الأسواق الشعرية في العصر الجاهلي
التعريف بالأسواق الأدبية في العصر الجاهلي
أقام العرب في الجاهلية أسواقاً للتجارة، يجتمعون فيها كل عام يتبادلون بضائعهم وكانت البضائع تأتي من الحيرة والشام ومصر وجميع أنحاء الجزيرة العربية، وكانت هذه الأسواق ميداناً للأدب ومنتدياتٍ أدبية حيث كانوا يجتمعون فيها لتبادل الأفكار، وعرض الآراء، والتشاور لحل المشكلات، كما كانت ميداناً للمفاخرات والمنافرات، وكانوا يعرضون أشعارهم وخطبهم فيها.
كان لهذه الأسواق الأثر البالغ في توحيد اللهجات العربية في الجاهلية واجتماع أهلها على لغةٍ واحدةٍ، وقد دخلت اللغة العربية في طورها الجديد وهو طور الوحدة اللغوية، فكانت تستخدم اللغة الفصحى التي نزل القرآن بها.
كما كان لهذه الأسواق حرمتها التي عظمها الجاهليون فكانوا لا يعتدون على أحدٍ فيها، وكان يأمنون على دمائهم وحرماتهم أثناء دخولها، وكان لهذه الأسواق قيمةً تجارية وأدبية فقد كان لها أيضاً قيمة نقديةٍ.
حيث كان الشعراء يحتكمون إلى النقاد، وقد اشتهر من بينهم النابغة الذبياني حيث كانت تبنى له قبةً من جلد، يجلس فيها وعرض الشعراء شعرهم عليه وكانت أيضاً ميداناً للخطابة وفيها خطب قس بن ساعدة خطبته، وفيها ألقى عمرو بن كلثوم قصيدته المعلقة.
الأسواق الشعرية في العصر الجاهلي
من أبز الأسواق الشعرية في العصر الجاهلي ما يأتي:
سوق عكاظ
من أهم أسواق العرب وأكثرها نشاطاً من الناحية الأدبية، وقد اختلف المؤرخون في تحديد مكان سوق عكاظ، ولكن الآراء كانت كلها تسير إلى مكانٍ واحدٍ وهو بقعةٌ واسعةٌ شرق الطائف خارج السلسة الجبلية التي تحيط بها، وكانت سوق عكاظ مركزاً تجارياً، وفيها يتم فداء الأسرى، والمفاوضة في الرأي، وكانت ميداناً للمفاخرة والمنافرة.
كان يوجد فيها أيضًا منابر يقف عليها الخطباء يلقون الخطب ويفخرون بمآثر أقوامهم، وقيل أيضًا إنه تم فيها إلقاء المعلقات ، وفيها مدح الأعشى المحلق بقصته المشهورة، وفيها كان يلقي حسان بن ثابت رضي الله عنه مدائحه.
كانت في سوق عكاظ الخنساء تلقي مراثيها في أخيها صخر، وفيها كان يجلس النابغة الذبياني بحكم بين الشعراء، فاحتضنت هذه تاسوق العديد من الأخبار الأدبية والنقدية، وفي عكاظ كان يقوم الرؤوساء يحكمون بين المتخاصمين ومنهم عامر بن الظرب العدواني، وكانت عكاظ سبباً في قيام أربعة حروبٍ بين القبائل العربية سميت حروب الفجار وأسبابها ما يأتي:
- الحرب الأولى بسببٍ مفاخرة حدثت فيها.
- الحرب الثانية بسبب تعرض فتيةٍ من قريش لامرأة من قبيلة عامر بن صعصعة.
- الحرب الثالثة بسبب مقاضاة دائنٍ لمدينه مع إذلاله.
- الحرب الرابعة أنّ عروة الرحال قد ضمن أنّ تصل تجارة المنذر إلى عكاظ آمنةً فقتل في الطريق.
بسبب هذه الحروب اجتمع سادات العرب وضمنوا الأمن في هذه السوق فكانوا يأخذون الأسلحة من الداخلين ويردونها إليهم إذا رحلوا.
سوق ذي المجاز
وهي من أهم الأسواق عند العرب، ومكانها بالقرب من مكة، وأقرب العرب إليها هم قبيلة هذيل ، ولهذا كانوا القائمين عليها، ويكثر ورود ذي المجاز في أشعار العرب ولا سيما الهذليين، وسميت بهذا الاسم لأن إجازة الحاج كانت تبدأ منه، وتأتي في الأهمية بعد عكاظ، حيث كان الحجاج يؤمونها بعد عودتهم.
يتم فيها ما يتم في سوق عكاظ من المبادلات التجارية والمفاخرات والمنافرات وغيرها، ويتم إكمال الأمور المعلقة في الأسواق السابقة، وقد كان يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم للدعوة الإسلامية فيها كما كان يدعو في غيرها من الأسواق.
سوق مَجَنَّة
مجنة موضع وقيل بلد قرب مكة، يقصدونها العرب لإتمام ما كان معلقاً في عكاظ بعد انتهائه من معاملاتٍ تجاريةٍ وغيرها، وهو من أكبر أسواق الجاهلية وأهمها، والموضع الذي تقام فيه هو من أجمل المواضع كما أنّه تتوفر فيه المياه، وتقع هذه السوق بالقرب من قبيلة كنانة، وتُقام لمدة عشرة أيامٍ من أواخر شهر ذي القعدة وحتى طلوع هلال ذو الحجة.
قيل إنّ سبب التسمية من الجنون، وقيل من الجن، وقيل من الجِنَان، وكان يجلب إليها ما يجلب لغيرها من المتاع، وقد عظَّمت العرب هذه الأسواق الثلاثة حتى قالت: "لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج" وسوق مجنة هو امتداد لسوق عكاظ يحضره من حضر سوق عكاظ.