خطبة بعنوان صلة الرحم
مقدمة الخطبة
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي خلق الخلق، وأبدع الكائات، الحمد لله شرع الدين وأحكم التشريعات، الحمد لله حثَّ المُؤمنين على المحبة والوئام، وندبهم إلى التزاور وصِلة الأرحام، وحذَّرهم من التَّدابر، والقطيعة، والخِصام، وأشهد ألا له إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أخشى الناس لربه وأتقى، دل على سبيل الهدى، وحذر من طريق الردى، صلوات ربِّي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الوصية بتقوى الله تعالى
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- في السر والعلن، فتقوى الله فوزٌ لنا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فقد قال الله -تعالى- في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
الخطبة الأولى
أيُّها المسلمون، حديثتا اليوم عن أمر عظيم، وحق كريم أوجبه الله -سبحانه وتعالى- على عباده ألا وهو صلة الرحم، وقد أكَّد الله على صِلَة الأرحام وأمر بها في مواضِع كثيرة من كتابه العزيز، قال الله -سبحانه وتعالى- في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
أيها الإخوة الأفاضل، إن صلة الرحم في الإسلام تعني الإحسان إلى الأقارب ، وإيصال ما أمكن من الخير إليهم، ودفع ما أمكن من الشر عنهم، ويدخل في الأرحام الجهات الآتية : الوالدين ووالديهم وإن علو، والأولاد وأولادهم وإن نزلوا، والإخوة وأولادهم، والأخوات وأولادهن، والأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات.
معشر المسلمين، يجب التنبيه هنا إلى أن صلة الرحم لا تكون على سبيل المقابلة والمكافأة؛ فلا يجوز للمسلم أن يصل رحمه فلانًا لأنه يصله ثم يقطعه إذا قطعه؛ فعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: (ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها).
أيها الأحبة في الله، تتحقق صلة الرحم بزيارة الأقارب، وتفقد أحوالهم، والسؤال عنهم، والتلطف مع غنيهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتعاهدهم بكثرة السؤال والزيارة، والدعاء لهم، ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم، وصلة الرحم تتحقق عبر وسائل الاتصالات الحديثة التي قربت البعيد، وألغت المسافات، وهدمت الحدود بين القارات.
معاشر المسلمين، إن صلة الرحم من أعظم القُربات، وأجلّ الطاعات، وأرفع العبادات التي أمرنا الله سبحانه وتعالى- بها، ولصلة الرحمة فضائل كثيرة تعود على صاحبها في النفع بالدنيا والآخرة، وفيما يأتي أهم تلك الفضائل:
- إن صلة الرحم سبب لدخول الجنة؛ فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: (جاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فقالَ: دُلَّنِي علَى عَمَلٍ أعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنَ الجَنَّةِ، ويُباعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتي الزَّكاةَ، وتَصِلُ ذا رَحِمِكَ، فَلَمَّا أدْبَرَ، قالَ رَسولُ اللَّهَ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: إنْ تَمَسَّكَ بما أُمِرَ به دَخَلَ الجَنَّةَ).
- صلة الرحم سبب لطول العمر وكثرة الرزق؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(من سرَّهُ أن يُبسَطَ علَيهِ في رزقِهِ ، ويُنسَأَ في أثرِهِ ، فليَصِلْ رحمَهُ).
- صلة الرحم تجلب صلة الله -تعالى- للواصل؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:(إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ حتَّى إذا فَرَغَ منهمْ قامَتِ الرَّحِمُ، فقالَتْ: هذا مَقامُ العائِذِ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى، قالَ: فَذاكِ لَكِ).
- صلة الرحم شعار الإيمان بالله -تعالى- واليوم الآخر؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
أيها الإخوة الأكارم، فلنحذر من قطيعة الرحم فإن الله -تعالى- توعد لقاطع الرحم عقوبات كبيرة في الدنيا والآخرة ، نذكر منها:
- قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة؛ فعن أبي بكرة بن الحارث -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :(ما من ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرةِ من البَغْيِ، وقطيعةِ الرَّحِمِ).
- قاطع الرحم لا يرفع له عمل ولا يقبله الله -تعالى-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّ أعمالَ بني آدمَ تُعرضُ كلَّ خميسٍ ليلةَ الجمعةِ فلا يُقبلُ عملُ قاطعِ رَحِمٍ).
- قطيعة الرحم سبب لقطع الوصل مع الله -تعالى-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حتَّى إذا فَرَغَ مِن خَلْقِهِ، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَهو لَكِ).
- قطيعة الرحم سبب في المنع من دخول الجنة، عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ).
اللهم وفقنا لصلة أرحامنا وجنبنا القطيعة، وارزقنا رضاك بوصلهم يا أرحم الراحمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو السميع المجيب.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله، فلنقِ الله -تعالى-ولنصل ما أمر الله به أن يوصل من حقوقه وحقوق عباده، ولنصل أرحامنا؛ فإن صلة الأرحام سببٌ لدخول الجنة، ولطول العمر وكثرة الرزق، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من سرَّهُ أن يُبسَطَ علَيهِ في رزقِهِ ، ويُنسَأَ في أثرِهِ ، فليَصِلْ رحمَهُ).
أيها المسلمون، إن من أهم أسباب قطيعة الرحم ضعف الإيمان في قلوبنا والانشغال بالدنيا وملهياتها، وعدم قبول الأعذار وعدم الصفح عند الإساءة، ولقد ضرب لنا يوسف -عليه السلام- أروع الأمثلة بالعفو عن إخوانه الذين جافوه وعادوه؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى- على لسان يوسف -عليه السلام-: (قالَ لا تَثريبَ عَلَيكُمُ اليَومَ يَغفِرُ اللَّـهُ لَكُم وَهُوَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ).
أيُّها الأحبة في الله، دعونا ننظر في حالنا مع أرحامنا، هل قمنا بما يجب علينا من صلة؟ هل قمنا بما يجب لهم من محبةٍ، وتكريمٍ واحترام؟ هل شرحنا الصدور عند لقائهم؟ هل عدناهم في مرضهم؟ هل بذلنا ما يجب بذله لهم من نفقة وسداد حاجة؟ وهل كنا لهم خير معين في حاجتهم؟ أيها الكرام، دعونا منذ هذه اللحظة إن كان بيننا وبين أحد أرحامنا خلاف أو هجران فلنبادر بصلته والعفو عنه، ولنتذكر قول الله -سبحانه وتعالى- في محكم التنزيل: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
الدعاء
معاشر المسلمين، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:
- اللهم اهدنا لصلة أرحامنا، واحفظنا من القطيعة يا أرحم الراحمين.
- اللهم أصلح بين المتخاصمين من الأقارب والأصدقاء يا رب العالمين.
- اللهم اجعلنا من الأبناء البررة، واجمعنا مع والدينا في جناتك جنات النعيم يا أرحم الراحمين.
- اللهم اهد قلوبنا وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
- اللهم يسر لنا فعل الخيرات، وباعد بيننا وبين المنكرات، واحفظنا من الفتن والشبهات، وارزقنا من حيث لا نحتسب يا أرحم الراحمين.
- اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت، وعافِنا فيمَن عافيت وتولَّنا فيمَن تولَّيت، وباركْ لنا فيما أعطيت، وقِنا شرَّ ما قضيت، إنك تَقضي ولا يُقضى عليكَ، إنه لا يَذِلُّ مَن والَيت، ولا يَعزُّ مَن عاديت، تباركت ربَّنا وتعالَيت يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.