دليل الأضحية من القرآن
الأضحية في القصص القرآني
وردت الأضحية في قصص القرآن الكريم عند الحديث عن قصة النبي إبراهيم مع ابنه الذبيح إسماعيل -عليهما السلام-، حين رأى النبي إبراهيم رؤيا في المنام بأنه يذبح ابنه، وبما أن رؤيا الأنبياء حق؛ فقد فهم النبي إبراهيم أنَّ الأمر الإلهي يقتضي ذبح ابنه، الذي طاوعه وقال له: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، أي ستجدني صابراً على: تنفيذ الأمر، والذبح.
ولكن حين باشرا في تنفيذ الأمر الإلهي واستسلما له، وقام إبراهيم بإحضار ابنه (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، جاءه النداء الإلهي بالكفِّ والتوقف، وتم إخباره بالنسخ الإلهي النهائي لجواز القربان البشري، فتمَّ الحكم بمنعه نهائياً: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)، والذِّبح -بكسر الذال المشددة- هو الحيوان المذبوح، ووصفه بالعظيم يقتضي تلميحاً لصفات الأضحية التي تليق بالمضحِّي والمضحَّى له: فهو سمين، عظيم القدر.
الأضحية ضمن مناسك الحج
ذكر القرآن الكريم أن الله -سبحانه وتعالى- ارتضى ضمن مناسك الحج : منسك ذبح البُدن -وهي الحيوانات البدينة التي تكفي العدد الكبير من الناس كالإبل والبقر-، فقال -تعالى-: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)، أي: مِن أعلام دينه، فامتنَّ الله على عباده بعبادة تجمع بين العبادة المحضة الخالصة لله، والعبادة النافعة لعباده بالأكل منها.
ومن أجل أن يستفيد عباد الله من هذه الشعيرة، جاء الأمر الإلهي: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، أي: فإذا تم نحر البُدن الواقفة، ثم خارت قواها وسقطت مذكاةً على الأرض، فوقعت على جنوبها وسكنت حركتها، فحينئذ قد حلَّ أكلها، ولكن لا تتركوها على الأرض وتذهبوا، بل فليأكل منها ثلاثة أصناف لهم حق بها، فيما سيأتي بيانهم:
- المضحون: الذين تقربوا بها إلى الله -تعالى- ودفعوا ثمنها.
- القانع: وهو الفقير الذي لا يسأل الناس تعففاً.
- المعتر: وهو الذي يسألُ الناس؛ لحاجته التي دفعته لسؤال الناس.
ووردت آية كريمة أخرى -سبقتها في الترتيب- تفيد المعنى ذاته، حيث أمرت المسلمين الذين توجهوا إلى الحج وأدوا مناسكه، ووصلوا إلى منسك ذبح الهدي أن يشكروا خالقهم -تعالى-: (عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، والبائس هو الذي تسبَّب له الفقر بالضيق والإعسار والبؤس في حياته.
وبين الآيتين السابقتين -في الترتيب- أعلمَ اللهُ -تعالى- الصحابةَ الكرامَ بأن ذبحهم للهدي مشروع، ولا ينفي مشروعيته فِعل كفار الجاهلية له، فهو في حقيقته من بقايا شعيرة الذبح التي أمِر بها النبي إبراهيم -عليه السلام-، فقال -تعالى-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)؛ فلكل قوم من مؤمني الأنبياء السابقين، (جَعَلْنا مَنْسَكاً) يعني: أضحية تراق دماءها تقرباً لله.
الأضحية لغير الحاج
تحدثت سورة الكوثر عن الأضحية لغير الحاج، قال -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، فيُفهَم من قوله -تعالى- للنبي الكريم (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) التفريع على بشارة الله له بنهر الكوثر، بأن يشكر ربه عليها؛ فإن الصلاة أفعال وأقوال تدل على تعظيمه لله، كما أنَّ فيها إغاظة للذين ينهونه عن الصلاة؛ لأنها لوجه الله وحده دون العبادة لأصنامهم، وكذلك النحر لله.
ولذلك جاء العدول عن الضمير -لنا- إلى الاسم الظاهر -لربك-؛ لأنَّ في لفظ "الرب" إيماء إلى استحقاقه -تعالى- للعبادة التي منها الصلاة وتقديم الأضحية له، والتي ما كانت إلا لأجل ربوبيته -تعالى-، فضلاً عن فرط إنعامه على النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعطائه نهر الكوثر في الجنة.