كنتم غداة لقيتم
- لقطا ضربتم بالأسنة ولاقنا
عذرتم ولكن كنتم مثل ظبية
- أضاءت لها القناص من جانب الثرا
فما ثأره فيكم ولكن ثأره
- شريح أرادته الأسنة والقنا
ليجزيكم بالقتل قتلا مضعفا
- وما في دماء الخمس يا مال من بوا
قصيدة امرئ القيس في رثاء أبيه حجر
قال امرؤ القيس في رثاء أبيه يومًا:
ألم أنض المطي بكل خرق
:::أمق الطول لماع السراب
وأركب في اللهام المجر حتى
:::أنال مآكل القحم الرغاب
وكل مكارم الأخلاق صارت
:::إليه همتي وبه اكتسابي
وقد طوفت في الآفاق حتى
:::رضيت من الغنيمة بالإياب
أبعد الحارث الملك ابن عمرو
:::وبعد الخير حجر ذي القباب
أرجي من صروف الدهر لينا
:::ولم تغفل عن الصم الهضاب
وأعلم أنني عما قريب
:::سأنشب في شبا ظفر وناب
كما لاقى أبي حجر وجدي
:::ولا أنسى قتيلا بالكلاب
وقوله أيضًا في رثاء أبيه:
أرقت لبرق بليل أهل
- يضيء سناه بأعلى الجبل
أتاني حديث فكذبته
- بأمر تزعزع منه القلل
بقتل بني أسد ربهم
- ألا كل شيء سواه جلل
فأين ربيعة عن ربها
- وأين تميم وأين الخول
ألا يحضرون لدى بابه
- كما يحضرون إذا ما أكل
قصيدة أروى في رثاء أبيها عبد المطلب
قالت أروى بنت عبدالملطب ترثي والدها قبل وفاته بطلب منه:
بكت عيني وحق لها البكاء
- على سمحٍ سجيته الحياء
على سهل الخليفة أبطحي
- كريم الخيم شيمته العلاء
على الفياض شيبه ذي المعالي
- أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أبيض شيظمي
- أعز كان غرته ضياء
أقب الكشح أروع ذو فضولٍ
- له المجد المقدم والسناء
أبي الضيم أبلح هبرزي
- قديم المجد ليس به خفاء
ومعقل مالكٍ وربيع فهدٍ
- وفيصلها إذا التمس القضاء
وكان هو الفتى كرمًا وجودًا
- وبأسًا حين تنسكب الدماء
إذا هاب الكماة الموت حتى
- كأن قلوب أكثرهم هواء
مضى قدماً بذي رأي مصيبٍ
- عليه حين تبصره البهاء