حكم الانتحار
الانتحار في الشريعة الإسلامية
حكم الانتحار في الإسلام
إنّ الانتحار ظاهرةٌ خطيرةٌ في المجتمعات المُسلمة وغيرها، وهو مُحرَّمٌ شَرعًا؛ بل إن الإسلام عدّه من كبائر الذنوب والآثام التي قد يقترفها المسلم؛ لما فيها من اعتداءٍ على حق الحياة الذي منحه الله تعالى للإنسان، وأمره بحفظها، فيكون المنتحر متعدٍّ على ما استأمنه الله عليه من روحه وجسده، وظالمًا لنفسه.
أدلة تحريم الانتحار
تواردت نصوصٌ شرعيَّةٌ كثيرةٌ تدلّ على حرمة الانتحار، واعتبار الإسلام له جريمةً عظيمةً توجب العقوبة الإلهيّة، وفيما يأتي بيانٌ لعددٍ من هذه النصوص ودلالتها.
الخلود في النار
حيث وردت أحاديث نبويَّةٌ تبيّن أنّ من قتل نفسه قاصدًا، مصيره النار يوم القيامة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من تردّى من جبلٍ فقتل نفسَه، فهو في نارِ جهنمَ يتردّى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًا فقتل نفسَه، فسمُّه في يدِه يتحساه في نارِ جهنمَ خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسَه بحديدةٍ، فحديدتُه في يدِه يجأُ بها في بطنِه في نارِ جهنمَ خالدًا مخلدًا فيها أبدًا).؛
ويُشير الحديث الشريف صَراحةً إلى أنّ المُنتحر خالدٌ في نار جهنّم، وأنّه يُعاقب في الآخرة بمثل ما استخدمه في قتل نفسه؛ فإن قتل نفسه بحديدةٍ تكون عقوبته بأن يغرسها في بطنه في النار يوم القيامة، ومن تَجرّع سمًّا تكون عقوبته كذلك في النار وغير ذلك.
تحريم الجنّة على المنتحر عمدًا
وذلك لما رواه جندب بن عبد الله -رضي الله عنه-، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جرحٌ، فجزِع، فأخذ سكينًا فحزَّ بها يدَه، فما رقأ الدمُ حتى مات، قال اللهُ تعالى: بادرني عبدي بنفسِه، حرمتُ عليه الجنةَ)، فيثبت الحديث أنّ من قتل نفسه أو أوردها المهالك حتى تسبب في قتل نفسه فإنما يُحرم الله عليه الجنّة لفعله ذلك.
عدم صلاة النبي على جنازة المنتحر
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُصلِّ على المنتحر؛ إشارةً وتوجيهًا منه إلى شنيع وقبيح هذا فعل، وزجرًا وردعًا لمن يُفكِّر بفعلٍ مثله، لكنه في الوقت نفسه لم يمنع الناس من الصلاة عليه ولم ينههم عن ذلك، مما يدلُّ على أنه لا يخرج من دائرة الإسلام مع كونه عاصٍ لله تعالى.
فقد روى جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنّه: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه)؛ والمشاقص هي السِّهام، فالحديث يدلّ على جوازِ الصلاة على قاتل نفسه، وعدم صحة من قال بعدم جوازها لكونه عاصياً وقد قال بصحة الصلاة على قاتل نفسه الحسن البصري والنخعي وقتادة والإمام مالك وأبو حنيفة والشافعي وجمهور أهل العلم، حيث إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يمنع الصحابة من الصلاة عليه، وإنما كان امتناعه هو من الصلاة عليه من باب الزجر لا الحرمة.
حفظ النفس في الإسلام
حَرص الإسلامُ على الإنسان وكرّمه، وحرَّم الاعتداء على النفس البشرية، ونهى عن كلّ ما يؤذيها، حتى لو كان ذلك الإيذاء يَسيرًا، ومن أبرز ما شرعه الإسلام لحفظ النفس؛ تحريم القتل، وتشريع عقوباتٍ زاجرة للحدِّ من انتشاره وفُشوّها في المجتمع؛ لحفظ الأنفس و حفظ أمن المجتمع ، وضمان سلامته واستقراره.
وحفظ النفس في الإسلام من الضرورات الخمسة التي يجب صونها، واعتبر الإسلام الاعتداء على نفسٍ واحدٍ اعتداءً على الناس جميعهم؛ تعظيمًا لجرم الاعتداء على النفوس، بيانًا لقباحة ذلك، كما جعل حفظ نفسٍ واحدةٍ والإسهام في إحيائها كإحياء الناس جميعًا، قال الله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ).