ثورة الفلاحين في إنجلترا
ما قبل ثورة الفلاحين
اجتاح الطاعون الأسود أوروبا قبل 35 عاماً من ثورة الفلاحين، وأدّى إلى هلاك أكثر من ثلث السكان، ممّا أدّى إلى نقص في عدد السكان، وقلّة الأيدي العاملة الذين يعملون في الأرض، فبدأ الفلاحون الذين استمرّوا في العمل بالأرض بإعادة تقييم قيمتهم، وطالبوا بأجور أعلى وظروف عمل أفضل، إلّا أنّ الحكومة التي كانت تتألّف بشكلٍ أساسي من الأساقفة واللوردات من مالكي الأراضي لم تتجاوب مع مطالب الفلاحين، بل أقرّت قانوناً للحد من أي زيادة في الأجور، ومن جهةٍ أخرى كان مطلوباً من الدولة إيرادات كبيرة لتغطية مصاريف الحرب مع فرنسا، ممّا أجبر الحكومة على إدخال ضرائب الرأس.
أسباب ثورة الفلاحين
هناك العديد من الأسباب التي أدّت إلى حدوث ثورة الفلاحين ، وفيما يلي تلك الأسباب:
- ارتفاع الحد الذي يفرضه القانون على الأجور بعد ارتفاع تكاليف العمالة بشكل كبير في أعقاب طاعون الموت الأسود.
- محاولة عدد من مالكي الأراضي عديمي الضمير إعادة العمال الأحرار إلى أقنان لتوفير المال على الأجور.
- شعور عام بالاستغلال من قبل السلطات المحلية في زمن التدهور الاقتصادي .
- فرض ضريبة الرأس على جميع الفلاحين بغض النظر عن الثروة التي يمتلكونها وعلى أي شخص يزيد عمره عن 15 عاماً، مع إعفاء المتسوّلين فقط، وتميّزت هذه الضرائب بعدم الأخذ بالاعتبار قدرة الشخص على دفعها أم لا، فالمهم دفع الضريبة.
- بدء استياء الفلاحين بالتصاعد عندما تم فرض عدد من الضرائب لتمويل الإنفاق الحكومي، وذلك بين عامي 1377م و 1381م.
- احتياج ريتشارد إلى النقود لمواصلة الحرب مع فرنسا، ممّا دفعه لفرض ضرائب جديدة، لكن إلى هذا القَدَر كان لدى الناس ما يكفي أخيراً للتمرّد، حيث أدت تلك الأسباب إلى تمرّد عنيف في يونيو 1381م، عُرِف باسم ثورة الفلاحين.
قائد الثورة ومطالبه
كان وات تايلر أبرز قادة الثورة، وأراد هو ومن معه من القادة تحقيق تغييرات اجتماعية واسعة النطاق، تشمل ما يلي:
- إلغاء ضريبة الاقتراع.
- وضع حد للسقف على أجور العمل.
- إعادة توزيع ثروة الكنيسة.
- الإلغاء التام للعبودية .
- بالرغم من رغبة القائد والمتمردين في التغيير الاجتماعي، إلّا أنهم في نفس الوقت لم يكن لديهم الرغبة في إزالة الملك ريتشارد الثاني ملك إنجلترا (الذي حكم من 1377م إلى 1399م).
سَيْر ثورة الفلاحين
بدأ التمرد في جنوب شرق إنجلترا ثمّ امتد إلى لندن وأماكن أخرى، وقد تركّزت في المقاطعات الجنوبية الشرقية وشرق أنجليا، وفيما يلي وصف لأبرز الأحداث في الثورة:
- في شهر يونيو، انطلق جيش من الفلاحين المتمردين من كينت وإسيكس نحو لندن، واستولوا على برج لندن.
- في اليوم الثالث عشر من شهر يونيو دخل رجال كنتيش، بقيادة وات تايلر لندن، وقاموا ببعض الأعمال التخريبية كتدمير قصر عمّ الملك - جون جاونت- دوق لانكستر، والذي لم يكن يحظى بشعبيّة، كما قتلوا بعض التجار الفلمنكيين، ممّا اضطر الحكومة إلى بدء التفاوض معهم.
- في الرابع عشر من الشهر نفسه التقى ريتشارد برجال إسكس خارج لندن في مايل إند، حيث عرض عليهم العديد من الوعود، منها: وعدهم بأرض رخيصة، والتجارة الحرة، وإلغاء القنانة والسخرة.
- أجبر متمردو كنتيش في المدينة على الاستسلام لبرج لندن، وذلك أثناء غياب الملك، كما تّم قطع رأس كلّ من المستشار، رئيس الأساقفة سيمون من سودبوري، وأمين الصندوق السير روبرت هالز، فكلاهما كان مسؤولاً عن ضريبة الاقتراع.
- في اليوم التالي التقى الملك تايلر وكنتيشمن في سميثفيلد، وقُتل تايلر غدرًا في وجود ريتشارد من قبل عمدة لندن الغاضب.
- وافق الملك ريتشارد الثاني والذي يبلغ من العمر 14 عاماً على مقابلة الفلاحين في مكان يسمى مايل إند، حيث أقنع المتمردين بالتفرّق، ووعدهم بالإصلاحات، وانتهت الأزمة في لندن، إلّا أنّها بلغت ذروتها في المقاطعات في الأسابيع التالية.
- في حوالي 25 يونيو سحق أسقف نورويتش المتشدد -هنري لو ديسبنسر- المتمردين في شرق أنجليا بقيادة جون ليتستر، وبذلك انتهت الثورة.
نتائج ثورة الفلاحين
انتهى التمرّد بالفشل بعد أن استمر لأقل من شهر، حيث قُتل عدد من المتمردين المهمين، بما في ذلك زعيمهم وات تايلر، وقد قام الملك ريتشارد بقمع التمرد من خلال تقديم الوعود للفلاحين بإجراء إصلاحات، إلّا أنّه فشل في الوفاء بوعده، وبدلاً من ذلك تمّ تطبيق عقوبات قاسية على الأفراد الذين شاركوا بالتمرّد، وبالرغم من فشل ثورة الفلاحين إلّا أنّها شكّلت موقفاً حاسماً في تاريخ التمرّد الشعبي، ومن جهةٍ أخرى تمّ التخلي عن ضريبة الرأس، ولم يعد هناك صرامة عند تطبيق القيود المفروضة على أجور العمال، واستمر الفلاحون بالمطالبة باستقلاليتهم وتحرير أنفسهم من القنانة ليصبحوا فلاحين مستقلين.