خطبة عن الجنة ونعيمها
مقدمة الخطبة
الحمد لله -تعالى- الذي أعدّ الله الجنة لعباده المؤنين نُزلاً، الحمد لله الذي يسّر لعباده الصالحين سبيل الطاعات ولن يجدوا عن جنة الفردوس شُغلاً، الحمد لله الذي خلق الجنة ودلّنا على طريقها وذّلل لنا إليها سبلاً، الحمد لله الذي خلق الجنة من قبل خلق العباد، وحفّها بالمكاره وجعل الدنيا امتحان وبلوى.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي خلق لعباده الموت والحياة؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، ونشهد أن محمّداً عبده ورسوله، الذي بذل الغالي والنفيس ليفوز بجنات المأوى، وصلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم الملتقى.
الوصية بتقوى الله
عباد الله.. اتقوا الله واخشوه، فإنّ تقوى الله رأس الأمر كلّه، وهي السبب الموصل بلا شك إلى جنات الخلد، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار، فاتقوا الله عباد الله، وكونوا في سبيل الله إخواناً.
الخطبة الأولى
عباد الله.. نحن بنو البشر مجبولون على حب الراحة، والبحث عن السعادة، فكل منا مشغول في دنياه يبحث عمن يكمل سعادته، فهناك من يركض وراء جمع المال، وهناك من يكثر من الأولاد والعيال، وهناك من يظن السعادة بسيارة فارهة، أو ملابس فاخرة، أو زوجة من فرط الجمال فاتنة، ولكن هذا المتاع كله وهذا النعيم كلّه ما هو إلا نعيم زائل.
حتى وإن حاز العبد الدنيا بحذافيرها، يبقى متاعٌ قليلٌ، قال الله -تعالى-: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى)، ولما كان نعيم الدنيا قليل، أعد الله -تعالى- للمؤمنين نعيم لا يفنى ولا يزول، إنها جنة الفردوس.
أيها المسلمون، أعيروني سمعكم وذهنكم، ولنذهب سريعاً في رحلة إلى الجنة ونرى نعيمها، فترى أهل الإيمان يقفون زمراً وأفواجاً أمامها، ولكنهم لا يسيرون إليها، بل هي من تُزلف لهم وتقترب منهم، فتفتح الجنة لهم أبوابها، وأي أبواب أبوابها، لا مثيل لها من اتساعها، إذ الباب الواحد ما بين مصراعيه مسيرة أربعين عاماً.
وقد أخبرنا المصطفى أنه يأتي عليه يوم ويكون مزدحماً، والجنة أبوابها ثمانية، يدخل المؤمن من أي باب شاء، وسط ترحيب وحفاوة كبيرة، فيقول لهم الملائكة: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).
أيها المؤمنون، يدخل بعدئذ دار نعيمهم الأبدي الفائزون، وفي أصناف النعيم يتقلّبون، وعلى سررهم يجلسون، المفروشة بسندس واستبرق، وعلى أرائكها يتّكئون، ومن ألذ وأشهى الطعام يأكلون، ومن الأنهار من خمر وعسل ولبن مصفى يشربون، فيها فاكهة مما يتخيّرون، ولحم طير مما يشتهون.
وبالحور العين يتنعّمون، ظلّها غير ممدود، وماؤها يجري في أخدود، ونعيمها ليس محدود، لا تشبه شيئاً من أشياء الدنيا؛ فالزعفران ترابها، واللؤلؤ حصباؤها، عليل هواءها، يفوح المسك من جدرانها.
أيها المسلمون العقلاء، هل تتخيلون حياة لا مرض فيها، ولا موت فيها، ولا فقر فيها، ولا سقم ولا هم ولا غم، هل لكم أن تتخيلوا أن تسمعوا منادياً يناديكم: (إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا)،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فيا فوز المستغفرين استغفروا ربكم وأنيبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أمر ألا نعبد إلا إياه، والصلاة والسلام على رسول الله، الحمد لله الذي جعل الجنة لمن اتقاه، والنار لمن عصاه، أما بعد، عباد الله الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فجددوا إيمانكم بلا إله إلا الله، واعلموا أن الجنة ليست منا ببعيد، فمفتاحها هو قول "لا إله إلا الله".
عباد الله، استبشروا بدار النعيم الأبدي، فهل لكم لو دريتم عن نسائها، فهنّ الحوريات اللواتي أنشأهنّ الله -تعالى- للمؤمنين إنشاءً، يحار الناظر في حسنهن وجمالهن، وقد قال الله -تعالى- فيهن: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ* فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ).
أتدرون ما هو النعيم الحقيقي في الجنة، هو رؤية وجه الله الكريم، نسأل الله -تعالى- أن يكرمنا جميعاً بلذة النظر إلى وجهه، وهذا وعد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد قال: (أَما إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ)،
وبعد كل ذلك النعيم يسألهم الله -تعالى- هل رضوا بهذا الجزاء العظيم، ويبشرهم بالزيادة، فيعدهم الله -تعالى- برضوانه الأبدي، فلا يسخط عليهم بعد ذلك أبداً، فقل لي بربك أيها المسلم أي فوز وأي فلاح كهذا الفلاح.
الدعاء
اللهم ارزقنا الخلود في جنات النعيم، ومرافقة الأنبياء والمرسلين، اللهم لا تحرمنا من لذة النظر إلى وجهك الكريم، وسلطانك العظيم، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلّة، اللهم إنّا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل، اللهم وفقنا للفوز برضوانك، وخذ بأيدينا نحو جنانك.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح الآخرة التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة من كل خير وراحة من كل شر، اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كلّ مكان، اللهم اشفِ مريضهم، وعافِ مبتلاهم، وفكّ أسراهم، وارحم ضعفاءهم، وصلّ الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.