تفسير سورة النجم
معجزة الإسراء والمعراج
تحدّثت الآيات الأولى في سورة النجم عن معجزة الإسراء والمعراج، ورؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -عليه السلام- بصورته الملائكيّة، وقد بدأت الآيات بقوله -تعالى-: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) إلى قوله: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، وبيان ذلك فيما يأتي:
- إثبات صدق النبيّ
بدأت الآيات الكريمة بالقسم بالنجوم لإثبات ظاهرة الوحي، ووضّحت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما انحرف عن طريق الحق، فكل ما يصدر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أقوال وأخبار، ما هي إلا حق، فهو -صلى الله عليه وسلم- موكّل بمهمّة تبليغ الوحي للناس بلا زيادة ولا نقصان.
- وصف جبريل -عليه السلام-
وصفت الآيات الكريمة جبريل -عليه السلام- بكونه معلم القرآن لرسول الله، فوصفته بالقوة، والعقل السديد، إذ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رآه بصورته الملائكية وهو يلوح في أفق السماء، فكانت أول رؤية عند بدء نزول الوحي في غار حراء، ووصفت الآيات قربه من رسول الله كقرب القوسين من بعضهما.
- إثبات رؤية جبريل عند سدرة المنتهى
الرؤية الثانية لجبريل -عليه السلام- كانت في ليلة الإسراء والمعراج عند شجرة في السماء السابعة، وتُدعى بسدرة المنتهى، وعندها تكون الجنّة، وقد كذّب كفار قريش برؤية رسول الله لجبريل، وشكّكوا في حقيقة الأمر، ومنهم من قال بأن النبيّ متوهّم في ذلك، فأنكرت الآيات الكريمة موقفهم من هذه الرؤية، وأثبتت صدق الوحي، ورؤيته من النبي -صلى الله عليه وسلم- في معراجه إلى السماء.
أصنام الجاهلية التي عبدها المشركون
تناولت الآيات الكريمة في سورة النجم أسماء بعض الآلهة التي كانت تُعبد في الجاهلية وبيان ما كان يعتقدونه في الملائكة، قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى* أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى)، إلى قوله -تعالى-: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)، وبيان ذلك فيما يأتي:
- ذكر آلهة المشركين
جاء في السورة ذكر آلهة قريش التي لا تغني شيئًا بعد ذِكر الوحي ورؤيته، علّهم يقارنوا بين آلهتهم وبين الوحي الحق، فلم تأتِ أصنامهم بما أتى به جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلّم-، وفي ذكر أسمائها زيادة توبيخ، فما هي إلّا أسماء مخترعة، فسرت عادة عبادة هذه الأسماء، واتّباع أهوائهم، وقد أرشدت الآيات النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يعرض عن هؤلاء، فما عليه إلا البلاغ.
- اعتقاد المشركين في الملائكة
بيّنت الآيات الكريمة اعتقاد المشركين في الملائكة، مع توبيخهم بجعل الملائكة بنات الله -تعالى-، وجعل أنفسهم مصطفين بالأولاد، واستنكار ذلك عليهم بسؤالهم عن مصدر معلوماتهم؛ أَوَحيٌ من الله أم افتراءً عليه؟
صفات المحسنين وتوبيخ بعض المشركين
تحدثت الآيات عن صفات المحسنين، ووبّخت المشركين على ما كانوا عليه، وبيّنت أنّ كلّ نفسٍ لا تتحمّل وزر أيّ نفسٍ أخرى، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ)، إلى قوله تعالى-: (أَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى)، وبيان ذلك فيما يأتي:
- صفات المحسنين
وهم في الأساس الذين يبتعدون عن الذنوب التي تؤدّي إلى غضب الله -تعالى- والعذاب في الآخرة، وقَلَّ ما يرتكبون صغائر الذنوب، وهي التي لا يسلم من الوقوع فيها إلّا من شملته عصمة الله من الخطأ، ومن العلماء من أوّل المقصود اللمم بأنّه: صدور الذنب من العبد، ثم المسارعة بالتوبة، فلا يعاود الذنب مرة ثانية.
- ذم المشركين
انتقلت الآيات الكريمة إلى ذمّ أحد المشركين، وقيل إنه الوليد بن المغيرة، وذلك حينما ضمن لشخصٍ ما أن يتحمّل عنه عذاب يوم القيامة إن أعطاه شيئًا من ماله، وقيل إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي.
وقيل إنها نزلت في أبي جهل، لقوله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا يأمر إلّا بمكارم الأخلاق، فاستُنْكِرت عليه استمراره بعناده وكفره رغم اعترافه، فأعطى قليلا وأكدى؛ أي قال هذه الكلمة ثم توقف فلم يتبعها بما يجب أن يفعله، حتى يضمن حياته الآخرة.
- تحمّل كل نفس ما عليْها
بيّنت الآيات الكريمة أنّ النّفس لا تتحمّل وزر أي نفس أخرى في الآخرة، وهذه القاعدة كان معمول بها في شريعة إبراهيم وموسى -عليهما السلام-، فالمرجع يوم القيامة والمردّ إلى الله -تعالى-، فهو الحاكم العادل على ما بدر من العباد في الحياة الدنيا.
مظاهر القدرة الإلهية على الإحياء والإماتة والإغناء والإفقار
تحدثت الآيات الكريمة بعد التعرّض لأعمال العبد، وعرضها أمامه يوم القيامة، عن قدرة الله -تعالى- في إعادة إحياء الناس بعد موتهم وتحللهم في قبورهم، قال -تعالى-: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى)، إلى قوله -تعالى-: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى)، وبيان ذلك فيما يأتي:
- القدرة على تحديد مصير الإنسان
ومن قدرته -سبحانه وتعالى- تحديد والآجال، وخلقه للقدرة النفسية للنفس الإنسانية على التفاعل مع ما حولها من المواقف، فيظهر عليها الحزن والفرح، وهذا الأمر من خواص الإنسان النفسيّة، ومن مظاهر قدرته تحديد الأرزاق للعباد، فمنهم الغني، ومنهم الفقير وكل هذا يكون وفق أمور مقدّرة وفق حكمته -سبحانه وتعالى-.
- القدرة على خلق الإنسان
أكملت الآيات الكريمة بالحديث عن كيفية خلق الإنسان، ومظهر القدرة الإلهية في هذا الأمر، فالإنسان مكوّن من نطفة، وفي هذه الآية إعجاز علميّ، إذ كان معروفًا بأن النطفة هي من ماء الرجل، فجاء القرآن الكريم وبيّن أن لكل من المرأة والرجل نطفة خاصّة به.
عاقبة الأمم المكذبة بالرسل
خُتمت سورة النجم بالحديث عن عاقبة الأمم السابقة، قال -تعالى-: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى)، إلى قوله تعالى: (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) ، وبيان ذلك فيما يأتي:
- قوم عاد
تحدثت الآيات عن قوم عاد، وخصّت بالذكر عادًا الأولى، وقال العلماء بأن عادًا الآخرة هي التي نزلت الأحقاف، ومن العلماء من قال بأن عادًا الأولى والآخرة هما قبيلة واحدة، لكن منهم من هو متقدم عن الآخر، وكانت عاقبتهم الهلاك.
- قوم ثمود
حيث هلك قوم ثمود الّذين ما تراجعوا عن كفرهم وعنادهم، فلم يبقَ لهم باقية، وقد جاء عذابهم بعد عقرهم للناقة.
- قوم نوح
وكان لقوم نوح نفس العاقبة من الهلاك، فقد لبث فيهم نوحًا -عليه السلام- عمرًا طويلاً وهو يدعوهم، فما كانوا يلاقونه إلا بمزيد إصرار وعناد، فكانت عاقبتهم كعاقبة الأقوام السابقة.