حكم تهذيب اللحية
أقوال العلماء في مشروعية الأخذ من اللحية
تنوعت آراء العلماء في مشروعية الأخذ من اللحية للرجل إلى رأيين: يرى الأول مشروعية الأخذ من اللحية، ويرى الثاني عدم مشروعية الأخذ منها، وفيما سيأتي تفصيل لكل رأي منها:
- مشروعية الأخذ منها
يرى أصحاب هذا الرأي بمشروعية الأخذ من اللحية -وبخاصة أثناء فك الإحرام الانتهاء من أداء مناسك الحج والعمرة-، وهذا رأي عدد من كبار الصحابة والتابعين وجمهور المالكية والحنفية والحنابلة، ونصَّ الشافعي على استحباب أن يأخذ المتحلل من الإحرام: "من لحيته وشاربيه، حتى يضع من شعره شيئاً لله، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية".
وكان ابن عمر أشد الصحابة تمسكاً بسنة النبي الكريم ومع ذلك فقد كان يهذب من لحيته في غير المناسك، وعلّل ابن حجر سبب تهذيبه لها: بأنه كان يحمل الأمر النبوي بإعفاء اللحية على غير حالةٍ تتشوَّه فيها صورة الملتحي، بإفراطٍ في طول شعر لحيته أو في عرضها، ونقل عن عطاء: "إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به".
- عدم مشروعية الأخذ منها
يرفض عدد من العلماء مثل النووي وابن دقيق العيد تهذيب اللحية بأي شكل من الأشكال، بدليل ظاهر حديث: (وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)، فالمقصود من هذا الحديث عند أصحاب هذا الرأي: إعفاء اللحية بتركِها، حتى تصبح كثة وتنكاثر طولاً وعرضاً.
مقدار الأخذ من اللحية لتهذيبها
المشهور في كتب الفقه أنَّ المقدار المباح أخذه من اللحية هو ما زاد عن قبضة اليد، بدليل أنَّ ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يفعل ذلك حين يتحلل من الإحرام، فقد كان -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ علَى لِحْيَتِهِ، فَما فَضَلَ أَخَذَهُ). وصنيع ابن عمر يدل على أنَّ المسنون في اللحية أن تكون قدر القبضة، وقال مروان بن سالم: "رأيت ابن عمر يقبض على لحيته؛ ليقطع ما زاد على الكف".
وهذا الذي صنعه ابن عمر في لحيته لم يتفرد به، فقد ورد ذلك أيضاً عن صحابة آخرين كأبي هريرة، وعن كبار التابعين كمجاهد، وغيرهما من كبار علماء السلف، دون أن يُعرف رأي يخالف رأيهم في مقدار الحد الأدنى للحلق، ويرى بعض المعاصرين أنه يُكتفى برؤية شعر في وجه الملتحي، مستدلين على رأيهم بأنَّ الملتحي -لغةً-: هو الذي مَن يراه مِن بعيدٍ يعلمُ قد زيَّن وجهه بلحيته، دون حاجة لتحديدها بمقدار غير منضبط.
حكم حلق اللحية كاملة
يرى جمهور العلماء من حنفية ومالكية وحنابلة -وهو أحد قولي الشافعية- تحريم حلق اللحية؛ لأنه مخالف للأمر النبوي بذلك، حتى أفتى بعض المالكية -كالدسوقي- بأنَّ الرجل الذي يحلق لحيته مرتكب للحرام، وعلى السلطان أن يؤدب فاعل ذلك. كما أنَّ ابن عابدين شنّع على حالق لحيته فرأى أنَّ الأخذ من اللحية مخنثةٌ للرجال، لم يُبحه أحد، وأنَّ الأخذ من اللحية كلها هو فِعل اليهود والهنود ومجوس الأعاجم.