حكم لبس الباروكة
حكم لبس الباروكة
الباروكة هي شَعْرٌ اصْطِنَاعِيٌّ يُوضَعُ فَوْقَ الرَّأْسِ للِزِّينَةِ، وهي بهذا الوصف متعلِّقةٌ بمسألة وصل الشعر، وقد تناول الفقهاء حكم وصل الشّعر، وربط الفقهاء بين حكم الباروكة وحكم وصل الشعر؛ لاقتِرانهما في المعنى والغاية، وفيما يأتي تفصيلٌ لأقوال الفقهاء في حكمه.
حكم وَصل الشّعر
ذهب الفقهاء إلى القول ب حرمة وصل الشّعر إن كان الشعر المستعمل في الوصل شعرًا لآدميٍّ، أو كان شعرًا نجسًا، ويستدلّوا على ذلك بجملةٍ من الأدلة، منها:
- ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لَعنَ اللَّهُ الواصِلَةَ والمُستَوصِلَةَ، والواشِمةَ والمُستوشِمَةَ).
- حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- حيث رُوي عنها أنها قالت: (سألت امرأةٌ النبيّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنّ ابنَتِي أصابَتْها الحَصْبةُ، فامَّرَقَ شَعْرُها، وإني زَوَّجْتُها، أَفَأَصِلُ فيه؟ فقال: لعنَ اللهُ الواصلةَ والمستوصِلَةَ).
- ما روي في صحيح البخاري من حَديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - حيث جاء فيه: (قدِمَ معاويةُ المدينةَ، آخرَ قدْمةٍ قدِمَها، فخطبنا، فأخرج كُبّةً من شعَرٍ، قال: ما كنتُ أرى أحداً يفعلُ هذا غيرَ اليهودِ، إنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سمّاهُ الزورَ؛ يعني الواصلةَ في الشّعرِ).
أقوال الفقهاء في وصل الشعر
وصل الشّعر بشعر آدميّ
اتّفق الفُقهاء على حُرمة وصل الشعر إن كان موصولاً بشعر آدمي، بقصد التجمُّل والتزيُّن، أو تحسين المظهر؛ لما ثبت من الأحاديث والأدلّة الناهية صراحةً عن وصل الشعر، ولأنّ الانتفاع بشعر الآدميّ محرمٌ، لأن شعر الآدمي مُكرمٌ في أصله، ولا فرق في ذلك إن كان الشعر المستخدم في الوصل من محرَمٍ كالزوج والأخ أو من امرأةٍ من الأرحام أو من غيرهم.
وصل الشّعر بغير شعر الآدمي
تعدّدت أقوال الفُقهاء في حكم وصل الشّعر إن كان الشعر المُستخدم في الوصل بغير شعر آدمي؛ كأن يكون مأخوذًا من مواد أخرى؛ ك وصل الشعر بالخيط والصوف وشعر الماعز وغير ذلك ، وبيان أقوالهم آتيًا.
القول الأول: إباحة الوصل بشعر غير الآدمي
وذهب إلى هذا القول فقهاء الحنفية والليث بن سعد؛ حيث يرون جواز وصل الشعر ما لم يكن مأخوذًا من شعر آدميّ؛ كالصّوف أو شعر الماعز أو وبر الإبل أو الخِرق، لأنّ ذلك ليس من قبيل التدليس والخداع؛ لأنّ الوصل ليس بشعر آدمي، وللفارق بين شعر الآدمي وشعر غيره.
القول الثاني: حُرمة الوصل بشعر غير آدمي
ذهب فقهاء المالكيّة وأهل الظاهر إلى القول بحرمة الوصل حتى بشعر غير الآدمي، واستدلّوا على ذلك بعموم النهي الوارد في الأحاديث النبوية سالفة الذكر، وقالوا إنّها تُشير إلى حرمة وصل الشعر مُطلقًا، دون تفريقٍ بين الوصل بشعر آدميٍّ أو غيره، ولأنّ الوصل يُعتبر من التدليس والخداع، وفيه تغييرٌ لخلق الله ؛ فلا يجوز عند أصحاب هذا القول مطلقًا وصل الشعر حتى بشعر حيوانٍ كالصوف والوبر وغير ذلك، ولكنّ فقهاء المالكيّة استثنوا من ذلك وصل الشعر بالخِرق أو الخيوط المصنوعة من الحرير؛ إذ إنّها ليست شعرًا، ولا تُشبه الشعر، فلا يُعتبر وصل الشعر بها من قبيل الوصل المحرم، إنما هي من الزّينة ليس أكثر.
القول الثالث: التفريق بين الوصل بالشعر الطاهر والنجس
فرَّق الشافعيّة في حُكم وصل الشعر من غير الآدمي، إن كان هذا الشعر الموصول منه نجِسًا وخبيثا في أصله؛ فيحرُم الوصل به لنجاسته، أما إن كان الشعر الموصول منه طاهرًا؛ فيُفرِّق كذلك إن كانت التي تُريد الوصل مُتزوِّجةً أو غير متزوجة؛ فإن كانت متزوِّجةً جاز ذلك لها إن أَذِن لها الزوج بالوصل، وإن كانت غير متزوِّجةٍ حرُم عليها الوصل، أمّا وصل الشعر بشيءٍ مصنوعٍ كالحرير الملوّن، فلا بأس به؛ لأنّه لا يُشبه الشعر، ولعدم ورود النّهي عن استعماله.
القول الرابع: التفريق بين الوصل بشعر غير الآدمي أو بمادةٍ غير الشعر
حيث ذهب فقهاء الحنابلة إلى أنّ الوصل يحرُم إن كان بشعر آدمي أو غير آدمي، كأن يُستخدم في الوصل شعر الماعز، أو شعر البهائم، وذلك للنهي الوارد في النصوص النبوية عن وصل الشعر بشعر، حتى لو كان شعر غير آدمي، أمّا إن كان الوصل بغير شعر، كالصّوف، أو الحرير أو الخِرق، فيجوز وصل الشعر لحاجةٍ، كربط الشّعر أو شدّه، ونُقل عن الحنابلة قولان حكم الوصل لغير حاجةٍ: الحُرمة، والكراهة، ويرى ابنُ قدامة من الحنابلة أنّ الراجح عندهم كراهة ذلك لا حُرمته.
حكم وصل الشعر بالباروكة
بعد بيان آراء الفقهاء في حكم وصل الشعر بشعر الآدمي أو شعر غير الآدمي، وبيان أقوالهم في حكم وصل الشعر بشيءٍ لا يُشبه الشعر كالصّوف والحرير، يتبيّن أنّ لبس الباروكة المصنّعة مختلفٌ فيه عند الفقهاء، فمنهم من قال بحُرمة ذلك لوجود التدليس فيه، ومنهم من قال بجوازه لعدم تشابهها بشعر الآدمي.
التجمّل والزينة في الإسلام
خلق الله -تعالى- الإنسان في أحسن صورة وأتمِّها، وجبله وفطره على حُبّ التَّجمُّل والتزين ، بل دعا الله -تعالى- عباده إلى التزيُّن باللباس الحسن، والاهتمام بالهندام والمظهر، إلّا أنّ التجمّل والتزيّن مقيَّدٌ بضوابط الشرع، وعدم انتهاك محظور، كالإسراف والتبذير، أو التزيُّن بما حرّم من الزينة، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
والتزُّين بما جَمُل من الثياب في الإسلام مَشروعٌ للرّجال والنّساء ضمن ضَوابط وحدودٍ حدَّدها الله لكلٍ منهما، ف لباس المرأة يختلف في حكمه وكيفته عن لباس الرجل، كما أمر بتسريح الشعر وتزينه؛ ومن ذلك أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دعا إلى العناية به والاهتمام بمظهره وشكله من خلال تسريحه وإكرامه دون مبالغة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (منْ كان له شعرٌ فليُكْرمهُ).