خطبة عن شعب الإيمان
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي هدانا للإيمان بفضله وإحسانه، وبين لنا منهج الإيمان بوحيه وقرآنه، وأثابنا خير الثواب على قليل العمل بجوده وامتنانه، والصلاة والسلام على من بعثه الله هادياً وبشيراً بجنته ورضوانه، ونذيراً ومحذراً من عقابه ونيرانه.
الوصية بتقوى الله تعالى
عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة ب تقوى الله وطاعته، فاتقوا الله حق التقوى؛ فهي خير وصيةٍ يوصي بها موصِي وخير وصيَّةٍ يعمل بها مُوصَى، يقول الحقّ سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
الخطبة الأولى
عباد الله، لقد أجمع أهل العلم على أنّ الإيمان: قولٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح والأركان، وإقرارٌ بالقلب والجنان، ولا يكتمل الإيمان إلّا باجتماع هذه الثلاثة فلا يصح إيمانٌ بلا عملٍ، ولا يصحّ إيمانٌ بلا إخلاصٍ ونيَّةٍ، ولقد جاءت الآيات الكريمة والسنة النبوية لتبين لنا مسالك الإيمان القولية والعملية، وأوضحت لنا طريق الإيمان ليتزوّد من تزود، فتزوّدوا عباد الله، وإنّ خير الزاد التقوى، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صحّ عنه في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ).
حيث بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أنّ للإيمان خصالًا وأعمالًا وطرقًا متعدِّدةً تصل إلى ستّين أو سبعين خصلة، وقد تنوعت هذه الخصال فجمعت بين العمل بالجوارح والأقوال و أعمال القلوب ، وكل ذلك تكرُّمٌ من الله تعالى؛ لينوع على العباد طرق الإيمان، فيسلك المؤمنون هذه الطرق؛ ليصلوا بها إلى رضوان الله -تعالى-، وكلٌّ بحسب قدرته واستطاعته، فمن عجز عن خصلةٍ من هذه الخصال وجد أمامه خصالاً أخرى، وذلك مراعاةً لأحوال العباد ورفقًا بهم، وقد بيّن الحديث الشريف أنّ أعلى هذه الخصال هو قول كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" خالصةً لله تعالى، ومن منا يعجز عن هذه الكلمة الطيبة، ممّا يبيّن ويظهر الكرم الإلهيّ على عباده، فلم يكلفهم ما يعجزون عنه.
وقد بين الحديث كذلك على أنّ اليسير من العمل عند الله عظيمٌ، فإماطة الأذى هي أدنى خصال الإيمان، ولكنّها عظيمة الأجر عند الله تعالى، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ، فأخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له)،فانظروا إلى عظيم كرم الله، يغفر لعبدٍ بإماطته الأذى عن الطريق، و إماطة الأذى عن الطريق هي أدنى شعب الإيمان، فكيف لو أراد الله أن يكافئ على ما هو أعلى من ذلك من خصال وشعب الإيمان، نسألك يا الله ألّا تحرمنا من واسع فضلك وعظيم كرمك.
وقد بين الصحابة الكرام بعض هذه الشعب الإيمانية، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أرْبَعُونَ خَصْلَةً أعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، ما مِن عَامِلٍ يَعْمَلُ بخَصْلَةٍ منها رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إلَّا أدْخَلَهُ اللَّهُ بهَا الجَنَّةَ) قالَ حَسَّانُ: فَعَدَدْنَا ما دُونَ مَنِيحَةِ العَنْزِ، مِن رَدِّ السَّلَامِ، وتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وإمَاطَةِ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، ونَحْوِهِ،ولم يحصر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الشعب ولم يعدّدها؛ وذلك ليبقي المسلم مجتهدًا فاعلًا في جميع أبواب الخير، وليعمل الناس كلٌّ بما هو ضمن استطاعته ووسعه؛ ف الأعمال الصالحة في الإسلام متنوعة؛ منها القولية كذكر الله تعالى، ومنها القلبي كالتأمل والتفكّر في خلق الله والخلوة مع الله، ومنها البدنيّ كالصلاة، ومنها الماليّ كالصدقات والزكاة، وغيرها من العبادات المتنوعة،فجِدُّوا في العمل وتزوّدوا، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيِّبًا مباركًا كما ربُنا أمر، والصلاة والسلام على خير بني البشر، أمّا بعد: فاعلموا عباد الله أنّ الحديث قد بيّن أنّ الحياء شعبةٌ من الشعب الإيمانيَّة، وذلك لأهميّته وعظيم شأنه عند الله -تعالى-، فهو خُلق الملائكة الكرام والأنبياء العظام وقبل ذلك، فالحياء صفةٌ من صفات الله تعالى ؛ فالله حيي ستير.
عباد الله، اتقوا الله وآمنوا به حقّ الإيمان، واعلموا أنّكم إليه راجعون وبين يديه ستقفون وعن أعمالكم ستسألون، فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه: (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
الدعاء
- اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
- اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم المبارك ذنبًا إلا غفرته ولا همًّا إلا فرجته ولا دينًا إلا قضيته ولا ميتًا إلا رحمته ولا مريضًا إلا شفيته.
- اللهم اهدنا لخير العمل لا يهدي إليه إلا أنت.
- اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين وأرهم الحقّ حقًّا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلًا وارزقهم اجتنابه.
عباد الله، (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ).