تفسير آية (فصبر جميل والله المستعان)
تفسير آية (فصبر جميل والله المستعان)
سورة يوسف من السّور العظيمة في القرآن الكريم التي ذكرت نبيًا من الأنبياء وهو يوسف عليه السلام فقد ضرب الله -تعالى- به الكثير من الأمثلة في صبره وتحمّله الابتلاءات والمصائب منذ صِغره وحتى شبابه، ووالده أيضًا نبيٌ من الأنبياء وهو يعقوب -عليه السّلام- الذي صبر على أولاده وما فعلوه بيوسف وأخيه من مكائد؛ بسبب غيرتهم وحقدهم، وجعلت من النّبي يعقوب -عليه السّلام- أن يفقد أحب الأبناء إليه.
ورغم ذلك صَبر واحتسب أجره على الله -تعالى- فكان من الصّابرين، فلم يتوقف لسانه بدعوة الله أن يتجمّل بالصّبر بكلّ أوصافه، وقد جاء في تفسير آية: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)، الكثير من اللّطائف الجميلة التي تستدعي معرفتها بكل تفاصيلها؛ لجمالها، وفيما يأتي تفصيل ذلك:
تفسير الجلالين للسيوطي والمحلي
ذكر المفسر أنّ جملة (فصبرٌ جميل) جاءت بعد ما فعلوا إخوة يوسف به، فقد لطخوا قميصه بدم كذب، فقالها النّبي يعقوب -عليه السّلام- صبرًا بلا جزعٍ فيه على ما فعلوه، وأنّه طلب العون من الله- تعالى- بقوله: (والله المستعان).
تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
وقد جاء في تفسيره أنّ سيدنا يعقوب -عليه السّلام- وصف أفعال أولاده بالكذب، وأنّ أنفسهم زينت لهم هذا الفعل، فهدّأ من نفسه وصبّر نفسه قائلًا: (فصبرٌ جميل) أي أنّ شأنه والذي يعتقده صبرٌ جميل بلا جزعٍ ولا شكوى.
تفسير تيسير الكريم الرحمن للسعدي
وقد ذكر السّعدي في تفسيره أنّ النّبي يعقوب حريص على القيام بوظيفته، وهي الصّبر على هذه المحنة صبرًا جميلًا سالمًا من السّخط والتَّشكِّي إلى الخلق، ويستعين الله على ذلك، لا على حوله وقوته.
مفهوم الصبر
الصّبر في اللّغة العربية من الفعل صَبَرَ، وهو الرّضِا والتَجَلَّد، والتَحَمَّلَ، والصَّبْـر ضدّه الجَزَع، ويحمل الصَّبْر أيضًا معنى آخر وهو الحَبْس فكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه، فالصّبر هو حبس النّفس عن الجزَع، وأمّا في الاصطلاح فقد عرَّف ابن القيم الصّبر في رسالته لأحد إخوانه، فقال: "الصّبر هو حبس النّفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التّسخط والشّكاية لأقداره".
أنواع الصبر
ذكر ابن القيّم -رحمه الله- أنّ الصّبر على ثلاثة أنواعٍ رئيسة يجب أن يتحلّى بها المؤمن؛ لأنّ الصّبر أساس الإيمان الذي لا يُمكن أن يُستغنى عنه، وهذه الأنواع هي:
- صبر بالله: وهو أن يوقن المؤمن بأنّ الله -تعالى- هو المُصبّر، فهو صبر الاستعانة والالتجاء بالله -تعالى- وحده، فالمؤمن يصبر بصبر ربه وليس بصبر نفسه، حيث قال الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) .
- صبر لله: وهو أنّ صبر المؤمن يكون صادرًا من حب الله -تعالى- له، والتّقرب منه وإظهار التّذلل له.
- صبر مع الله: وهو أن يحقق المؤمن مُراد الله -تعالى- في الاستخلاف في الكون، وتحقيق العبادة في الأرض.