تفسير آية (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ..)
تفسير آية (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ..)
سبب نزول الآية
هاجر عيّاش إلى المدينة وكان مؤمناً، فجاء إليه أخواه من أمه؛ وهما أبو جهل والحارث بن هشام، وأخبراه بأن أمه تناشده بأن يعود إليها فلا ولد لها غيره، وأنها لن تبقى في البيت ولن تأكل ولن تشرب حتى يرجع إليها، ويرتد عن دين الإسلام، وطلبوا منه أن يلبّي رغبة أمه الشديدة ويطيع أمرها.
ولما خرج معهم من المدينة أسرعوا إليه وربطوه بالحبال وضربوه، ثم أخذوه معهم إلى مكة ورموه تحت أشعة الشمس، وأمرت أمه الناس بأن لا يحلّ أحد رباطه حتى يرتد عن الإسلام؛ فتركه الناس على حاله إلى أن لبّى رغبة أمه وحلّوا وثاقه، فقال له الحارث بن زيد: (إن كان الذي كنت عليه هدى فقد تركته، وإن كان ضلالة، فقد كنت في ضلالة)، فحلف عياش أن يقتل الحارث.
وبعد فترة استطاع عياش أن يعود إلى المدينة، وبينما هو يسير في شوارعها لقي الحارث وكان قد أسلم وذهب إلى المدينة، ولم يكن يعلم عياش بإسلام الحارث، فبمجرد أن رآه هجم عليه وقتله، ثم أخبره الناس أن الحارث قد أسلم، فأسرع عياش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بما حدث، فنزلت هذه الآية من سورة النساء .
تفسير الآية
قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً)، وبيان هذه الآية كما يأتي:
- الإيمان هو الذي يتحكّم بتصرفات الإنسان المؤمن؛ فلا يمكن أن يقتل مؤمناً عمداً، لكن قد يحصل ذلك بطريق الخطأ، والخطأ لا يكون فيه قصد الفعل.
- من قتل مؤمناً بطريق الخطأ؛ فعليه أن يعتق رقبة من رقاب المؤمنين، وعليه أيضاً أن يدفع دية إلى أهل المقتول تعويضاً عن الدم المسفوك.
- الدية واجبة على القاتل لأهل المقتول؛ إلا إذا عفا أهل المقتول، وأسقطوا عن القاتل الدية، وقد سمّاها الله -تعالى- (تصدقاً) ترغيباً لأهل المقتول بالعفو.
- إن كان المقتول من دار حرب وهم أعداء للمسلمين؛ إلا أن المقتول كان قد آمن دون أن يعلم القاتل؛ فهنا يجب على القاتل أن يحرر رقبة مؤمنة، ولكن ليس عليه الدية؛ لأن أهل المقتول كفار وهم أعداء المسلمين، فقد يستخدمون مال الدية في محاربة المسلمين.
- إن كان المقتول من الذين عاهدوا المسلمين على السِّلم؛ وعدم محاربتهم فيجب هنا عتق رقبة مؤمنة ودفع الدية إلى أهله.
- من لم يجد رقبة ليعتقها أو لم يكن معه مالاً ليشتري به الرقبة؛ فيستبدل ذلك بصيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما.
- هذه أمور قد شرّعها الله -تعالى- ليتوب على المؤمنين ويطهر قلوبهم ونفوسهم، فالله -تعالى- عليمٌ بأحوال نفوس الناس وكيف يمكن تطهيرها، وهو حكيم فيما شرعه للمسلمين من أحكام.
حكمة الإعتاق في القتل الخطأ
إن القاتل عندما قام بقتل مؤمنٍ عن طريق الخطأ يكون قد أخرج نفساً مؤمنة من بين الأحياء المؤمنين ونقص عددهم، لذا كان عليه أن يُدخل بدلاً من النفس التي قُتِلت نفساً أخرى مؤمنة فوجب عليه أن يحرر رقبةً مؤمنة، ثم إن إخراج الرقبة المؤمنة من الرق إلى الحرية هو في معنى الإحياء، فيكون ذلك مقابلاً للنفس المؤمنة التي قُتِلت.
القتل الخطأ ومقدار ديته
القتل الخطأ
هو القتل الذي وقع دون قصد، ومن صوره:
- أن يرمي الصيّاد فيصيب إنساناً بطريق الخطأ.
- أن يكون في دار حرب فيقتل إنساناً اعتقاداً منه بأنه كافر، فيظهر بأن المقتول مسلماً.
- أن يضرب الشخص من باب اللعب والمزاح فيؤدي به قتيلاً.
مقدار دية المسلم
الدية هي: "المال الواجب أداؤه إلى المجني عليه أو وليه؛ بسبب الجناية عليه في نفس أو فيما دونها "، بالنسبة لمقدار دية المسلم الذكر الحر لا خلاف بين الفقهاء في أن ديته مائة من الإبل، أو ما يكون بقيمتها كالدراهم والدنانير؛ وتُقدّر بألف دينار أو اثني عشر ألف درهم عند الجمهور، أما عند الحنابلة بعشرة آلاف درهم، أما دية الأنثى فهي نصف دية الذكر باتفاق الفقهاء.