حكم الزواج من زوجة الأب
حكم الزواج من زوجة الأب
لقد نهى الله -عزَّ وجلَّ- الرجلَ عن الزواجِ من زوجةِ الأب بنصٍ قطعيِّ الثبوتِ والدلالةِ، حيث قال الله -تعالى- في محكمِ كتابه: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا).
وإنَّ حرمةَ زواجِ الرجلِ من زوجةَ أبيه تقعُ بمجردِ العقدِ الصحيحِ بينَ الأبِ وزوجته، سواء أدخل الأبُ بها أم لم يدخل، وتبقى هذه الحرمة مستمرة بين الرجلِ وزوجةِ أبيهِ حتى لو فارقَها زوجها من وفاةٍ أو طلاقٍ؛ وبذلك تكونُ زوجةُ الأبِ محرمةٌ على الرجلِ حرمةً مؤبدةً .
وهذا التحريمُ ليس مقتصرًا على زوجةِ الأبِ الحقيقي فقط، بل إنَّه يشملُ جميعَ الآباءِ مهما علوا، أي إنَّه يشمل زوجةِ الجدِ، وزوجةُ والدِ الجدِ، وزوجةِ والدِ والدِ الجدِّ، وهكذا مهما علَا هؤلاءِ الآباءِ.
حكم الزواج من زوجة الأب بالعقد الفاسد
لقد تعدّدت آراءُ أهل العلمِ في حكمِ زواجِ الرجلِ من زوجةِ أبيهِ التي عقد عليها عقداً فاسداً، وفيما يأتي ذكر أقوالهم:
- الحنفية
ذهب فقهاء الحنفية إلى أنَّ زواجَ الرجلِ من زوجةِ أبيه التي كان قد عقدَ عليها عقداً فاسداً جائزٌ شرعا؛ إذ إنَّ العقدَ الفاسدَ ليس له أيُّ أثرٍ في الحرمةِ، بشرطِ أن لا يكونَ الأب قد وطأ هذه الزوجة أو دخل بها دخولًا حقيقيًا.
- المالكية: فرَّق فقهاء المالكيةِ بين العقدِ الفاسدِ الذي أجمع أهلُ العلمِ على فساده وبين العقد الفاسد الذي لم يجمع أهل العلمِ على فساده، وفيما يأتي تفصيل ذلك:
- العقد المجمع على فساده: لا تحرمُ به زوجة الأبِ على الابنِ، إلَّا إذا كان الأب قد دخل بها دخولًا حقيقيًا، أو حصل بينهما مقدمات الوطْء.
- العقد غير المجمع على فساده: تحرم به زوجة الأب على الابنِ، ولا فرقَ بينه وبين العقدِ الصحيح عندهم.
- الشافعية
لقد وافق فقهاءُ الشافعيةِ فقهاء الحنفية؛ حيث ذهبوا إلى أنَّ العقدَ الفاسدِ لا يحرِّم زوجةَ الأب على ابنه إلَّا إن كان الأب قد وطأ هذه الزوجة ودخل بها دخولًا حقيقيًا، وبناءً على ذلك فإنَّ زوجةَ الأب عندهم لا تحرمُ على الابن إلَّا بالعقدِ الصحيحِ أو الوطْء.
- الحنابلة
لم يفرِّق فقهاء الحنابلةِ بين العقدِ الصحيحِ وبين العقدِ الفاسدِ من حيث أثره على حرمةِ الزواجِ من زوجةِ الأب؛ حيث ذهبوا إلى حرمةِ الزواجِ منها بمطلقِ العقدِ، سواء أكان العقدُ فاسدًا أم صحيحًا، وسواء تمَّ الدخول أو لم يتمَّ.
الحكمة من حرمة الزواج من زوجة الأب
إنَّ في تحريمِ الزواجِ من زوجةِ الأب قطع الطريقِ على الابنِ في النظرِ إلى هذه الزوجةِ والإعجاب بها، والذي قد يؤدي إلى الوقوعِ في حبِّها وتمنّيها زوجةً له، فتجده يُمنِّي نفسه بالزواجِ بها بعد موتِ أبيهِ، فيفرح لموته أو يسعى لقتله، فجاء الشرعُ الحنيف يحرِّم هذا الزواجَ حتى بعد الوفاةِ؛ لئلَّا يطمع الابن بزوجةِ أبيهِ.