تعريف بابن عباس
عبد الله بن عباس
هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ابن عم الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ يلتقي نسبه به مع جدّه عبد المطلب بن هاشم، صحابيٌ جليلٌ، يرتقي نسبه إلى نبي الله إسماعيل عليه السلام، ويكنّى عبد الله بأبي العباس، وقد اختلفت الروايات في السنة التي وُلد فيها ابن العباس؛ وبيان الأقوال على النحو الآتي:
- رُوي عن عمرو بن دينار أنّه وُلد عام الهجرة، ممّا يعني أنّه كان ابن عشرة سنوات حين وفاة النبي ، وممّا يؤيد ذلك ما رواه ابن العباس: (مات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنا ابنُ عشرِ سنينَ).
- قيل إنّ ولادته كانت قبل الهجرة بثلاث سنواتٍ، أي في السنة التي فُرض فيها الحصار على المسلمين في شِعب أبي طالب، وممّا يؤيد ذلك ما رواه الزبير بن بكّار أنّ ابن العباس كان عمره ثلاث عشرة سنة حين وفاة النبي.
- رُوي أنّه وُلد قبل الهجرة بخمس سنين، أي أنه كان ابن خمس عشرة سنة عند وفاة الرسول، وأيّد هذا الرأي ابن كثير.
وقد تميّز ابن عباس عن أقرانه؛ ففي صغره لازم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأخذ عنه، وتلقّى الأحاديث المرويّة عنه، وسعى في طلبها من أهل العلم وكبار الصحابة رضي الله عنهم، فكان عالماً وخطيباً، ولُقّب بعدّة ألقابٍ؛ منها: حبر الأمة ، وفقيه العصر، وإمام التفسير، وترجمان القرآن ، وقد تزوّج من ثلاث نساء؛ زُرعة أو زُهرة بنت مشرح الكندية، وشميلة بنت جنادة الزهرانية، وأم ولدٍ، وكان له من الأولاد: العباس، ومحمد، والفضل، وعبد الرحمن، وعُبيد الله، ولبابة، وعلي، وأسماء.
صفات عبد الله بن عباس
عُرفت عن ابن عباس -رضي الله عنه- العديد من الصفات التي منحته مكانةً رفيعةً ومنزلةً جليلةً، وفيما يأتي بيان البعض من تلك الصفات:
الصفات النفسية
كان ابن عباس -رضي الله عنه- معروفاً بأدبه الجمّ مع أهل العلم، وقد عاد ذلك عليه باليُمن والبركة، كما كان عابداً راسخاً في عبادته، كثير البكاء خشيةً من الله عزّ وجلّ، وعقد النية على الذهاب لأداء الحجّ مشياً على الأقدام، إلّا أنّه أُصيب ببصره فلم يفعل، وتأسّف على ذلك وقال: "ما آسي على شيءٍ فاتني إلّا أنّي لم أحجّ ماشياً"، وعُرف عنه أيضاً تدبّره لآيات القرآن الكريم، والتمعّن في المعاني والدلالات، ومن صفاته الجليلة التي عُرفت عنه؛ الوفاء ، إذ منح أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- مالاً ليسدّ به ديونه، ووهبه مثله أيضاً؛ إكراماً له على جميل صُنعه مع الرسول -عليه الصلاة والسلام- حين هاجر إلى المدينة المنورة، وممّا اشتُهر به ابن العباس أيضاً صبره على المصائب والابتلاءات، محتسباً الأجر من الله تعالى، وكان عارفاً مطّلعاً على طبائع الناس، وعالماً بأساليب التعامل معهم، وبذلك زادت محبّة الناس له، فكان صابراً حليماً حكيماً حريصاً على إظهار فضل ونِعم الله عليه.
الصفات العقلية
حرص ابن عباس -رضي الله عنه- منذ صغره على طلب العلم وتعلّمه، فبذل في سبيل ذلك جهداً كبيراً، وكان متواضعاً في ذلك، ولم يأخذ إلّا بحديث النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الصحيح بعد أن تثبت صحّته، ولازم العلماء من الصحابة ونزل في بيوتهم دون المبالاة بأي أذى أو خطر قد يتعرّض له في الطريق، وقد خصّ بعض الصحابة في تلقّي العلم منهم؛ كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، ومن الأسباب التي جعلت من ابن العباس فقيهاً عالماً؛ دعاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- له؛ إذ قال: (اللهم فقِّهْهُ في الدينِ وعلِّمْهُ التأويلَ)، وسُمّي بالبحر؛ لسِعَة علمه، وقال عنه عُبيد الله بن عتبة: "إنّه قد فاق الناس بخصالٍ؛ فقد تميّز بعلمه وفقهه وحِلمه ونسبه"، وقال عنه أيضاً: "ما رأيت أحداً كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأيٍ منه، وما رأيت سائلاً قطّ سأله إلّا وجد عنده علماً".
ومن صفاته العقلية اشتهاره بعمق الاستنباط واستنتاجه للمعاني العميقة من النصوص، حتى إنّ عمر بن الخطاب كان يسمّيه غوّاصاً، وكان ابن العباس أيضاً سريع الفهم قوي الحفظ، وكان فاهماً لجميع ما يسمعه من العلماء في مجالسهم، كما عُرف بالذكاء والفِطنة رغم أنّه عاصر عدداً ممّن اشتُهروا بهما، وعُرف ببُعد النظر والحكمة وإصابة الرأي في سائر الشؤون، فوافق رأيه رأي الخليفة عمر -رضي الله عنه- في العديد من المواقف، وخالف علي بن أبي طالب في بعض الأمور ونال إعجاب الخليفة بها، وحين ولّاه علي على الشام رفض ابن العباس الولاية، وأشار عليه بإخبار معاوية بن أبي سفيان بالأمر، حرصاً منه على عدم وقوع أي فتنةٍ بالمسلمين، ممّا يدلّ على بُعد نظره في عواقب الأمور.
الصفات الجسمية
وهب الله ابن عباس بسطةً (وفرةً وزيادةً) في الجسم، وكمالاً في الخَلق، وجمالاً شكلياً، ومن صفاته الجسدية أنّه كان أبيض مائلاً إلى الصُفرة، طويلاً، صبيح الوجه، وقال عنه عطاء: "ما رأيت البدر إلّا ذكرت وجه ابن عباس"، ويقصد بصبيح الوجه أي: مشرق ووضيء الوجه.
نشأة عبد الله بن عباس
نشأ عبد الله بن عباس في عائلةٍ مباركةٍ، فكانت خالته أم المؤمنين ميمونة، وفي إحدى الليالي التي قضاها في حجرتها صلّى خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- فأوقفه النبي بجواره، إلّا أنّ ابن عباس رجع إلى الخلف، وحين فرغ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- سأله عن سبب ذلك، فأجاب ابن عباس قائلاً: "وهل يساويك أحدٌ وأنت الرسول الذي بعثك الله، وأنزل عليك القرآن"، فابتسم النبي -عليه الصلاة والسلام- ودعا له بالخير والبر، وقد أتمّ ابن العباس حفظ القرآن الكريم قبل أن يتمّ عشرة سنواتٍ من عمره، وقد عاش عُمراً طويلاً كريماً، وتنقّل ما بين مكة المكرمة والمدينة والطائف، وشارك في فتح مصر وشمال أفريقيا، وهدى الله بسببه آلاف الخوارج بعد عدّة مناظراتٍ أثبت بها الحقّ، ثمّ بعثه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والياً على البصرة، وكان أول جنديّاً في غزو القسطنطينية في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان .
علم عبد الله بن عباس
برع ابن عباس -رضي الله عنه- بعددٍ من العلوم الشرعية، وفيما يأتي تفصيل البعض منها:
- الفقه: تولّى ابن عباس -رضي الله عنه- الفتوى في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما، ولشدّة علمه بالفقه كان أحد الفقهاء السبعة الذي تحوّلت لهم الفُتيا بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، كما كان ابن عباس المرجع للصحابة حال اختلافهم في إحدى الأمور، وتجدر الإشارة إلى أنّه لم يكن يُبدي رأيه بأي مسألةٍ إلّا إن لم يجد بياناً لها في النصوص وفيما ورد عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ومن الشواهد على فقه ابن العباس ما يرد في الكتب الفقهية من الآراء المنسوبة إليه دون غيره، إذ انفرد بالحكم في عددٍ من المسائل، وأورد ابن حزم -رحمه الله- أنّ أبا بكر بن الخليفة المأمون أحد أئمة العلم والحديث جمع الفتاوى المنقولة عن ابن عباس فكانت في عشرين كتاباً.
- وكان ابن عباس يحثّ ويرغّب الناس في السؤال عن أمور الدين، ثمّ يسألهم عمّا قال ليتأكّد من صحّة فهمهم، كما كان حريصاً على إرشادهم إلى الطرق والأساليب التي يحفظون بها العلم؛ ليتمكّنوا من تبليغه لغيرهم، ومن أقواله الواردة في ذلك: "تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم؛ فإنّه ليس مثل القرآن مجموعٌ محفوظٌ، وإنّكم إن لم تذاكروا هذا الحديث ينفلت منكم، ولا يقولنّ أحدكم حدّثت أمس فلا أحدّث اليوم، بل حدّثت أمس ولتحدّث اليوم وغداً"، ومن وصاياه الواردة في الوعظ ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بقوله: (حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فإنْ أبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فإنْ أكْثَرْتَ فَثَلَاثَ مِرَارٍ، ولَا تُمِلَّ النَّاسَ هذا القُرْآنَ، ولَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتي القَوْمَ وهُمْ في حَدِيثٍ مِن حَديثِهِمْ، فَتَقُصُّ عليهم، فَتَقْطَعُ عليهم حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، ولَكِنْ أنْصِتْ، فَإِذَا أمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فإنِّي عَهِدْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَصْحَابَهُ لا يَفْعَلُونَ إلَّا ذلكَ يَعْنِي لا يَفْعَلُونَ إلَّا ذلكَ الِاجْتِنَابَ).
- التفسير: نال ابن عباس -رضي الله عنه- قدراً قليلاً من تفسير القرآن من الرسول عليه الصلاة والسلام، ثمّ من الصحابة رضي الله عنهم، ثمّ ما كان لديه من العلم باللغة العربية والفصاحة والبلاغة، ثمّ التفسير بالمقتضى؛ ويُقصد به التفسير بمعنى الكلام، استناداً إلى قوّة الشرع، كما كان في بعض الأحيان يرجع إلى ما ورد من أقوال أهل الكتاب بالنظر العميق فيها، ليأخذ منها ما يوافق الحق، ونُسب إليه تفسير تنوير المقابيس الذي تدور رواياته على طريق السدي الصغير فقط، إلّا أنّ الصحيح أنّ ذلك التفسير لا يُنسب إليه.
- الحديث: كان ابن عباس -رضي الله عنه- لا يرغب في الإكثار من رواية الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، سائراً بذلك على طريق عمر بن الخطاب الذي نهى الناس عن الإكثار من رواية الحديث عن الرسول، ومنع بعض المُكثرين من الرواية؛ وذلك خوفاً من الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام، وخشيةً من هجر القرآن الكريم، ولذلك عزم عمر بن الخطاب على تدوين السنة النبوية إلّا أنّه عدل عن رأيه في آخر الأمر، ومع حرص عبد الله على عدم الإكثار من رواية الأحاديث إلّا أنه كان من الصحابة الستة المُكثرين من الحفظ عن الرسول بالإضافة إلى أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك ، وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم.
وفاة عبد الله بن عباس
اختلفت الروايات في تحديد السنة التي توفي فيها ابن العباس -رضي الله عنه-؛ فقيل إنّها كانت في السنة الثامنة والستين للهجرة، وقيل في السنة الخامسة والستين، كما قيل أيضاً في السبعين، أو الحادية والسبعين، أو الرابعة والسبعين، إلّا أنّ المتفق عليه أنّ وفاته كانت في الطائف، وتجدر الإشارة إلى أنّ وفاته كانت على إثر مرضٍ ألمّ به لمدّة ثمانية أيامٍ، وقد حظي ابن عباس بأحسن الذكر والثناء من الصحابة والتابعين، فقال ابن مسعود عنه: "نِعم ترجمان القرآن ابن عباس"، وقال أبي بن كعب: "هذا يكون حبر الأمة أُوتي عقلاً وفهماً"، وقالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "أعلم الناس بالحجّ"، وقال الحسن عنه: "كان ابن عباس من الإسلام بمكانٍ، ومن علم القرآن بمنزلةٍ رفيعةٍ".