مواقف من حياة الصحابة في بر الوالدين
برّ أبي هريرة بأمّه
كانت والدة أبي هريرة -رضي الله عنه- مُشرِكةً، فقام بدعوتها إلى الإسلام ومحاولة تحبيبها فيه، فقامت بسبِّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فحزن أبو هريرة جداً من سب رسول الله وغضب له، ولكن من برّه بأمه لم يقُم بأيّ فعلٍ يغضبها، أو يقلّل من شأنها بل ذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبكي ويقول: يا رسول الله، إنَّ أمي قامت بسبِّك، فادعُ الله لها أن يهدِيَها للإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهمَّ اهدِ أمَّ أبي هريرةَ).
ولما رجع أبو هريرة إلى أمّهِ حتى إذا اقترب من الباب، فسمعت أمُّه صوت أقدامه فقالت له: ابقَ مكانك يا أبا هريرة، فسمع صوت خضخضة ماء، ثمّ خرجت عليها بعد أن اغتسلت ولبست ثوبها.
وقالت يا أبا هريرة: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، فعاد أبو هريرة إلى رسول الله وهو يبكي فرحاً ليبشِّره بإسلام أمِّه، ففرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخبر وحمد الله -تعالى-، ثمَ طلب أبو هريرة منه أن يدعو له ولأمِّه، فدعا لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللَّهمَّ حبِّب عُبيدَكَ هذا وأمَّهُ إلى عبادِكَ المؤمنينَ وحبِّبْهم إليْهما).
برّ عثمان بن عفان وحارثة بن النعمان بأمهما
كان الصحابيان الجليلان عثمان بن عفّان وحارثة بن النعمان -رضي الله عنهما- أبرّ الناس بأمهما؛ وذلك لما قالته أمّ المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنه: " كان رجلان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبرّ من كانا في هذه الأمة بأمّهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان -رضي الله عنهما-، فأما عثمان فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت، وأما حارثة فأنه كان يفلّي رأس أمه ويطعمها بيده".
برّ عبد الله بن عمر بن الخطاب بأبيه
كان لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- حمار، وكان يركبه عند ذهابه إلى مكة إن كان ملّ من ركوب الإبل، وذات يوم وبينما هو في طريقه إلى مكة على ظهر حماره إذ به يلتقي بأعرابي، فنزل ابن عمر فسلّم عليه وأعطاه حماره ليركب عليه ويكمل به مسيره، ليس هذا فحسب بل وقام بحلِّ عمامته وإعطائه إياها ليشدّ بها رأسه.
واستنكر أصحابه فعلته وقالوا له: ما الذي حملك على هذا الفعل، إنّ الأعراب يرضون بأيسر الأشياء، فقال لهم: لقد كان هذا الشخص صاحب أبي، وما فعلته هذا ليس إلا برّاً بأبي واقتداءً بكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ سمعته يقول: (إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وإنَّ أَبَاهُ كانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ)،فكان هذا مثالاً على برّ الوالدين وإن كان بعد مماتهما.