تعريف بسورة الحج
التعريف بسورة الحجّ
سورة الحجّ من سُور القرآن الكريم العظيمة، ونزلت بعد سورة النور؛ ويمكن التعريف بها كما يأتي:
- تقع سورة الحج في الجزء السابع عشر، وتحديداً الحزب الرابع والثلاثين.
- تعتبر من السُّور المختلطة بين المكّي والمدنيّ؛ فقد اشتملت على آياتٍ مدنيةٍ، وأخرى مكيّةٍ.
- يكون ترتيبها في القرآن الثاني والعشرين.
- يبلغ عدد آياتها ثمانيةً وسبعين آيةً.
- تضمّنت السورة سجدتَين؛ الأولى في الآية الثامنة عشرة، والثانية في الآية السابعة والسبعين.
- اشتملت على كثيرٍ من الأحكام، كالحديث عن شعائر الحجّ، والإِذن بالجهاد والقتال في سبيل الله.
- اشتملت على كثير من مسائل العقيدة، كالتّوحيد، وإثبات الأمور الغيبيّة، مثل: البَعْث، والجزاء، وأهوال يوم القيامة.
سبب تسمية سورة الحجّ
عُرِفت سورة الحجّ بهذا الاسم على عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ولم يُعرَف لها اسمٌ آخرٌ؛ فقد ورد عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنّه سأل الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فقال: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فضلَتْ سورةُ الحجِّ بأنَّ فيها سجدَتينِ؟ قال: نعم)، وقد سُمِّيت هذه السورة بهذا الاسم؛ لأنّ الله -تعالى- ذكر فيها الحجّ إلى بيته الحرام، وأمر نبيّه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بالدعوة إلى حجّ بيته، وأداء مناسكه وشعائره؛ مع الإشارة إلى أنّ فَرْض الحجّ على المسلمين ورد في آياتٍ من سورة البقرة، وسورة آل عمران، ونزول سورة الحجّ كان قبل فَرْض الحجّ على أمّة الإسلام.
مناسبة سورة الحجّ لما قبلها وما بعدها من السُّور
مناسبة سورة الحجّ للسورة التي قبلها
استهلّت سورة الحجّ آياتها بالحديث عن أهوال يوم القيامة، وقد تناسبت هذه البداية مع نهاية سورة الأنبياء التي قبلها، والتي خُتِمت بقَوْل الله -تعالى-: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ)، وقد تطرّقت سورة الأنبياء إلى بيان عدّة مواضيع أخرى، منها: بديع خَلْق السماوات والأرض، ومراحل خَلْق الإنسان؛ إثباتاً لقدرة الله -سبحانه- على البَعْث مرّةً أخرى، كما أنّها دليلٌ على وحدانيّة الله -سبحانه-، وتفرُّده بالخَلْق والإحياء، وقد كانت تلك المسائل محور دعوة الأنبياء والرُّسُل -عليهم الصلاة والسلام-، وبيان دعوتهم إلى توحيد الله، وعبادته وحده، وعدم الإشراك به، وبيان جزاء مَن لم يستجب لذلك.
مناسبة سورة الحجّ للسورة التي بعدها
تناسبت سورة الحجّ مع السورة التي بعدها؛ وهي سورة المؤمنون؛ فقد خُتِمت سورة الحجّ بحَثّ المسلمين على التمسُّك بأسباب الفلاح في الدُّنيا والآخرة؛ بأداء ما افترضه الله على المؤمنين من العبادات، كالصلاة، والزكاة، والتقرُّب إليه -سبحانه- بفِعل الخيرات، ثمّ جاءت سورة المؤمنون لتُبيّن فلاح المؤمنين، ممّا يُؤكّد الرابط بين السورتَين، كما تطرّقت السورتان إلى عددٍ من المسائل، منها: إثبات وجود الله، ووحدانيّته بالدلائل الكونيّة التي تثبت ذلك، وذكرت السورتان قصص الأنبياء؛ للاتِّعاظ والاعتبار بها، كما ذكرتا عدّة أدلّةٍ على قدرة الله، كقدرته على بَعْث الخَلْق، وإحيائهم بعد موتهم كما خَلَقهم وأنشأهم أوّل مرّةٍ.
مقاصد وموضوعات سورة الحجّ
دلّت سورة الحجّ على عدّة مقاصد وموضوعاتٍ، بيان وتفصيل البعض منها فيما يأتي:
- تحقيق الخشية والخوف من الله -سبحانه- في القلوب والنفوس؛ بتذكير العباد بما سيكون يوم القيامة من الأهوال والشدائد التي تستدعي التأمُّل، والتذكُّر، والاعتبار.
- ذِكْر دلائل وحدانيّة الله -تعالى- التي تردّ دعاوي الشرك به، وثبيت حقيقة أنّه واحدٌ أحدٌ، والتذكير بعداوة الشيطان للإنسان، ووساوسه التي لا تنقطع والتي تُؤدّي به إلى المجادلة باطلاً، والتأكيد على أنّه لن يُغني عن أتباعه شيئاً يوم القيامة؛ لأنّه لا يملك لهم ضرّاً، ولا نَفْعاً.
- التأكيد على سقوط حُجّة نَفْي وحدانيّة الخالق -سبحانه-؛ فالغاية من ذلك تتمثّل في إضلال العباد، وإبعادهم عن الحقّ المُتمثِّل بأنّ الله واحدٌ.
- التأكيد على حقيقة البَعْث بعد الموت؛ بذِكْر مراحل خَلْق الإنسان منذ أن يكون نطفةً، إلى أن يصبح خَلْقاً كاملاً، وذلك ممّا يُثبت قدرة الله على البَعث، كما ضرب الله مثالاً على قدرته على بَعْث الأموات بالأرض الميتة التي تُخرج النبات بإنزال الله المطر.
- بيان طبائع المشركين بالتردُّد في الاستجابة لرسالة الإسلام واتِّباعها، وأنّ مجادلتهم بالباطل تصدر جَهْلاً منهم، وتكبُّراً على الامتثال لدعوة الرسول محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-.
- تشبيه المشركين بالأُمم السابقة وتذكيرهم بما حلّ بهم من العذاب؛ بسبب عدم استجابتهم لتوحيد الله، وأنّ الله -تعالى- أمهلم فترةً من الزمن كما أمهل غيرهم من الأُمم، وفي ذلك تثبيتٌ لقلوب المؤمنين، وبشارةٌ لهم بالنصر والفلاح.
- التأكيد على تحقيق العدالة والفَصْل بين الناس يوم القيامة، ومجازاة الله لكلّ عبدٍ على ما قدّمه من أعمالٍ في حياته الدُّنيا.
- تذكير العباد بما مَنّ الله -تعالى- عليهم من النِّعَم الي لا تُحصى، وما أرشدهم إليه ممّا ينالون به رحمته، ويُقرّبهم منه، والتأكيد على أنّه مولاهم، وناصرهم.
فَضْل سورة الحجّ
بيّن العلماء بعض الفضائل لسورة الحجّ، يُذكَر منها:
- ما ورد في الأثر عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- فيما يرويه من أنّ أباه عمر بن الخطّاب صلّى بالناس، وقرأ سورة الحجّ، وسجد سجدتَين أثناء القراءة، وهما سجدتا التلاوة، وقال: (إنَّ هذه السُّورةَ فُضِّلَتْ على السُّوَرِ بسَجدتيْنِ).
- كما ورد عن عبدالله بن دينار: (عن ابنِ عمرَ أنَّهُ سَجدَ في سورةِ الحجِّ سَجدَتينِ).
- ما ورد عن عُقبة بن عامر -ضي الله عنه-: (قلت: يا رسولَ اللهِ، فضلَتْ سورةُ الحجِّ بأنَّ فيها سجدَتينِ؟ قال: نعم).
- كما ورد عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أقرأَه خَمسَ عَشرةَ سَجْدةً في القرآنِ، مِنها ثلاثٌ في المُفَصَّلِ، وفي الحجِّ سجدتانِ)،
- أمّا ما ورد في فَضْل السورة من قَوْل: "من قرأ من سورة الحجّ أَعْطَى من الأَجر كحَجّة حَجَّها، وعمرة اعتمرها، بعدَد مَن حجّ واعتمر، مَنْ مضى منهم ومن بَقى، ويُكتب له بعدد كلّ واحد منهم حجَّة وعمرة وله بكلِّ آية قرأها مثلُ ثواب مَنْ حَجّ عن أَبويه"؛ فقد ذكره المُفسِّرون، وبيّنوا أنّه من الأحاديث الضعيفة الواهية التي لا ترتقي إلى الحُسن، أو الصحّة، ولا يصلُح الاحتجاج به على فَضل سورة الحجّ.
مميزات سورة الحج
تميّزت سورة الحج عن باقي السور القرآنية بجملة من الخصائص والمميّزات التي لم توجد في غيرها من سور القرآن الكريم، ومن هذه المميزات ما يأتي:
- سُميّت سورة الحج باسم أحد أركان الإسلام وليس هناك سورة أخرى تُسمّى باسم أحد الأركان، وليس لها اسم آخر سوى هذا الاسم، ووجه تسميتها بسورة الحج هو أمر النبي إبراهيم بدعوة العباد للحج فيها وذكر بعض الأمور المتعلّقة بالمناسك، وإلّا ففرض الحج قد نزل في سورة البقرة بالاتفاق.
- احتوت سورة الحج على سجدتين وهذا خاص بها، فجميع السور التي فيها سجدة لم تتضمّن إلّا سجدة واحدة بخلاف سورة الحج، وقد وردت بعض الآثار التي تبيّن اختصاص سورة الحج وتفضيلها بالسجدتين.
- ابتدأ الله -تعالى- سورة الحج بالخطاب الموجّه لجميع الناس، حيث قال -تعالى- في مطلعها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}، وهذه البداية لم ترد في القسم الثاني من القرآن إلّا في سورة الحج، ووردت في القسم الأول في بداية سورة النساء.
- تعدّدت أقوال العلماء في كون سورة الحج مكية أم مدنية، فقيل فيها ثلاثة أقوال: مكية، ومدنية، ومختلطة.
- تكون السورة التي فيها سجدة هي سورة مكّية؛ باستثناء سورة الحج وهذا عند القائلين بكونها مدنية.
- قيل إنّ سورة الحج من أعاجيب القرآن الكريم، حيث جمعت بين المكي والمدني والحضري والسفري والليلي والنهاري والحربي والسلمي والناسخ والمنسوخ.
- ورد في سورة الحج ذكر لأنواع القلوب الأربعة: الأعمى والمريض والقاسي والحي المخبت لله المطمئن بقربه سبحانه.
ما يستفاد من سورة الحج
تضمّنت آيات سورة الحج الكثير من الفوائد التربوية والثمرات العلمية واللطائف البلاغية واللغوية، ومن هذه الفوائد والثمرات ما يأتي:
- في قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ)، دليل على أنّ الجدال الحق الناتج عن علم وإيمان جائز ولا حرج فيه، وإنّما المذموم هو الجدال بغير علم ولا هدى.
- في قوله -تعالى-: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) إظهار لأهمية تعظيم شعائر الله وحرماته، وأنّ هذا الفعل جزاؤه لخير وعاقبته حسنة، وقد رُبط في آية أخرى بالتقوى، فكلّما زادت تقوى العبد كان أكثر تعظيمًا وإجلالًا لشعائر الله وحرماته.
- قوله -تعالى-: (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)، يدلّ على أنّ من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، سيكافئ في الآخرة بالمغفرة والرزق الكريم.
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ)، إبطال للشرك وعبادة أي شيء من دون الله بأروع مثل وأجمل تصوير يفهمه جميع الناس ويدركون مغزاه.