تعبير كتابي بمناسبة المولد الشريف (لطلاب الابتدائي)
ماذا تعني لي ذكرى المولد النبوي الشريف؟
كثيرة هي الأيام والمناسبات التي تمرُّ علينا، فمنها ما يحمل بين طياته البشر والسعادة، وذلك من خلال ذكرياتٍ كنّا قد عشناها وتركت ذاك الأثر الطّيب في روحنا، وبالمقابل منها ما يحمل بين طياته مشاعر الحزن والأسى تشوبها العبرات والدموع لذكرى مؤلمة عشناها أو ألمٍ قد كابدناه يومًا، وفي خضم تلك المناسبات تطل علينا ذكرى المولد النبوي الشريف من بين تلك الذِّكريات والمناسبات، إنّ يوم ميلاد حامل رسالة الإسلام يومٌ مباركٌ؛ وذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى قد كتب لنا فيه الخير والبشر بمولد الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم - والذي سيكون سفيرًا للإسلام وحاملًا لتلك الرّسالة الجليلة، لقد كان مولده -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني عشر من الشهر العربي ربيع الأول.
هذا اليوم الذي اختلطت خيوط ضوء شمسه بنور مجيء الحبيب، فطغى نوره على أي ضوء، في هذا اليوم فاح عبير مولده ليعانق رائحة الزّهور والأقحوان، فتطأطئ الأزاهير رأسها خجلًا من عبق ريحه ومسكه -عليه الصلاة والسلام-، إنّ هذه الذكرى المبارك تعني لي الكثير، فقد حملت الخير لبشريةٍ ساد فيها الجهل والخرافات، ليأذن الله تعالى ببعثة الإسلام مرهونةً بمولد حبيبه، ففي هذا اليوم أستشعر خوف النّبي -عليه السّلام- بيوم بدر من أن يُهزم المسلمون، بل هو يومٌ أرى وأشعر فيه بدموع الحبيب المصطفى التي ذُرفت حزنًا على قتل عمه حمزة بن عبد المطلب ، فما أجد حينها إلّا ودموعي تنهمر من عيني شوقًا للحبيب، يومٌ أستشعر فيه شكر النّبي -عليه السّلام- وحمده لربه بعد أن منّ الله تعالى عليه بفتح مكة.
مولد الحبيب يعني لي الخير والسعادة والأمان بدين حمى لي كرامتي وشخصيتي ووجودي، مولد أزال الغمة عن مجتمع حكمته الأساطير لسنوات خلت، مولدٌ لحبيب الله وقد استطاع الوقوف أمام الظّلمة الذين استعبدوا النّاس وأذاقوهم ويلات الأذى ، فصلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله وأعاد علينا مولدك بالأمن والأمان في كل عام ولحظة.
كيف تجلت رسالة النبي في سيرته العطرة؟
العبير يرافق الأزهار، والنور يرافق الشّمس، والشَّذى يرافق الورود، والضوء يرافق القمر، كذلك العدل والرحمة والإحسان والإنصاف قد رافقت جميعها بعثة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وقد تجلت كلُّ تلك الأمور بشخصيةِ نبيٍّ أراده الله نبراسًا ومنارةً لهذه الأمَّة، فسنجد عطف النَّبي -عليه السَّلام- ورحمته التي حثَّنا عليها عندما جثى على ركبتيه الشَّريفتين ليمسح دمعتا طفلٍ بكى على عصفوره الميت مداعبًا إياه وهو يهون عليه مصابه قائلًا له: ما فعل النغير يا أبا عمير، نجد الصبر الذي علمنا إياه في سيرته العطرة عندما بلغ أذى كفار قريش له مبلغًا عظيمًا فرموه بأحشاء البهائم المذبوحة، فبكت فاطمة -رضي الله عنها- وهي تمسح تلك الفضلات عنه راجيةً إياه ان يدعو عليهم، فرفع كفيه الشّريفتين ودعا أن يخرج الله من أصلابهم أقوامًا تعبد الله وتوحده.
أي إحسانٍ وعفوٍ تجلى في أخلاقه عندما وقف عند الكعبة ليجول بنظره الشَّريف في أنحاء مكة ويستذكر الآلام والعذاب التي لاقاها أصحابه من أهلها، فتذكر كيف قتلوا عمه حمزة بن عبد المطلب وأصاب قلبه حزنٌ شديدٌ عليه، وقف ليطالع وجوه كفار قريش وهم ينتظرون حكمه فيهم وهو القوي، وإذ بشفتيه الشَّريفتين تنطقان ما سطَّره التَّاريخ عن خلق العفو والصفح فقال لهم -عليه السّلام- إنّهم طلقاء معفيٌّ عنهم، حتَّى في أحلك المواقف وأصعب اللحظات لم ينس -عليه السلام- حظ المرأة ونصيبها من توجيهاته الكريمة، فقد كان يعلم ما عانت منه في الجاهلية وما قاسته من ظلم فرفع نظره لا ليوصي النّاس بالجهاد، أو يحثهم على العلم ونشر الإسلام على أهميته، وإنّما ليوصيهم بالنِّساء ليكُنَّ السند والقوة.
لقد كانت أخلاق الإسلام متجسّدةً بشخص النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- فما إن يراه الصّحابة حتّى شعروا بتلك الأخلاق العظيمة؛ كالرحمة والإحسان والصِّدق والصَّبر، فكانت سيرته العطرة يفوح أريجها وعبقها في كلِّ مكانٍ يحلُّ فيه، وما هذا إلا درس لأمَّته كي يتمثلوا الإسلام في أخلاقهم، لا أن يأخذوه ليسطروه في الكتب ويلقنوه للبشريّة وكأنَّه مادةٌ للحفظ دون تطبيق، فصلى الإله على من تمثل الإسلام والإيمان بخلقه ومن كان بسيرته مثالًا يُحتذى به لكل داعيةٍ.
كيف أحتفل بالمولد النبوي الشريف؟
كثيرًا ما يتفنن النّاس بطريقة الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، وفي كل عام ترى من التجدد بالاحتفال ما لم نره في الأعوام الماضية، وما هذا إلّا تعبير عن حبهم للنّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- على ما قدمه للعالم بأسره من عطايا جليلة وعظيمة أذن الله بها أن تُجرى على يديه الشَّريفتين، ومنها نعمة الإسلام التي بُعث بها، وهنا أقف حائرةً بين كل هذه الأصناف من الاحتفالات وطرق إظهار السَّعادة والبهجة، فهل سيكون تزيين البيت بالقناديل وباسم الحبيب المصطفى من الأمور الحسنة التي أبرز فيها محبتي وتقديري له، أم صنع بعض أطباق الحلويات التي تتسابق الأمهات لإعدادها في هذا اليوم كنوعٍ من إظهار الامتنان لبعثته عليه السّلام.
أم أنني سأتجاوز كل تلك الأمور لأطرق بابًا جديدًا لم يُطرق بعد، نعم هذا هو الأمر الذي سأفعله وسأحتفل به، سأجمع أموال تلك الزِّينة التي ستبهت بعد فترة وتفقد بريقها، لأقدمها لأحد الفقراء والمساكين الذين حثَّنا نبينا الكريم على تفقد أحوالهم، ولربما أمضس بعض الوقت في قضاء الصَّلوات المفروضة التي غفلت عنها في أحد الأيام، ومن أجمل ما يمكنني القيام به احتفالًا بعيد مولده هو الحديث عن سيرته العطرة، ونشر أخلاقه الحسنة في حلقات ذكرٍ نقيمها بمناسبة مولده.
إن أردتُ يومًا أن أحتفل بمولد النبوي الشريف فسيكون احتفالي هو الالتزام بالأعمال الصّالحة في هذا اليوم وزيادة التّقرب إلى الله تعالى كما يحبني الحبيب المصطفى، وسأعمل على اغتنام لحظات هذا اليوم بالحديث عن سيرته الشَّريفة والتّعريف بأخلاقه الكريمة، ها قد رأينا كيف أن أمّة محمد -عليه السّلام- قد تنوّعت في طرق احتفالها وإظهار حبورها وسرورها في هذا اليوم، وما هذا إلّا نوعٌ من أنواع إظهار الامتنان على انتمائهم لهذا النّبي الكريم -عليه أفضل الصلوات والتسليم- وحملهم لرسالة الإسلام السمحة بعده.
ماذا نتعلم من سيرة النبي محمد؟
الحبُّ هو القدوة والامتثال والعطاء، فشخصيَّة النَّبي محمد -عليه الصَّلاة والسَّلام- لم تكن شخصيَّة مجردة عمَّا تعلمه لنا من شعائر هذا الدين العظيم، فقد تعلمنا من حبيبنا محمد -عليه الصَّلاة والسَّلام- العدل وعدم المحاباة لأبنائنا وفلذات أكبادنا، فلا نميل إليهم فيغيب العدل عن أحكامنا، فها هي فاطمة ابنة الرَّسول -عليه السَّلام- تأتي إليه شاكيةً له أثر الرَّحى في كفيها وما تركته من جروح وندوب وتسأله خادمًا، وعلى الرّغم من حبِّه العظيم لها فهي ابنته الوحيدة التي ما زالت على قيد الحياة، ورغم مشاعر الأبوة الجياشة التي يكنها لها في قلبه، إلا أنّه رفض أن يجيز لها طلبها لأنَّه لن يستطع أن يعطي كل أسرة خادمًا يعينهم.
تعلّمنا منه -عليه السَّلام- العمل الدؤوب والاستمرار في العبادة والمواظبة عليها من أجل دخول الجنة، فهو النَّبي الذي غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخره إلَّا أنَّه كان يصلي حتَّى تتورم قدماه من الوقوف في الصَّلاة، تعلمنا الصَّبر على الأذى وانتظار الفرج من الله تعالى، فكم آذى كفار قريش النَّبي -عليه السَّلام- وأصحابه، لكنَّه صبر على هذا وكان متيقنًا من نصر الله مؤمنا بقدوم فرجه، فإنّ العسر يُرافقه اليسر من عند الله، بل تعلمنا أكثر من ذلك، تعلّمنا أن العطايا وحب الله لا يُقاس بالأموال والعقارات وما يملكه الإنسان من مجوهرات وذهب، فها هو الحبيب المصطفى يربط على بطنه حجرًا ويخرجه الجوع من بيته باحثًا عن بضع لقيماتٍ يسدُّ بها رمقه، وقد علَّمنا -عليه السّلام- أنّ هذه الدُّنيا لا قيمة لها، وأنّها لا تساوي عند الله شيئًا، ولو أنّ هذه الحياة تساوي عند الله وزن جناح بعوضة ما سقى منها الكفَّار شربة ماء.
في الختام لا يسعنا إلَّا أن نحمد الله على أنّه خصّنا بالهداية والإسلام، وأنّنا من أمّة نبيّ سيبحث عنّا يوم القيامة وهو ينادي أمّتي أمتي، فنقول الآن ونشهد الله وملائكته أنَّك يا حبيبي يا رسول الله قد أدّيت الأمانة التي أوكلها الله لك، وأنّك كنت خير معلم للبشريّة وكنت رسولًا رحيمًا كريمًا ونبيًّا رؤوفًا بأمّته وحبيبًا لكلِّ مسلمٍ يُطالع سيرتك الشّريفة، ويعرف تفاصيلها، فيتعلم منك الصبر والحكمة والحلم والتسامح.