خوف عبدالرحمن بن عوف من الله
خوف عبد الرحمن بن عوف من الله
عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- صحابيٌّ جليل شديد الخشية من الله -عزّ وجلّ-، وقد كان شديد الثّراء فكان يرتدي ملابس باهظة الثمن، وعندما تزوّج عبد الرحمن -رضي الله عنه- أعطى زوجته ثلاثين ألفاً مهراً لها، لكنّه على الرغم من ذلك كان يخشى الله -سبحانه وتعالى- في ماله، وكان يخشى أن يكون قد عُجّل له ثوابه في الدُّنيا، وكما نعلم فالمسلم الغني أجره عظيم عند الله -عز وجل- إن شَكَره ووظّف ماله بالخير؛ لأنّ المال هو رزق من الله -عز وجل- وهبه إيّاه، فشكره يكون في وضعه إياه بالمكان الصحيح المناسب الذي يُرضي الله -تعالى-.
كان الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- دائم التّفكير في مصيره وفي آخرته، فعلى الرّغم من ثرائه إلّا أنَّ الدُّنيا لم تكن همّه، ولم تُنسِه الآخرة والعمل لها، فهي دار الخلود والنعيم الدائم، فكانت حياة عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- مليئة بذكريات وسيرة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام -رضوان الله عليهم جميعًا-، ففي أحد الأيام كان صائماً، وعندما جاء وقت الإفطار جعل يتذكّر الصحابة الذين توفّاهم الله -سبحانه وتعالى-، فأخذَ يقول: "قُتل مصعب بن عمير -رضي الله عنه- وكُفّن بغطاء قصير، وقُتل حمزة بن عبد المطاب -رضي الله عنه- وكانا خيرًا منّي، فأخشى أن تكون حسناتي عُجّلت لي في الدنيا"، فأخذ يبكي، وترك الطعام الذي كان أمامه -رضي الله عنه-.
وأكمل في ذكر مكارم الصحابة فقال: "فأُسيد -رضي الله عنه- مات في حضرة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي تنزَّلت الملائكة من السماوات لتلاوته للقرآن، وسعد بن معاذ -رضي الله عنه- هو الذي اهتزَّ لموته عرش الرحمن"، ففاضَ شوقه لهم، وكان يخاف ألّا يُدرك مكانة عاليا عند الله -عز وجل- كما أدركوا -رضوان الله عليهم جميعًا-، وفي أحد الأيام كان عند عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- زوّار، فقدّم لهم خبزاً ولحم، وعندما رآه جعل يبكي ويقول: كان رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- يبيت هو وأهل بيته من غير طعام.
صفات عبد الرحمن بن عوف
زهد عبد الرحمن بن عوف
فهم الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- حقيقة الدّنيا الزّائلة من خلال فهمه الحقيقي للقرآن الكريم وتفاعله معه، وملازمته للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، فالدّنيا بنظره دار فناء لا دار بقاء، وهذا المفهوم سطّر عند عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أسمى المعاني؛ فزَهِد في طلب الدّنيا وحبّها كثيراً، واتّخذ من قول الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: (كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وكانَ ابنُ عُمَرَ، يقولُ: إذَا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وإذَا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ)؛ دستور حياة له، وتَعَاهَد قول الله -تعالى-: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ* مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)، والأدلة كثيرة ووفيرة في موضوع الزهد وخاصة التي أثّرت في الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-.
إنفاق وكرم عبد الرحمن بن عوف
كان عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وفير البركة والرّزق من تجارته، ولكنّ غناه كان في يده ولم يكن في قلبه، وهذا من صور زهده في الدنيا على الرغم من أنّ الدنيا قد فتحت أمامه وكان غنياً، كما أنّ عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- كان سخياً في الإنفاق في سبيل الله -تعالى-، وعندما يُذكر الكرم والعطاء يُذكر عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-؛ فقد كان يُعطي الفقراء والمساكين وذي القُربى، ويبذل في تجهيز جيوش المسلمين أيّما بذل، فبارك الله -عز وجل- في ماله، حيث كان يُضاعف له أضعاف ما ينفق في سبيل الله، وهذا هو وعد الله -تعالى- لمن يُنفق في سبيله.
وكان عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- صاحب علمٍ يُؤخذ بعلمه، وصاحب رأيٍ يُستمع لرأيه، وعلى الرغم من مكانته وعلمه وغناه إلّا أنّه كان شديد التواضع، وكان آيةً في التّعفف؛ ففي حادثة المؤاخاة: آخى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين الصحابي الجليل سعد بن الربيع -رضي الله عنهما-، فعرض سعد بن الربيع على عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- بأن يأخذ نصف ماله، وأن يختار إحدى زوجاته ليطلّقها ويتزوّجها عبد الرحمن بن عوف، لكنّه رفض وتعفّف عن الأخذ من سعد بن الربيع، واكتفى بالقول له: "يا أخي دُلّني على السوق"، فمضى يسعى في التجارة فبارك الله -عز وجل- له ذلك.
وكان معروفًا بصلته لرحمه ؛ فقد ذكر عنه المسور بن مخرمة أنّه باع أرضاً، فقسّم المال على بني زهرة وفقراء المسلمين وأمّهات المسلمين، وأرسل إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فدعت له أن يسقيه الله -عز وجل- من سلسبيل الجنة. ومن صور إنفاق الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أنّه كان دائم القضاء لحاجات المسلمين وأهل المدينة خاصّة، فقد كان ماله موزّع بين دَيْنٍ لهذا، وصلة رحم لهذا، وعطاء لفقير، وقال جعفر بن برقان: إنّ عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قد أعتق ثلاثين ألف بيت، وفي زمن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- تصدّق بأربعة آلاف، ثم بأربعين ألفاً، وخمسمئة فرس، وكلّ هذا كان في سبيل الله -عز وجل-، وقد أوصى عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- لأهل بدر من ماله، كما أوصى بألف فرسٍ في سبيل الله -عز وجل-.