تعريف الفقه لغة واصطلاحاً
تعريف الفقه لغة
الفقه لغةً يعني: الفهم المطلق، والفطنة. واستدلَّ من قال بهذا المعنى بقوله -سبحانه وتعالى-: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُول)، وقوله -جلَّ في علاه-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)، ففي كلا الآيتين الكريمتين يظهَر عدم الفقه؛ أي عدم حصول الفهم، ونفيه مطلقاً.
وقيل في معنى الفقه: الفهم الدقيق، فعندما يُقال: فقهت الكلام، أي بمعنى فهمت ما يقصده به وما أخفى وراءه من مقاصد أخرى، وأمَّا في آيات القرآن الكريم فيأتي الفقه بمعنى الإدراك الدقيق، فإدراك التسبيح في سورة الإسراء يتضَّح لكل العقول بأن جميع المخلوقات تسبح الله -سبحانه-، ولكن إدراك أسرار ذلك التسبيح ليس للجميع.
تعريف الفقه اصطلاحاً
إن تعريف الفقه في الاصطلاح عند الأصوليين مرّ بعدِّة تغييرات، فكان يعني: كلَّ ما جاء عن الله -سبحانه- من عقيدة، وأحكام، وأفعال النفس وجوارحها، فهو مرادف لمعنى الشرع، ثمَّ أصبح يعرّف: بالعلم بالأحكام الشرعية الفرعية، المستمدَّة من الأدلَّة التفصيلية.
وفي هذا التعريف نوع من التخصيص، بحيث قاموا باستبعاد جزءٍ منه، وجعلوا هذا الجزء عِلماً مستقلاً بذاته، فسمُّوه علم التوحيد، أو علم الكلام والعقائد، بحيث أصبح تعريف الفقه لباقي علوم الشرع، وأمَّا عن تعريفه عند الفقهاء: فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية تحديداً من الأدلَّة التفصيلية، فاستُثنيَت كلَّ الأحكام الشرعية غير العملية أو الاعتقادية؛ كأعمال القلوب والأخلاق.
وقيل إن الفقه في اصطلاح الفقهاء يعني: الأحكام والمسائل التي جاء في بيانها وحي من الله -سبحانه-، ثمَّ استنبط منها المجتهدون وأهل الإفتاء، أو ما توصَّل له أهل التخريج من مسائل وأحكام هامَّة.
موضوع الفقه
إنَّ موضوع الفقه يتعلَّق بأفعال العباد وتحديداً المكلَّفين منهم، فقد اشتملت على كافَّة أنواع علاقاتهم مع أنفسهم، ومع خالقهم -عزَّوجلَ-، ومع مجتمعاتهم، فتناولتها بشكل شامل، كما تناول موضوع الفقه الأحكام العملية لكلِّ ما يصدر عن العباد من أفعال أو أقوال، أو حتى معاملات، فهي تضم قسمين: أحكام العبادات، وأحكام المعاملات، ويمكن تقسيمها على النحو الآتي:
- أحكام الأسرة
من زواج وطلاق وميراث، وما شابهها.
- أحكام المعاملات المالية
من بيع وإجارة وشراء، وغيرها من معاملات الأفراد.
- أحكام الجنايات أو الأحكام الجنائية
من جرائم وعقوبات.
- أحكام المرافعات والقضاء
من الخصومات، ورفع الدعوى، ونحوها.
- أحكام الدولة أو الأحكام الدولية
من تنظيم لشؤون الدولة، وتحديد طبيعة علاقاتها مع الدول الأخرى، وغيرها ممَّا يتعلق بالدولة.
وبعد كلّ هذا تظهر للمكلَّف ثمرة علم الفقه، فيعرف عباداته، وصحة سلوكياته، وما يتعلَّق بها من أحكام، فإذا صحَّ الفرد المسلم، صحّ المجتمع وتغير حاله، ونيلت الراحة في الدنيا، والجزاء في الآخرة.
مصادر الفقه
إنَّ للفقه مصادر عِدَّة تثبت بها الأحكام الشرعية بأدلَّتها ، وهذه المصادر هي:
- القرآن الكريم
القرآن الكريم كلام الله -عزَّ وجلَّ- الذي جعل لنا التَّعبد بتلاوته، وجعل لنا أيضاً التَّعبد بأحكامه في جميع الأمور، وعلى مستوى الأفراد والجماعات، يقول -سبحانه وتعالى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ).
- السنة النبوية
وهي ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة، وهي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم للتشريعات الإسلامية، فلا يجب فصلهما عن بعضهما البعض؛ فالسُّنة إمَّا أن تكون مؤكدة لما جاء في القرآن، أو مبيِّنة وشارحة له، أو مفصِّلة لحكمٍ سكت عنه القرآن الكريم، يقول -سبحانه وتعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
- الإجماع
ويقصد به اتّفاق علماء الأمّة على حكم شرعي مستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية؛ كإجماعهم على فرضية الصيام لشهر رمضان المبارك، فالإجماع حجَّة لا يجب الاستغناء عنها، يقول -سبحانه وتعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
- القياس
وهو إلحاق حُكم مسألة فرعية بالحكم أصلي، لوجود علّة وسبب مشترك بينهما، فنلحق هذه المسألة الفرعية التي لم يرد فيها نصُّ أو دليل شرعي بالحكم الأصلي في مسألة معينة ورد فيها نص من القرآن أو السنة أو الإجماع، كقياس النهي عن إجراء عقد الإيجار عند نداء صلاة الجمعة على حُكم البيع؛ وذلك لاشتراكهم في الانشغال عن صلاة الجمعة، والقياس يعني العدل الذي يُعرف بالميزان، يقول -سبحانه وتعالى-: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ).