تعريف ظاهرة الشعر الحديث
مفهوم ظاهرة الشعر الحديث
شكلت ظاهرة الشعر الحديث شكلًا جديدًا في نظم الشعر؛ إذ بدأ استخدام الأساطير والرموز والصور البيانية أكثر ممّا كان عليه في السابق، فضلًا عن اختلاف واضح في اللغة المستخدمة في هذا النوع من الشعر، والتي جاءت مغايرة تمامًا لما كانت عليه في السابق.
وتبلورت شخصية الشاعر في القصيدة الشعرية؛ إذ أصبح يُدرك أهمية المكانة التي يتمتع بها؛ فلم يعد ذلك الشاعر الذي يهجو أو يمدح، إنّما يُحرّك بقصائده الجموع الغفيرة من الناس، كما ابتعد الشعر الحديث عن ادّعاء الفخر الشخصي على حساب استيقاظ الشعور الوطني، والإحساس بهموم الإنسان والمجمع ككل.
لذا؛ لعبت القصائد والأشعار التي نظمها الشعراءُ في العصر الحديث دورًا كبيرًا في نهضة البلاد العربية؛ فأحيت الثقة بالنفس، وعزّزت الطموح لدى الإنسان العربي، فأثارت الرغبة فيه في مقارعة المحتل المستعمر والنضال من أجل نيل الحرية والكرامة.
والجدير بالذكر أن الشعر الحديث امتاز بوحدة الموضوع، وتحرر من سطوة القافية الموحدة؛ لذا ظهرت أنماط جديدة من الشعر منها: الشعر الحر وأنماطه المختلفة ، والشعر المرسل والمنثور، وسادت فيه لمحة من الخيال والصوفية في الغزل، وظهرت العديد من الشاعرات القديرات اللواتي تركن بصمة كبيرة في الشعر الحديث.
خصائص الشعر الحديث
من أهمّ خصائص الشعر العربي الحديث التي ميّزته عن القصائد التي سادت في العصور السابقة ما يأتي:
تبلور شخصية الشاعر واهتماماته
أصبحت شخصية الشاعر أكثر وضوحًا في شعره؛ إذ اختلفت اهتماماته عمّا كانت سائدة في العصور السابقة، والتي كانت تركز على المدح أو الإطراء أو الهجاء، فأصبح الشاعر مهمومًا بقضايا أكبر، تلخصت في رغبته بإيقاظ الشعور الوطني، والتعبير عن معاناة الإنسان في مختلف القضايا.
مثل ما جاء في ديوان الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني في قصيدته فؤادي من الآمال في العيش مجدب:
فؤادي من الآمال في العيش مجدب
وجوى مسود الحواشي مقطب
تمرّ بي الأيام وهي كأنها
صحائف بيضٌ للعيون تقلب
كأن لم يخطّ الدّهر فيهنّ أسطرا
يبيت لها الإنسان يطفو ويرسب
الزهد بالفخر الشخصي
لما أحس الشعراء بمدى أهمية الكلمة التي يقولها على مسامع الناس استيقظ لديه الكثير من المشاعر الوطنية وأدرك أن رسالته في الحياة لا تتعلق بذاته أو شخصيته، بل إنها ينبغي أن توجه إلى قيادة الجماهير؛ إذ إنّ الشعر لا يمكن أن ينفصل عن واقع حياة الشعوب، فيما تسعى إلى تحقيقه من أهداف سامية وجليلة.
مثل ما جاء في ديوان الشاعر كمال عبد الحليم الذي يحمل عنوان (إصرار):
أخي هل نحن تحت الأرض أعشابٌ وديدانُ
أخي يا أيها الإنسان هل في مصرَ إنسان؟!
أراها مسرح الأشباح قد وارته ألوان
هي الفلاح والفلاح أسمالُ وأكفان
هي العمال والعمال إجهادٌ وحرمان
هي المظلوم والمظلوم لا يجديه غفران
أرانا نجمع الأشواك ما للشوك ريحان
دمانا فوق هذي الكف برهانٌ ونيران
عمق الشعور بمرارة الواقع
أصبح الشعراء أكثر تجسيدًا لقضايا الإنسان والمجتمع؛ وذلك بسبب ما كان يعانيه من أوضاع اقتصادية وسياسية سيئة خلال هذا العصر؛ إذ كانت معظم البلدان العربية واقعة تحت سيطرة المستعمر.
الأمر الذي دفع الشعراء إلى نظم القصائد التي تُعبّر عن ذلك الواقع المرير، وتدعو إلى الثورة وعدم الخضوع، وهذا الأمر كان واضحًا في مختلف القصائد التي ظهرت في هذا العصر، فقد كانت أهداف الشاعر هو دفع الإنسان إلى النهوض، وتغيير الواقع من أجل حياة ومستقبل أفضل.
جاء في ديوان إصرار للشاعر كمال عبد الحليم:
أخوة النفس أضاءت روحهم
كلهيب أشعلته الظلمات
أخوة الفن رماهم دهرهم
فتصدوا بصدور هازئات
جمعتهم جلسة خمرية
وجراح وأحداث داميات
تجلي صور الوطنية في أسمى معانيها
كانت أغلب القصائد التي يتم نظمها تهدف إلى دفع الناس إلى الثورة والغضب؛ لتصحيح الأوضاع السيئة، وتحقيق الأهداف الكبيرة في نيل الحرية والاستقلال واستراد الكرامة الإنسانية.
كقول الشاعر أبي القاسم الشابي في ديوانه:
إِذا الشَّعْبُ يومًا أرادَ الحياةَ
فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي
ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ
تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ
أبرز شعراء الشعر الحديث
هناك العديد من الشعراء في العصر الحديث الذين تركوا آثارًا عظيمة في مجال الشعر، وشكلوا الجيل الأول من شعراء الشعر الحديث، من أبرزهم ما يأتي:
محمود سامي البارودي (1839م - 1904م)
هو ابن حسن بك حسني، ولد في مدينة القاهرة في مصر، وتلقى تعليمه في الفنون العسكرية، وتخرّج ليحمل رتبة ضابط في الجيش، كان من أهمّ الشعراء في عصره؛ إذ شهد الشعر من خلاله حركة تجديد وإحياء ، كما عمل على إزالة جميع الصور المشوّهة التي علقت بالشعر، والتي كانت من آثار القرون الماضية.
إسماعيل صبري (1854م - 1923م)
وُلد الشاعر إسماعيل صبري في مدينة القاهرة لأسرة متوسطة الحال، أتمّ دراسته في مجال الحقوق، ثم سافر إلى باريس للحصول على درجة الليسانس في الحقوق عام 1878م، عُرف عنه تذوّقه العالي للشعر والحسّ المُرهف في الشعر، حتّى لُقّب بشيخ الشعراء.
أحمد شوقي (1868م - 1932م)
وُلد الشاعر أحمد شوقي في مدينة القاهرة ونشأ فيها، وكان قد أكمل دراسة الحقوق ثم تركها ليدرس الترجمة، سافر بعد ذلك إلى فرنسا لدراسة الحقوق والآداب، كان شاعرًا كبيرًا، صادق الحس، دقيق الطباع، سليم الذوق، لقب بأمير الشعراء.
أبرز الآراء النقدية حول ظاهرة الشعر الحديث
هنالك العديد من الآراء النقدية التي وجهت لظاهرة الشعر الحديث، ولعل من أبرزها:
عباس محمود العقاد
من أبرز النقاد الذين وجهوا سهام نقدهم لظاهرة الشعر الحديث؛ إذ كان يرى العقاد أنّ الإبداع الشعري لا يقتصر على كونه سرًا لمجموعة حوادث، أو دعوة لتسجيل مناسبة أو تاريخها، أو مجرد وصفها بأبيات شعرية، وإنما الشعر عنده كان بمثابة لحنًا خالدًا ينبغي أن يصور مختلف الأحاسيس والمشاعر الإنسانية.
أحمد المعداوي
وجّه سهام النقد لظاهرة الشعر العربي الحديث في مؤلفه (ظاهرة الشعر الحديث)؛ إذ يرى أنّ الحداثة في الشعر كانت السبب وراء اتّسامه بالكثير من الغموض، كما أنها أدّت بالشعر إلى أن ينفصل عن الواقع وعن الفئة التي يخاطبها، فتخلى عنها في حربها ونضالها ضد قوى الظلام والاستبداد.
كتب عن الشعر الحديث
من أبرز الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن الشعر الحديث والتي يمكن الاطلاع عليها ما يلي:
كتاب أعلام الشعر الحديث
وهو لمجموعة من المؤلّفين هم: (أحمد شوقي، وأحمد زكي أبو شادي، وبشارة الخوري) وقد تناول الكتاب حياة كل علم من أعلام الشعر الحديث الثلاثة؛ مولده ونشأته ومسيرته الشعرية، كما أورد العديد من النصوص الشعرية لكل واحد منهم.
كتاب الشعر الحديث
لمؤلفه مسعد بن عيد العطوي، وفيه تناول المؤلف معالم النهضة في العالم العربي ومختلف المدارس الشعرية التي نشأت في العصر الحديث، وتناول بالشرح موضوعات الشعر في هذا العصر، وهي موضوعات متعددة ومتنوعة.
كتاب تاريخ الأدب العربي
لمؤلفه أحمد حسن الزيات، وفيه تناول المؤلف المراحل المختلفة التي مر بها الأدب العربي من قصة، ونثر، وخطابة، وشعر، منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، كما أورد أشهر الشخصيات الأدبية في كل عصر من هذه العصور.
نماذج من الشعر الحديث
هناك الكثير من القصائد الشعرية من مدرسة الشعر الحديث ومنها:
- قال أحمد شوقي في قصيدة ضج الحجاز وضج البيت والحرم:
ضَجَّ الحِجازُ وَضَجَّ البَيتُ وَالحَرَمُ
وَاِستَصرَخَت رَبَّها في مَكَّةَ الأُمَمُ
قَد مَسَّها في حِماكَ الضُرُّ فَاِقضِ لَها
خَليفَةَ اللَهِ أَنتَ السَيِّدُ الحَكَمُ
لَكَ الرُبوعُ الَّتي ريعَ الحَجيجُ بِها
أَلِلشَريفِ عَلَيها أَم لَكَ العَلَمُ
أُهينَ فيها ضُيوفُ اللَهِ وَاِضطُهِدوا
إِن أَنتَ لَم تَنتَقِم فَاللَهُ مُنتَقِمُ
- قال جميل صدقي الزهاوي في قصيدة أقول له عند الوداع وأدمعي:
أقول له عند الوداع وأدمعي
تصدقني فيما به أتلفظ
لكم في صميم القلب منا مودة
تصان على مرّ الزمان وتحفظ
- قال حافظ إبراهيم في قصيدة حال بين الجفن والوسن:
حالَ بَينَ الجَفنِ وَالوَسَنِ
حائِلٌ لَو شِئتَ لَم يَكُنِ
أَنا وَالأَيّامُ تَقذِفُ بي
بَينَ مُشتاقٍ وَمُفتَتِنِ
لي فُؤادٌ فيكَ تُنكِرُهُ
أَضلُعي مِن شِدَّةِ الوَهَنِ
وَزَفيرٌ لَو عَلِمتَ بِهِ
خِلتَ نارَ الفُرسِ في بَدَني