تواضع أبو بكر الصديق
تواضع أبي بكر الصديق
أكرم الله المسلمين بصفحات مشرقة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه الكرام ما يُغذّي بها الروح، وينير بها العقول، وتنضج بها الأفكار، وتُربّى بها الأنفس والأبناء على قيم وأخلاق النبوة السمحة. ولنا في أبي بكر الصديق خليفة رسول الله قدوة وأسوة ومثال يحتذى في حسن الخلق والكرم والشجاعة والصبر وحسن العبادة.
وكان لا يغفل عن صفات التواضع والقرب من الناس دون جحود أو تكبر، مستناً بسنة نبينا وحبيبنا عليه الصلاة والسلام، ومطبقاً لشرع الله سبحانه وتعالى، فكان من أفاضل هذه الأمة، وأبرّها قلوباً، وأقلها تكلفة، وأحرصها تطبيقاً لشرع الله سبحانه.
مواقف تبين تواضع أبي بكر الصديق
تواضعه باعترافه بخطئه لإنقاذ صاحبه من التوبيخ
حدثت خصومة ذات مرة بين أبي بكر وبين الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، فأغضب أبو بكر عمرا، وانصرف عمر رضي الله عنه غاضباً، فلحق به الصِّدّيق يطلب العفو، لكن عمر -رضي الله عنه- بقي غاضباً، فذهب الصديق رضي الله عنه نادماً شاكياً للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عمر رضي الله عنه يطلب العفو من صاحبه، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر بادياً انزعاجه.
فأشفق الصّدِّيق على صاحبه حتى جلس على ركبتيه وهو يردّد: (أنا كنت أظلم أنا كنت أظلم)، رأفة ورحمة وإنقاذاً لأخيه عمر من هذا الموقف الحرج. لتتجلى الرحمة وقمة التواضع في هذا الموقف، فلم يقل الصديق بينه وبين نفسه: أنا خير منه كيف يرفض اعتذاري؟ ولم يقل: ليتلقى درساً قاسياً من رسول الله.
تقديمه العون للمحتاج
عن حُبيب بن عبد الرحمن عن عمّته أنيسة قالت: (كُنَّ جَوَارِي الْحَيِّ يَنْتَهِينَ بِغَنَمِهِنَّ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصّديقِ فَيَقُولُ لَهُنَّ: أَتُحِبُّونَ أَنْ أَحْلُبَ لَكُمْ حَلْبَ ابْنِ عَفْرَاءَ؟) وهذا تواضع شديد منه رضي الله عنه، حتى ذُكر أنه لما بويع خليفةً للمسلمين قالت له بعض نساء الحي: الآن لا تحلب لنا، فوصله ذلك، فأقسم لهنّ أنه باقٍ على أمره سائلاً المولى أن لا يغيره عليهن، فما ترك خلق التواضع بعد الخلافة، داعيًا الله الثبات على القيم والمبادئ.
تواضعه في خطبة توليه الخلافة
يقول سبحانه وتعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، فالذلة للمؤمنين والعزة على الكافرين صفات قومٍ وصفهم الله: (يحبهم ويحبونه)، فكانت هذه الحقيقة هي حال الصديق -رضي الله عنه- التي تجلّت في خطبة توليه الخلافة حين قال: "وليت عليكم ولست بخيركم، فإن ضعفت فقوموني، وأن أحسنت فأعينوني".
فهذا حال خليفة أجمعت الأمة المحمدية على صلاحه وأحقّيته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقف فوق المنبر ليقدم للأمة هذا التصريح، طالباً المعونة والتصويب من رعيته، متعرياً من كل كبر أو افتخار، فقد كان نعم الخليفة ونعم القائد -رضي الله عنه وأرضاه-.
تواضعه في سيره مع جيش أسامة ماشياً
يستمر رضوان الله عليه في تقديم أبهى وأجلّ صورالتواضع، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيّر الصديق جيش أسامة -رضي الله عنهما- لمعركة مؤتة، فما كان منه إلا أن ودّع الجيش وهو يسير محاذيًا للقائد أسامة ماشياً بجوار فرسه، والقائد الشاب راكباً، حتى خجل وقال له: "يا أمير المؤمنين لتركبَنَّ أو لأنزلن"، فأقسم الصديق قائلاً: "والله لا تنزل، ووالله لا أَركب وما على أن أغبر قدمى ساعة فى سبيل الله".
خلاصة المقال: كا أبو بكر -رضي الله عنه- شديد التواضع، فقد كان يحرص على أصحابه ويعترف بخطئه، وكان كريماً يقدّم المساعدة لمن يحتاج، وفي خطبة خلافته أمر الناس أن يصوّبوه ويعينوه على أمر خلافته، إلى غير ذلك من المواقف الكثيرة التي تُظهر تواضعه -رضي الله عنه وأرضاه-.