تفسير سورة الإنسان وفضلها
قدرة الله على خلق الإنسان
بدأت السورة الكريمة بالحديث عن قدرة الله -تعالى- على الخلق، والامتنان على بني البشر بأنّه -سبحانه وتعالى- هيّأ لهم طريقي الخير والشر، والآيات الكريمة هي: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً* إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً* إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)، فأخبر الله -تعالى- الإنسان بأنّه أوجده من شيء لا يكاد يذكر؛ وهو النطفة، وما هو إلّا عبارة عن اختلاط ماء الرجل مع ماء المرأة، ثم نقله من حال إلى آخر، إلى أن أصبح جنينًا مكتمل الخلقة، ثم خرج إلى الحياة الدنيا للاختبار والامتحان.
وقد ذكرت الآيات الكريمة نعمة منح الإنسان السمع والبصر، ليكونا أداة له على المضيّ في الحياة، ولكي يُختبر فيهم الإنسان؛ فإما يشكر نعم الله -تعالى-، عليه ابتداءً بنعمة الخلق من شيء لا يذكر، مروراً بنعمة السمع والبصر، ليختار طريق الإيمان، ويعمل الصالحات، وبالتالي ينجح في الامتحان، وإما أن يختار طريق الكفر بنعم الله -تعالى-، فيكون من الخاسرين الّذين اختاروا طريق الكفر.
بينت الفقرة أصل خلق الإنسان، وهو النطفة، وأنه لم يكن شيئاً يُذكر، ثم بعد ذلك خلقه الله -تعالى- وهداه نعماً عظيمة؛ منها السمع والبصر.
وصف نعيم أهل الجنة
انتقلت الآيات الكريمة لعرض جزاء الشاكرين، وهي من السور القرآنية الّتي أطالت في وصف نعيم أهل الجنّة، إذ استغرق الوصف أكثر من نصف السورة، وفي ما يأتي النعيم الذي ينتظر المؤمنين الشاكرين:
- شراب أهل الجنة: فشرابهم مخلوط بالكافور، المفجّر من الينابيع، الممتد معهم أينما حلّوا في الجنة، والكافور؛ هو اسم عين في الجنة.
- مسكن أهل الجنة: جزاهم الله -تعالى- على أعمالهم وصبرهم في الحياة الدنيا بمساكن مريحة مطمئنّة، في جوٍ نديّ، بعيد عن الحر والبرد، وقطوف الجنة وثمارها قريبة منهم متدليّة، قال -تعالى-: (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً* مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً* وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً).
- ضيافة أهل الجنّة: في هذا الوصف بيان وتفصيل لشراب أهل الجنّة؛ إذ يُطاف على أهل الجنّة بأوانٍ من فضّة، ما فيها يُرى من خارجها، تُمزج بالزنجبيل، كما مزجت بالكافور، وتُملأ هذه الكؤوس من عين تسمّى السلسبيل، وفي ميزة هذه الكؤوس، بأنها مقدرة على حاجة الإنسان، فلا تزيد عن حاجته، ولا تنقص، ويطوف عليهم غلمان مخصصين لخدمتهم يشبهون في حسنهم، اللؤلؤ، لا تزيد أعمارهم، يبقون على نفس حالتهم من الحسن، قال -تعالى-: (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا* قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً* عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً).
- ثياب أهل الجنة: انتقلت الآيات الكريمة للحديث عن لباس أهل الجنة، وهو الحرير الرقيق، بالإضافة للحرير السميك، وفيه بريق ولمعان، وقد جعل الله -تعالى- لهم أساور من فضّة، قال -تعالى-: (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ).
- التكريم من الله -عز وجل-: يرتقى أهل الجنة أكثر فأكثر، وذلك بتخصص شربهم من شراب الجنة من الله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً).
ذكر نعيم أهل الجنة وتعددها، ومنها الغلمان الذين يطوفون عليهم، وأنواع الآنية التي يشربون بها، وغير ذلك من تفاصيل نعيمهم.
بيان أوصاف وأعمال أهل الجنة
تضمّنت السورة الكريمة الأوصاف الخاصة بأهل الجنّة والّتي أهلتهم لأن يحظوا برضى الله -تعالى- والفوز بجنانه، وهي كما يأتي:
- إطعام الطعام: فإنّهم كثيروا التصدّق بالطعام، على الرغم من حبّهم له وشدة حاجتهم له، فيقومون بتوزيعه على مصارفه المستحقة لذلك؛ من يتامى ومساكين وأسرى، طالبين بذلك الرضى من الله -تعالى-.
- الخوف من يوم القيامة: خوفهم من يوم القيامة، يوم البأس والشدّة، إلا من رحم الله تعالى، ويدفعهم هذا الخوف إلى عبادة الله -تعالى- وطاعته، علّهم ينجون من بأس يوم القيامة.
- الوفاء بالنذر: قيل في هذا الوصف بأنّهم حريصون على أداء الواجبات، بالإضافة لأدائهم ما يوجبونه على أنفسهم من النذر ويوفون به حال وقوعه.
في هذه الفقرة ثم ذكر صفات أهل الجنة والتي جعلتم أهلاً لدخولها والتنعم بنعيمها؛ مثل الخوف من يوم القايمة، وإطعام الطعام، والوفاء بالنذر.
دعوة النبي للصبر على الدعوة
انتقلت الآيات بعد الحديث عن أهل الجنة للحديث عن التوجيه الربّاني لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليستطع المُضيّ والإكمال في سبيل دعوة الإسلام، دون أن يثنيه أذى المشركين، ومن هذه التوجيهات ما يأتي:
- الصبر على قضاء الله وقدره: ويكون ذلك بالصبر على أمر الله -تعالى-، وعلى دعوة الإسلام.
- اتّباع الحق: وذلك باتباع سبل الثبات على الحق، وعدم اتّباع الآثمين في إثمهم، أو الكافرين في أعمالهم إذا ما تعلق الأمر بقدر الله -تعالى-.
- المداومة على ذكر الله -تعالى-: لما في هذه المدوامة من تثبيت للنفس الإنسانية، واكتساب العون والقوة من الله -تعالى- للمسلم، والتي تعينه على دعوة الإسلام في هذه الحياة الدنيا.
التذكير باليوم الآخر
اختتمت السورة الكريمة آياتها بالحديث عن تفضيل الكفار للحياة الدنيا وتقديمهم لها على حساب اليوم الآخر، متناسيين ما ينتظرهم من سوء الجزاء على صنيعهم في الحياة الدنيا، وفي هذا التهديد تهوين لجانب المسلمين بأنّ العاقبة في اليوم الآخر لهم، فهو القادر على إهلاك المفسدين، لكنه -سبحانه وتعالى- يمهلهم بقضائه وحكمته.
فضل سورة الإنسان
لم يرد في سورة الإنسان أثر مخصوص ينصّ على فضلها، وما ورد في ذلك لا تزيد عن كونها آثار منكرة، أوردها الإمام الفيروزآبادي في كتابه بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، ونبه على نكرانها، وهي؛ "مَنْ قرأَها كان جزاؤه على الله جَنَّة وحريراً"، أو "يا علىّ مَنْ قرأَ {هَلْ أتى عَلَى الإنسان} أَعطاه الله من الثواب مثلَ ثواب آدم، وكان فى الجنَّة رفيق آدم، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب سيّدَىْ شباب أَهل الجنَّة الحسن والحسين"؛ حيث إن كل هذا يعد من الأحاديث المنكرة، والتي لمتيرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وسورة الإنسان لها فضل في قراءتها كعموم سور القرآن، دون ورود أثر مخصص لها في تفضيلها؛ ومن الفضل العام لها ولبقية سور القرآن الكريم جزاء القراءة المضاعف؛ ففي قراءة كل حرف عشر حسنات، بالإضافة إلى السكينة الحاصلة للمؤمن جرّاء تلاوته لسور للقرآن الكريم.
يتبيّن مما سبق الجزاء الوفير المعدّ للمؤمنين في الجنّة، لذا يجدر بالمسلم الاتصاف بصفات أهل الجنّة ليحظى بالمكانة العالية عند الله -تعالى-، كما عليه أن يطمئن في حياته ودعوته، وأن يتذكر أن العاقبة لدين الله -تعالى- حتماً لا محالة، الأمر الذي يجعله دائم السعي للعمل والدعوة، مؤمنًا بحكمة الله وقضائه، دون النظر للنتائج.