قصيدة البارودي عن الوطن
قصيدة البارودي عن الوطن
محمود سامي البارودي هو واحد من الشعراء الذين عرفوا بأدب الحنين إلى الأوطان، وقد برع في كتابته والتأسي على أرضه وله في ذلك مجموعة من الأشعار والقصائد لعل من أبرزها:
قصيدة واطول شوقي إليك يا وطن
قال الشاعر:
وَاطُولَ شَوْقِي إِلَيْكَ يَا وَطَنُ
- وَإِنْ عَرَتْنِي بِحُبِّكَ الْمِحَنُ
أَنْتَ الْمُنَى وَالْحَدِيثُ إِنْ أَقْبَلَ الـ
- ـصُبْحُ وَهَمِّي إِنْ رَنَّقَ الْوَسَنُ
فَكَيْفَ أَنْسَاكَ بِالْمَغِيبِ وَلِي
- فِيكَ فُؤَادٌ بِالْوُدِّ مُرْتَهَنُ
لَسْتُ أُبَالِي وَقَدْ سَلِمْتَ عَلَى الدْ
- دَهْرِ إِذَا مَا أَصَابَنِي الْحَزَنُ
لَيْتَ بَرِيدَ الْحَمَامِ يُخْبِرُنِي
- عَنْ أَهْلِ وُدِّي فَلِي بِهِمْ شَجَنُ
أَهُمْ عَلَى الْوُدِّ أَمْ أَطَافَ بِهِمْ
- وَاشٍ أَرَاهُمْ خِلافَ مَا يَقِنُوا
فَإِنْ نَسُونِي فَذُكْرَتِي لَهُمُ
- وَكَيْفَ يَنْسَى حَيَاتَهُ الْبَدَنُ
أَصْبَحْتُ مِنْ بَعْدِهِمْ بِمَضْيَعَةٍ
- تَكْثُرُ فِيهَا الْهُمُومُ وَالإِحَنُ
بَيْنَ أُنَاسٍ إِذَا وَزَنْتَهُمْ
- بِالذَّرِّ عِنْدَ الْبَلاءِ مَا وَزَنُوا
لا فِي مَوَدَّاتِهِمْ إِذَا صَدَقُوا
- رِبْحٌ وَلا فِي فِرَاقِهِمْ غَبَنُ
مِنْ كُلِّ فَظٍّ يَلُوكُ فِي فَمِهِ
- مُضْغَةَ سُوءٍ مِزَاجُهَا عَفِنُ
يَنْضَحُ شِدْقَاهُ بِالرُّؤَالِ كَمَا
- عُلَّ بِنَضْحِ الْعَتِيرَةِ الْوَثَنُ
شُعْثٌ عُرَاةٌ كَأَنَّهُمْ خَرَجُوا
- مِنْ نَفَقِ الأَرْضِ بَعْدَ مَا دُفِنُوا
لا يُحْسِنُونَ الْمَقَالَ إِنْ نَطَقُوا
- جَهْلاً وَلا يَفْقَهُونَ إِنْ أَذِنُوا
أَرَى بِهِمْ وَحْشَةً إِذَا حَضَرُوا
- وَطِيبَ أُنْسٍ إِذَا هُمُ ظَعَنُوا
وَكَيْفَ لِي بِالْمُقَامِ فِي بَلَدٍ
- مَا لِي بِهَا صَاحِبٌ وَلا سَكَنُ
كُلُّ خَلِيلٍ لِخِلِّهِ وَزَرٌ
- وَكُلُّ دَارٍ لأَهْلِهَا أَمَنُ
فَهَلْ إِلَى عَوْدَةٍ أَلُمُّ بِهَا
- شَمْلِي وَأَلْقَى مُحَمَّداً سَنَنُ
قصيدة أبابل رأي العين أم هذه مصر
قال البارودي في قصيدته:
أَبَابِلُ رَأْيَ الْعَيْنِ أَمْ هَذِهِ مِصْرُ
- فَإِنِّي أَرَى فيها عُيُوناً هِيَ السِّحْرُ
نَوَاعِس أَيْقَظْنَ الْهَوَى بِلَوَاحِظٍ
- تَدِينُ لَهَا بِالْفَتْكَةِ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ
فَلَيْسَ لِعَقْلٍ دُونَ سُلْطَانِها حِمىً
- وَلا لِفُؤادٍ دُونَ غِشْيَانِهَا سِتْرُ
فَإِنْ يَكُ مُوسَى أَبْطَلَ السِّحْرَ مَرَّةً
- فَذَلِكَ عَصْرُ الْمُعْجِزَاتِ وَذَا عَصْرُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لا يَذُوبُ صَبَابَةً
- وَمُزْنَةِ عَيْنٍ لا يَصُوبُ لَهَا قَطْرُ
بِنَفْسِي وَإِنْ عَزَّتْ عَلَيَّ رَبِيبَةٌ
- مِنَ الْعينِ في أَجْفَانِ مُقْلَتِهَا فَتْرُ
فَتَاةٌ يَرِفُّ الْبَدْرُ تَحْتَ قِناعِهَا
- وَيَخْطِرُ فِي أَبْرَادِهَا الْغُصنُ النَّضْرُ
تُرِيكَ جُمَانَ الْقَطْرِ في أُقْحُوانَةٍ
- مُفَلَّجَةِ الأَطْرَافِ قِيلَ لَهَا ثَغْرُ
تَدِينُ لِعَيْنَيْهَا سَوَاحِرُ بَابِلٍ
- وَتَسْكَرُ مِنْ صَهْبَاءِ رِيقَتِهَا الْخَمْرُ
فَيَا رَبَّةَ الْخِدْرِ الَّذِي حَالَ دُونَهُ
- ضَرَاغِمُ حَرْبٍ غَابُهَا الأَسَلُ السُّمْرُ
أَمَا مِنْ وِصَالٍ أَسْتَعِيذُ بِأُنْسِهِ
- نَضَارَةَ عَيْشٍ كَانَ أَفْسَدَهُ الْهَجْرُ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِحُبِّكِ عَالِمَاً
- بِأَنَّ جُنُونِي فِي هَوَاكِ هُوَ الْفَخْرُ
فَلا تَحْسَبِي شَوْقِي فُكَاهَةَ مَازحٍ
- فَمَا هُوَ إِلَّا الْجَمْرُ أَوْ دُونَهُ الْجَمْرُ
هَوىً كَضَمِيرِ الزَّنْدِ لَوْ أَنَّ مَدْمَعِي
- تَأَخَّرَ عَنْ سُقْيَاهُ لاحْتَرَقَ الصَّدْرُ
إِذَا مَا أَتَيْتُ الْحَيَّ فَارَتْ بِغَيظِهَا
- قُلُوبُ رِجَالٍ حَشْوُ آماقِهَا الْغَدْرُ
يَظُّنُّونَ بِي شَرَّاً وَلَسْتُ بِأَهْلِهِ
- وَظَنُّ الْفَتَى مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وِزْرُ
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ إِنْ تَرَنَّمَ شَاعِرٌ
- بِقَافِيَةٍ لا عَيْبَ فِيهَا وَلا نُكْرُ
أَفِي الْحَقِّ أَنْ تَبْكِي الْحَمَائِمُ شَجْوَها
- ويُبْلَى فَلا يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ حُرُّ
وَأَيُّ نَكِيرٍ فِي هَوىً شَبَّ وَقْدُهُ
- بِقَلْبِ أَخِي شَوْقٍ فَبَاحَ بِهِ الشِّعْرُ
فَلا يَبْتَدِرْنِي بِالْمَلامَةِ عَاذِلٌ
- فَإِنَّ الْهَوَى فِيهِ لِمُعْتَذِرٍ عُذْرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحُبِّ فَضْلٌ عَلَى النُّهَى
- لَمَا ذَلَّ حَيٌّ لِلْهَوَى وَلَهُ قَدْرُ
وَكَيْفَ أَسُومُ الْقَلْبَ صَبْراً عَلَى الْهَوى
- وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي الْحُبِّ قَلْبٌ وَلا صَبْرُ
لِيَهْنَ الْهَوَى إِنِّي خَضَعْتُ لِحُكْمِهِ
- وَإِنْ كَانَ لِي فِي غَيْرِهِ النَّهْيُ وَالأَمْرُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ تَأْبَى لِيَ الضَّيْمَ صَوْلَةٌ
- مَوَاقِعُهَا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ حُمْرُ
أَبِيٌّ عَلَى الْحِدْثَانِ لا يَسْتَفِزُّنِي
- عَظِيمٌ وَلا يَأْوِي إِلَى سَاحَتِي ذُعْرُ
إِذَا صُلْتُ صَالَ الْمَوْتُ مِنْ وَكَرَاتِهِ
- وَإِنْ قُلْتُ أَرْخَى مِنْ أَعِنَّتِهِ الشِّعْرُ
قصيدة لمثل ذا اليوم كان الملك ينتظر
قال الشاعر في قصيدته:
لِمِثْلِ ذَا الْيَوْمِ كَانَ الْمُلْكُ يَنْتَظِرُ
- فَاسْعَدْ بِهَا دَوْلَةً عُنْوانُها الظَّفَرُ
تَهَلَّلَتْ مِصْرُ بَعْدَ الْيَأْسِ وَابتَهَجَتْ
- بِكَ الرَّعِيَّةُ حَتَّى عَمَّهَا الْحَبَرُ
نالَتْ بِنَصْرِكَ مَا كَانَتْ تُؤَمِّلُهُ
- لا زِلْتَ لِلْمُلْكِ وَالإِسْلامِ تَنْتَصِرُ
فَالْعَدْلُ مُنْبَسِطٌ وَالْجَوْرُ مُنْقَبِضٌ
- وَالأَمْنُ مُنْسَدِلٌ وَالْخَوْفُ مُنْشَمِرُ
نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَافَى بَعْدَ دَاجِيَةٍ
- كَمَا تَبَلَّجَ عَنْ مَكْنُونِهِ السَّحَرُ
فَالنَّاسُ مِنْ طَرَبٍ فِي نَشْوَةٍ أَخَذَتْ
- بِهِمْ فَمَالُوا كَأَنَّ الْقَومَ قَدْ سَكِرُوا
مُسْتَوفِضُونَ إِلَى الدَّاعِي تَسِيلُ بِهِمْ
- أَرْضٌ وَتَجْمَعُهُم أُخْرَى فَهُمْ زُمَرُ
في كُلِّ نَادٍ خَطِيْبٌ حَوْلَ مِنْبَرِهِ
- جَمْعٌ وَفِي كُلِّ وادٍ تَرْكُضُ الْبَشَرُ
يَسْتَعْذِبُ السَّمْعُ مَا يُمْلِي اللِّسَانُ لَهُ
- وَيَعْلَقُ الْقَلْبُ مَا يُوحِي بِهِ الْبَصَرُ
فَلا شَقَاءٌ وَلا بَأْسٌ وَلا فَزَعٌ
- وَلا عَدَاءٌ وَلا غَدْرٌ وَلا حَذَرُ
عِيدٌ تَهلَّلَتِ الدُّنْيَا بِهِ فَرَحاً
- وَنِعْمَةٌ لَيْسَ يَقْضِي حَقَّهَا الْبَشَرُ
وَكَيْفَ لا تَفْخَرُ الدُّنْيَا بِطَلْعَةِ مَنْ
- لَوْلاهُ لَمْ يَبْقَ فِيهَا لاِمْرِئٍ وَطَرُ
فَاسْتَبْشِرُوا يَا بَنِي الأَوطَانِ إِنَّ لَكُمْ
- مِنْ عَدْلِهِ جَنَّةً يَجْرِي بِهَا نَهَرُ
هُوَ الْمَلِيكُ الَّذِي لَوْلا سِيَاسَتُهُ
- مَا كَانَ لِلْعَدْلِ لا عَيْنٌ وَلا أَثَرُ
أَفْضَى إِلَى مِصْرَ وَالدُّنْيَا عَلَى خَطَرٍ
- فَمَا تَمَثَّلَ حَتَّى أَجْفَلَ الْخَطَرُ
مُوَفَّقٌ لِصَنِيعِ الْخَيْرِ مُبْتَدِعٌ
- لِمَا تُقَصِّرُ عَنْ إِدْرَاكِهِ الْفِكَرُ
يَهْمِي نَدىً وَرَدىً جُوداً وَمَحْمِيَةً
- كَذَلِكَ الدَّهْرُ فِيهِ النَّفْعُ وَالضَّرَرُ
يَسْطُو بِرِفْقٍ إِذَا مَا الْحَزْمُ أَعْوَزَهُ
- إِلَى الْعِقَابِ وَيَعْفُو حِينَ يَقْتَدِرُ
فَالْبَطْشُ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ حِكْمَةٍ سَرَفٌ
- وَالْحِلْمُ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قُدْرَةٍ خَوَرُ
إِذَا ارْتَأَى بَدَرَتْ أَنْوَارُ حِكْمَتِهِ
- كَمَا تَطَايَرَ بَعْدَ الْقَدْحَةِ الشَّرَرُ
دَلَّتْ عَلَى فَضْلِهِ آثارُ حِكْمَتِهِ
- وَكُلُّ شَيءٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَثَرُ
إِذَا تَبَسَّمَ فَاضَتْ رَاحَتَاهُ لَنَا
- جُوداً وَمَا كُلُّ بَرْقٍ خَلْفَهُ مَطَرُ
تَملَّ بِالْمُلكِ يَاعَبَّاسُ وَابْقَ لَنَا
- فِي نِعْمةٍ لَمْ يُخَالِطْ صَفْوَهَا كَدَرُ
فَأَنْتَ مِنْ دَوْحَةٍ فِي الْمَجْدِ بَاسِقَةٍ
- طَابَتْ وَدَلَّ عَلَيْهَا النَّوْرُ وَالثَّمَرُ
بَلَغْتُ مَجْهُودَ نَفْسِي في الثَّنَاءِ وَلَمْ
- أَبْلُغْ عُلاكَ وَأَنَّى يُدْرَكُ الْقَمَرُ
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِإِصغَاءٍ إِلَى كَلِمٍ
- تُعَدُّ فِي النُّطْقِ إِلَّا أَنَّهَا دُرَرُ
وَسَمْتُهَا بِاسْمِكَ الْعَالِي فَأَلْبَسَهَا
- حُسْنَاً تَتِيهُ بِهِ الدُّنْيَا وَتَفْتَخِرُ
إِذَا تَلاهَا لِسَانُ الشُّكْرِ قَامَ لَهَا
- حُبَّاً بِذِكْرِ عُلاكَ الْبَدْوُ وَالْحَضَرُ
لا زِلْتَ مَوْرِدَ آمَالٍ تَحُومُ بِهِ
- طَيْرُ الْقُلُوبِ إِلَى أَنْ تُنْشَرَ الصُّوَرُ