تفسير آية (قالوا تاللَّه لقد آثَرك اللَّه علينا)
تفسير آية: (قالوا تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينا وَإِن كُنّا لَخاطِئينَ)
تفسير الطبري
هذه الآية جاءت على لسان إخوة يوسف ؛ لما قال لهم يوسف: (أَنا يوسُفُ وَهـذا أَخي)،اعتذروا إليه: (قالوا تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينا وَإِن كُنّا لَخاطِئينَ)، أي والله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل، وما كنا في فعلنا الذي فعلناه بك، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك، إلا خاطئين، أي مخطئين.
تفسير الآية مع السياق للسعدي
لما انتهى الأمر رقّ يوسف لإخوته، وعرفهم بنفسه وعاتبهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟، وما فعلوه بيوسف معلوم أما أخوه؛ فربما قولهم: (إِن يَسرِق فَقَد سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِن قَبلُ)، أو بسبب الحادث الذي فرّق بينه وبين أبيه بأنهم هم السبب فيه والأصل الموجب له، فعرفوا أن من يخاطبهم يوسف، فأكدّ لهم ذلك وأخبرهم بنعم الله عليه بالإيمان والتمكين والتقوى، وذلك بسبب صبره وتقواه؛ لأن الله لا يضيع أجر الصابرين .
وأقروا بأن الله قد فضله عليهم ب مكارم أخلاقه ، واعترفوا بإساءتهم إليه وحرصهم على إيصال الأذى إليه، وإبعاده عن أبيه، وهذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل على يوسف، فسامحهم يوسف وأخبرهم أنه لا يلومهم، كما أنه لم يعيرهم بذنبهم معه، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة وهذا نهاية الإحسان الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين.
تفسير الظلال
قال -تعالى-: (قالوا تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينا وَإِن كُنّا لَخاطِئينَ)؛ هنا يعترف الإخوة بالخطيئة ويقرون بالذنب، وتقرير لإيثار الله ليوسف -عليه السلام- بالمكانة والصفات الحسنة، فيقابل يوسف -عليه السلام- ذلك بالصفح والعفو وإنهاء الموقف المخجل، وذلك دلالة على كرمه، فينجح يوسف -عليه السلام- في الابتلاء بالنعمة كما نجح من قبل في الابتلاء بالشدة، إنه كان من المحسنين.
الدروس المستفادة
هناك الكثير من الدروس والعبر المستفادة من هذه الآية، نذكر منها:
- قد يمنّ الله على أحد الإخوة بصفات ليست لإخوته، وإن كانوا أكبر منه منها العلم؛ فقد يتميز أحد الإخوة على إخوته بأنه أكثر منهم علمًا أو أخلاقًا، وقد يخطئ الإخوة مع أخيهم عمدًا أو خطأً من باب الغيرة أو الجهل أو غيرها، والإنسان العاقل يؤمن بأن الله هو الرزاق العادل ذو الإحسان والخير والعطاء.
- لو أخطأ الإخوة مع أخ لهم ثم اعرفوا واعتذروا؛ فليقبل الأخ الاعتذار وليسامح؛ فالإنسان بشر يصيب ويخطئ، ومن أراد أخًا من غير أخطاء لم يجد له أخاً.
- لم يسامح سيدنا يوسف وفي نفسه شيء على إخوته، بل سامح وهو يدعو لهم بالمغفرة والرحمة من الله.
- على الرغم من إصرار الإخوة سنيناً طويلة دون أن يطمئنوا قلب الشيخ الكبير بأن الذئب لم يأكل يوسف وإنما ألقوه في البئر، إلا أنهم لما صدقوا التوبة وأقروا احتضنهم أخوهم وأبوهم وطلبوا من الله المغفرة لهم.