تعريف ربا النسيئة
تعريف ربا النسيئة
هو نوع من أنواع البيوع الربوية ويُقصد به بيع الأموال الربوية من جنسها أو غيرها متماثلة أو متفاضلة بشرط تأجيل ثمن المبيع أو تأجيل السلعة؛ كمن باع صاع تمر بصاع أو بصاعين مع الاتفاق على أن يكون الثمن إلى أجل يزيد بزيادة الأجل، وعلّة ربا النسيئة هو التأجيل عن مجلس العقد.
الأدلة على تحريم ربا النسيئة
لا خلاف بين أهل العلم في تحريم ربا النّسيئة وعدّه من كبائر الذنوب ، وقد استدل أهل العلم على تحريمه باستقراء النّصوص الشرعية من الكتاب والسنّة، وفيما يلي بعض تلك الأدلة من النّصوص الشّرعية:
- من القرآن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
- وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فإنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}.
- ومن السنّة ما رُوي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدِّينَارُ بالدِّينَارِ، والدِّرْهَمُ بالدِّرْهَمِ، فَقُلتُ له: فإنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لا يقولُهُ، فَقالَ أبو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ فَقُلتُ: سَمِعْتَهُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أوْ وجَدْتَهُ في كِتَابِ اللَّهِ؟ قالَ: كُلَّ ذلكَ لا أقُولُ، وأَنْتُمْ أعْلَمُ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنِّي ولَكِنْ أخْبَرَنِي أُسَامَةُ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: لا رِبًا إلَّا في النَّسِيئَةِ).
- وما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، فمَن زادَ أوِ اسْتَزادَ فَهو رِبًا).
الفرق بين ربا النسيئة وربا الفضل
- ربا الفضل هو بيع الأموال الربوية بجنسها متفاضلة في أحد العوضين، أمّا ربا النسيئة فهو بيع الأموال الربوية بجنسها أو من غير جنسها متماثلة أو متفاضلة بشرط تأجيل الثمن إلى أجل يزيد ثمن المبيع بزيادته، والربا بنوعيه محرّم شرعًا.
- يُشترط في تحريم ربا الفضل بيع أصناف محددة بجنسها كما ورد في حديث عبادة بن الصّامت -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ)، أمّا ربا النسيئة فقد يكون من جنس المبيع متماثلًا أو مختلفًا عنه بشرط تأجيل أحد العوضين.
الحكمة من تحريم الربا
لتحريم الربا حِكَمٌ كثيرة أقرها أهل العلم، نستعرض بعضها فيما يأتي.
الربا أكلٌ لأموال النّاس بالباطل
فحينما يتفاضل أحد العوضين من المبيع من غير عوض كان ذلك أكل لأموال النّاس بغير حقّ، وقد حرّمت الشريعة وذمّت فاعلها وبينت سوء عاقبته، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، وقال النّبي -صلى الله عليه وسلم-: (حرمةُ مالِ الإنسانِ كحُرمةِ دمِهِ).
الربا يعوّد الإنسان على الكسل والخمول
إن الربا يجعل الإنسان معتاداً على الكسل والخمول، ويجعله متقاعساً وتاركاً العمل والاشتغال بكسب الحلال، وهذا يخالف ما حثّ عليه الشرع من أهمية العمل وكسب الرزق مما أباح الله من الأعمال المشروعة، ليعُفّ المرء نفسه عن الطلب من النّاس والحاجة إلى سؤالهم، وهذا من شأنه أن يؤثّر على المجتمع بأكمله، إذ لا يمكن أن تنتظم الحياة ولا تنقضي حاجات أفراده إلا بأصحاب المهن والحرف والصناعات المختلفة.
الربا سببٌ لتسلط الغني على الفقير
فالربا يؤدي إلى آثار سلبية في المجتمع، مثل تسلط الأغنياء على الفقراء، عند إقراضهم المال وأخذ زيادة عليه، وإن الفقير قد يرضى بذلك كونه في حاجة شديدة واضطرار، ولكن هذا المال الزائد لا يرضاه الشّرع بحال من الأحوال، فهو ليس من حق الغني أبداً، بل هو ظلم وتسلط.
الربا يقطع المعروف بين النّاس
فالقول بجواز الربا يؤدي إلى تفكيك رابطة المجتمع وتعاونه في المعاملات المشروعة كالقرض الحسن وغيره الذي رغّب الشّرع فيه ودلّ على فضله، قال تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وإنّ الاشتغال بالربا بنوعيه سبب لزيادة الطمع عند البعض وسببٌ لذهاب الألفة بين النّاس.