تفسير آية (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه)
تفسير قوله تعالى: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه)
تناولت الآية العظيمة مثلاً من أروع الأمثال في إظهار الفرق بين صنفين من الناس، وهما: المؤمن والكافر، فكلٌ منهما يسير في اتجاه مغاير للآخر، فالأشياء تتبيّن بأضدادها، فلما كانت نفس المسلم نقيةً صافيةً منتجةً، كانت نفس الكافر خبيثةً مشربةً بالظلمة والتقاعس والتخاذل، ولعل الآية الكريمة توضح لنا هذا الفرق الواضح بينهما، وهي قول الله تعالى في سورة الأعراف : (وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخرُجُ نَباتُهُ بِإِذنِ رَبِّهِ وَالَّذي خَبُثَ لا يَخرُجُ إِلّا نَكِدًا كَذلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَومٍ يَشكُرونَ).
معنى قوله تعالى: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه)
يخبر الحق جل وعلا في هذه الآية عن معنى كليٍّ عظيمٍ، وهو أن البلد الطيبة تربتُه، والعذبة مشاربُه، حين ينزل عليه الغيث تُخرج ثمراً طيباً أكله في وقته وحينه، ولعل هذا المعنى قريب مما جاء في السنة النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به مِنَ الهُدَى والعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصابَ أرْضًا، فَكانَ مِنْها نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الماءَ، فأنْبَتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ، وكانَتْ مِنْها أجادِبُ، أمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بها النَّاسَ، فَشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا)، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء بالهدى والعلم من الله، كالغيث ينزل على الأرض، فطائفة تنتفع بذلك؛ لقبولها إياه، والاستعداد له، وأخرى لم تنتفع لعدم قبولها إياه، وعدم الاستعداد له.
معنى قوله تعالى: (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا)
يبين هذا القسم من الآية المباركة أن البلد الذي خبثت تربته، وكدرت مشاربه، حين ينزل عليه الغيث، لا يخرج إلا عسراً شديداً، أي أن عطاء الأرض شحيحاً، قليل النفع، وهذه الحال الأخرى التي أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (وأَصابَتْ مِنْها طائِفَةً أُخْرَى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً)، وهي حال الكافر، فهو في تحيّرٍ واضطرابٍ وشكٍّ، فلا يكاد يجد موطناً للنور في قلبه؛ لأنه يبحث عن أماكن الخلل والعيب، بخلاف المؤمن فهو يتلمّس النور الرباني في كل شيء تجيء به الشريعة، فدين الإسلام لا يحيى إلا في القلوب النقية الصافية، أما مواطن الجدب والقحط في القلوب فهي مراتعٌ للعقائد والأوهام الزائفة.
ويتضح مما سبق أن الإنسان كلما تعاهد قلبه على الخير والصلاح، ازداد انتفاعه بنور الله سبحانه وتعالى وشرعه، وكلما ابتعد عن هذا الاستعداد قلّ نصيبه من الاهتداء بشرع الله تعالى.