قصة موت يوليوس قيصر
دوافع قتل يوليوس قيصر
يعد يوليوس قيصر من أشهر رجال الدولة الرومانية، إذ يصفه الكثير من المؤرخين بأنه من بين عظماء التاريخ الذين استطاعوا التأثير في حياة الشعوب التي حكموها، وهو قائد عسكري مُحنّك وخطيب وكاتب، وُلد في مدينة روما (15 يوليو لعام 102 ق.م لعائلة ذات جذور أرستقراطية تنحدر من ملوك روما القدماء، وتمتد إلى البطل الأسطوري إبينياس ابن الآلهة.
والدته هي أوريليا، وقد كانت تشتهر بشخصيتها القوية التي تغلبت بها على زوجها (والد يوليوس قيصر) الذي لم يحقق أي مجد سياسي يُذكر في روما، وقد اعتادت هذه الأم الوقوف بجانب ابنها يوليوس قيصر فتغرقه بالكثير من المشاعر وتُسانده بالأزمات وتسدي له النصائح وتحرص على تعليمه، وقد أحبّ يوليوس قيصر أمه وتعلّق بها بشكل كبير، وكان يكنّ لها الاحترام والتقدير، تعلّق بجميع أفراد أسرتها من الناجحين أمثال عم أمه روكليس روفس، وخاله جايس كوتا وهو أبرز خطباء زمانه، كما تأثر بزوج عمته ماريوس الرجل العسكري المحنّك، الذي كان يشغل منصب قنصل روما ونجح في حمايتها من الغزو الجرماني.
نشأ يوليوس قيصر في مدينة روما وسط ظروف تاريخية صعبة كانت تشهدها الإمبراطورية الرومانية، فقد كانت تعاني من الضعف وسوء الإدارة وتفشي الفساد بجميع أنواعه، وفي هذه الأثناء كان يوليوس قيصر شابًا طموحًا يسعى لأن يكون له مكانة متميزة في الحياة السياسة والعسكرية في البلاد، فقرر الانتماء لحزب الشعب، ومع بلوغه سن الأربعين كان يشغل منصب حاكم لثلاث ولايات تابعة للحكم الروماني وتحت إمرته جيش قوامه أكثر من 30 ألف مقاتل، وقد كان يوليوس قيصر يُتقن اللغة اليونانية وآدابها، وتدرب على ركوب الخيل وفنون الحرب والقتال ، ولم يكن من مُحبّي رياضة مصارعة الحيوانات المفترسة في ساحات اللعب، فلم يُؤمن بمبدأ قتل المخلوقات لمجرد التسلية والترفيه والترويح عن النفس.
قرر يوليوس قيصر بين عام (58 - 51) ق. م خوض معارك كبيرة في أوروبا الغربية ، استطاع التغلب على الكثير من القبائل القاطنة في تلك الأراضي وأن يمد حدود دولته لتصل إلى حوض الراين بسبب ما يتمتع به من حكمة ودهاء، ومع أن يوليوس قيصر حقق الكثير من الانتصارات الحاسمة والحقيقية في الكثير من البلدان إلا أنها لم توقف انتشار الفساد السياسي والاجتماعي في المجتمع الروماني، الأمر الذي أدّى ببعض الولايات والمقاطعات الحليفة له بالتمرد على سلطته المركزية وتوجيه التهديدات له بين الحين والآخر بالانفصال عنه.
في عام 45 ق.م أصبح الزعيم الملهم لكامل الإمبراطورية الرومانية ، فقد تمّ انتخابه حاكمًا مطلق الصلاحية لمدة عام ومن ثم لمدة عشرة أعوام وبعد ذلك لمدى الحياة. توفي يوليوس قيصر عام 44 ق.م على يد مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ بعد أن غرسوا خناجرهم في جميع أجزاء جسده بمساعدة من صديقه المقرب بروتس.
ممّا دفع المُتآمرون إلى قتل يوليوس قيصر الخلاف الحاد الذي نشأ بينه وبين الجمهوريين من السناتوس بسبب طريقته في إدارة وحكم الدولة الرومانية التي وصفت بالدكتاتورية، فقد أصبح سلطانًا مطلقًا على الدولة لمدى الحياة، ممّا أثار حفيظة السناتوس، إضافة إلى كونه الحاكم الأوحد للبلاد فقد تولى العديد من المناصب الأخرى منها:
- تولى يوليوس قيصر منصب القنصلية لعدّة مرات.
- تولى كذلك يوليوس قيصر التريبونية وهي التي تجعل منه شخصًا مُقدّسًا لا يُمكن المساس به.
- تقلد أيضًا منصب الكهانة الذي يجعل منه رئيسًا دينيًا للدولة.
- أعطى لنفسه المنزلة الكنسورية التي تُمكّنه من مراجعة عضوية السناتوس.
- أصبح له الحق المطلق في تعيين نصف الموظفين سنويًا.
وُصفت الفترة التي حكم فيها يوليوس قيصر للدولة الرومانية بالدكتاتورية، ووُصف كذلك أنّه قائد شديد القوة والبطش، ولكنها في حقيقة الأمر لم تخل من الأعمال والإصلاحات السياسية والاجتماعية، ولعلّ من أهم هذه الإصلاحات ما يأتي:
- فرض يوليوس قيصر السلطة المركزية القوية على جميع أجزاء الإمبراطورية الرومانية.
- وضع نظام حكم وإدارة موحد لجميع الولايات الرومانية.
- ساعد الطبقات الفقيرة في المجتمع الروماني، ووزّع القمح عليهم مجانًا.
- عمل بشكل جدي على وضع التقويم الروماني.
- وسّع عملية التمثيل في مجلس الشيوخ الحاكم، وذلك من خلال ضمّ ممثلين عن المناطق التي كانت تدخل ضمن إدارة الإمبراطورية الرومانية (المناطق المحتلة).
- وضع العديد من القواعد والتشريعات القانونية التي تُنظّم العلاقات ضمن المجتمع الروماني.
- أنشأ العديد من المباني والأبراج، وخلق نظام إدارة محلية في جميع المدن الرومانية.
المتآمرون على يوليوس قيصر
كانت السياسة والطريقة التي اتّبعها يوليوس قيصر في إدارة البلاد السبب الرئيس الذي دفع البعض ممّن يُطلق عليهم "الأشراف" إلى الشعور بعدم الرضا، حيث أصبحوا يتوقون إلى استعادة سلطانهم القديم، خاصة أنّ سياسة يوليوس قيصر الديكتاتورية اتصفت بالكثير من العنف والبطش، فلم يكن يسمح بمعارضته أو إبداء أي رأي مختلف لما يراه هو، الأمر الذي أعطى لمعارضيه ومنتقديه الحجة في التخطيط للتخلص منه إلى الأبد.
كان أساس الخلاف بين الجمهورين من السناتوس ويوليوس قيصر هو طريقة الأخير في إدارة نظام الحكم في روما، فالجمهوريون كانوا يسعون إلى إعادة نظام الجمهورية الديمقراطي وما يرافقه من منح الحقوق والحريات للشعب الروماني، بمعنى آخر كانوا يطالبون بضرورة تطبيق قواعد الحرية الدستورية للشعب الروماني بأكمله، في حين أن يوليوس قيصر كان على النقيض من هذا الرأي تمامًا، فهو يرى أن الجمهورية الرومانية هي ديمقراطية من الناحية النظرية فقط، ومن الصعوبة بمكان التطبيق على أرض الواقع والسبب في ذلك يعود إلى:
- الديمقراطية نظام فشل بالتطبيق العملي في أن يمنح الدولة الرومانية الهدوء والاستقرار الذي كانت تسعى إلى تحقيقه.
- لم تحمِ الديمقراطية الدولة الرومانية من طمع الآخرين فيها وفشلت في حمايتها من الهجمات المستمرة التي تعرضت لها.
- كان ينبغي منح الديمقراطية لشعب روما وجميع الشعوب التي كانت تحت سيطرة الدولة الرومانية، وهذا الأمر صعب التحقيق من الناحية العملية.
خطة قتل يوليوس قيصر
وضع المتآمرون من السانتوس وكان عددهم 60 شخصًا خطة محكمة للقضاء على يوليوس قيصر، في هذه الأثناء كان يوليوس يستعد للقيام بحملة ضد البارثيين، وقد كان ذلك في عام 44 ق.م، ويوليوس قيصر آخر زعماء الجمهورية الرومانية، وبموته ينتهي عهد الجمهورية الرومانية التي استمرت قرابة أربعة قرون ونصف القرن.
الخطة
تسربت الأنباء عن رغبة قيصر في بناء ترسانة عسكرية كبيرة لعزمه استخدامها في تحقيق المزيد من الانتصارات، فرحّب بهذا الأمر أصحاب الأعمال كونه يصب في مصلحتهم، في حين رأى الأشراف أنه نذير شؤم على الدولة ومن شأنه أن يُهدّد انهيارها، فما كان منهم إلا الاتفاق على قتل قيصر قبل أن يغادر البلاد، على الرغم من أن الأخير كان يعامل هؤلاء الأشراف بالكثير من الكرم، بل إنه عفا عن كل من استسلم منهم ولم يحكم عليه بالإعدام.
صاحب فكرة اغتيال يوليوس قيصر
شخص يُدعى كيوس كاسيوس اقترح على بعض الشيوخ وقادة الجيش فكرة التخلص من يوليوس قيصر ووافق الجميع عليها، وكانوا بحاجة إلى بروتس الشخص المقرب من قيصر ليساعدهم في تنفيذها، وبالفعل وافق هذا الأخير على قتل يوليوس قيصر بسبب شعوره بالغضب والحقد عليه لأسباب كثيرة لا مجال ذكرها، وكان تنفيذ العملية صباح يوم 15 مارس لعام 44 ق.م، أثناء حضور يوليوس قيصر الاجتماع في مجلس الشيوخ عند قدمي تمثال بومبيوس خصم قيصر اللدود وبموته انتهى عهد الدكتاتورية القيصرية.
عملية التنفيذ
بينما كان يوليوس قيصر يقترب من تمثال بومبيوس ليقدم القربان قبل البدء بالاجتماع، وهو تقليد من التقاليد التي تقام بالعادة قبل البدء بإجراءات أي اجتماع للمجلس، وفي تلك الأثناء حاول أحد من أعوانه وضع ورقة في يده لتنبيهه لتلك المؤامرة التي تحاك ضده، إلا أنه لم يكترث لها، أما المتآمر بروتس فقد ذهب للحديث إلى أحد قادة قيصر ويدعى أنطونيوس لكي يعطله عن حضور الاجتماع برفقه قائدة قيصر، وفي تلك الأثناء هجم المتآمرون عليه فأرادوه قتيلًا.
الكلمات الأخيرة ليوليوس قيصر
في صباح يوم 14 من مارس وهو اليوم المقرر أن تتم فيه عملية اغتيال يوليوس قيصر، حذّرته زوجته من الذهاب لمجلس الشيوخ عن طريق إخباره أنه رأته في نومها وهو ملطخ بالدماء، لكنه لم يكترث لهذا التحذير، وحاول أحد خدمه تحذيره من الذهاب عن طريق افتعال نذير شؤم له بإيقاع صورة أحد أسلافه ولكن لم ينجح الأمر، ولكن بروتس وهو صديقه المقرب وأحد المتآمرين والمشاركين في عملية اغتياله عمل على إقناعه بالحضور إلى الاجتماع من أجل تنفيذ ما تمّ التخطيط له مسبقًا.
أثناء هجوم المتآمرين على يوليوس قيصر وعلى رأسهم المتآمر بروتس، قال يوليوس قيصر له جملته المشهورة باللغة اليونانية: (اينا بروتو) وتعني (حتى أنت يا بروتس)، وقد أصبحت هذه الجملة من أشهر الجمل في التاريخ التي تدل على خيانة الصديق لصديقه، وتناقلها الكثير من الكتاب والمؤرخين، ويبدو أنه أثناء الهجوم الذي أودى بحياة يوليوس قيصر لم يبد هذا الأخير أية مقاومة لمهاجميه، بل استسلم للأمر ولم يقاوم، وتشير الكتابات إلى أنه غطى رأسه بثوبه وسقط عند تمثال بومبيوس، وهذه الميتة يبدو أنها كانت إحدى الأمنيات التي تمناها عندما سئل عن الطريقة التي يحب فيها أن تنتهي حياته.
مع النهاية المأساوية التي شهدها يوليوس قيصر، ومع كل ما قام به من أعمال وجهود كبيرة في بناء الدولة الرومانية والتي كانت في بعض الأحيان محل انتقاد وكره له من قبل البعض، إلا أنه ظل ضمن الشخصيات الأكثر شهرة في التاريخ، ولم يقتصر الأمر على هذا فقط، إنّما أصبح لقب (قيصر) من الألقاب التي تُطلق على كثير من الأباطرة والحكام من الذين جاؤوا بعده.
عواقب اغتيال يوليوس قيصر
مثلت عملية اغتيال يوليوس قيصر إحدى المآسي الكبرى في التاريخ؛ وذلك بسبب ما تركته من عواقب وخيمة كان من بينها:
- التمهيد لعهود من الحروب والفوضى امتدت لما يقارب 15 سنة.
- تكريس النزاع والاختلاف الذي كان قائمًا بين حزبي مجلس الشيوخ.
- عجز المتآمرين بعد حادثة الاغتيال تلك عن السيطرة واحتواء الناس الغاضبة، فما كان منهم إلا أن قاموا بالفرار إلى مبنى الكابتول ليحتموا به من الجماهير الغاضبة خوفًا على حياتهم.
- تولى القائد أنطونيوس -وهو أحد قادة يوليوس قيصر- زمام الأمور، فدعا في اليوم السابع عشر من مارس مجلس الشيوخ للانعقاد من ثم عيّن العديد من المتآمرين الذين نفذوا عملية قتل يوليوس قيصر قادة على بعض الولايات والمقاطعات منهم: بروتس وكاسيوس، فنجح القائد أنطونيوس في أن يخلق حالة من السلم في أرجاء الإمبراطورية بعد أن كانت الحرب على الأبواب.