تعبير عن الهجرة السرية للرابع المتوسط
الهجرة السرية تنادي المسلمين في مكة
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس إلى الإسلام في مكة لسنوات، ولم يَدَع وسيلةً لتبليغ رسالته ودعوته إلا واتبعها، لكن عندما آمن بعض أهل مكة بالدعوة الجديدة ثار غضب مشركي قريش، وشعروا بالخطر عندما وجدوا الرسول الكريم -عليه السلام- يُهاجم الوثنية وعبادة الأصنام ويدعو إلى دينٍ جديدٍ.
فقاموا بتعذيب المؤمنين وقتلهم وسجنهم ومحاربة الرسول ودعوته، وبذلك كانت الهجرة السرية تُنادي المسلمين للابتعاد عن مشركي قريش وتجنب أذاهم.
الهجرة السرية أمل المسلمين المستضعفين
عندما اشتد الأذى على المسلمين المستضعفين، واشتدت معاناتهم بعد سنواتٍ من الاضطهاد ومن القتل والتشريد بعد إعلان الدعوة إلى الإسلام في مكة؛ وبسبب معاناة المسلمين الذين اتبعوا الرسول -عليه السلام- من الظلم والقهر من صناديد قريش كان لا بُد من القيام بخطوةٍ تعمل على حمايتهم من الكفار.
قامت كل قبيلة من قريش بكلّ ما فيها على المسلمين وتوعدتهم بشتى أنواع العذاب، فكانوا يقومون بتعذيبهم بالجوع والعطش ويقومون بإجبارهم على البقاء تحت أشعة الشمس الحارقة حينما يشتد الحر، وكانوا يطرحون بعض المسلمين على ظهرهم في أرض مكة ويأمرون بوضع صخرةٍ عظيمةٍ على صدرهم.
إنّ المشركين كانوا يدعوهم على هذا الحال ليُخرجوهم عن دين الإسلام، ويُجبروهم على العودة إلى دين الوثنية وعبادة الأصنام، كما كانوا يُلبسون بعض المسلمين المستضعفين دروعًا من حديدٍ ويقومون بصهرهم في أشعة الشمس الحارقة، وكان أبو جهل إذا سمع أنّ أحدًا أسلم وكان تاجرًا وعده بإهلاك ماله، وإن سمع بأنّ ضعيفًا أسلم ضربه وأغرى به.
تعرّض أتباع الرسول -عليه السلام- في بداية الدعوة إلى الإسلام إلى صورٍ متعددةٍ من الأذى والتعذيب والتنكيل، وذلك زادهم صبرًا وثباتًا، فلم يرتدوا عن دين الحق، ولم يستطع مشركو مكة أن يثنوا عزيمة المسلمين عن اتباع دين الإسلام ونشر دعوته السامية.
أمر الرسول -عليه السلام- المسلمين بالهجرة إلى الحبشة؛ لإنقاذ من بقي منهم، وكان يُعرف عن الحبشة عدل ملكها وأنّه لا يظلم أحدًا، فاتجه المسلمون إلى أرض الحبشة ليُأمنوا على أنفسهم وعلى دينهم بعد أن ضاق عليهم وجودهم بمكة، فغضبُ قريش لن يهدأ إلى أن يقضوا على جميع المسلمين أو يتمكنوا من ردهم عن دينهم، وإسكاتهم عن الحق وإعادتهم إلى الجهل ودين الباط.
لذلك كان بقاء المسلمين في مكة في ظلّ هذه الظروف خطرًا كبيرًا يجب الحذر منه بطريقةٍ تجعلهم آمنين بعيدًا عن أيدي الكفار وعن أعينهم وظلمهم وأذاهم، ويجب أن نعلم أنّ أسباب هجرة المسلمين المستضعفين إلى الحبشة كانت متنوعةً، وكان أول سببٍ هو شدة البلاء الذي حلّ عليهم، والعذاب الذي طالهم، فخافوا على دينهم من الفتنة.
فروا حاملين معهم الدعوة إلى الإسلام خشية الافتتان عن دينهم الذي آمنوا به وضحوا في سبيل الدفاع عنه وعن رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، إذ كان لا بُد للمسلمين من الحفاظ على الدعوة الإسلامية من الانهيار وحمياتها من الضياع؛ فقد كانت قريش تتميز بالقوة والنفوذ الكبير وعلاقاتها الواسعة والمتعددة مع الكثير من العرب.
خاف المسلمون من تكوين قريش لقوةٍ ضدهم من خلال الاستعانة بالعرب الذين تجمعها بهم العديد من الروابط، عند شعورها بالخطر من المسلمين ومن ازدياد أعدادهم وظهور دينهم الجديد الذي يدعون إليه إلى العلن، وإنّ نشر الدعوة الإسلامية خارج مكة من أسباب هجرتهم إلى الحبشة.
لمّا كثر المسلمون وازدادت أعدادهم وبدأ الإسلام بالظهور وراح الناس يتحدثون بأمره بين بعضهم وعلى العلن، ثار المشركون من كفار قريش، وغضبوا كثيرًا؛ إذ اعتقدوا في البداية أنّ هذا الدين سيختفي بعد مدةٍ من الزمن وينتهي أمره، وعندما وجدوا إقبالًا من قبل العديد من أهل مكة على اعتناق هذا الدين، ووجدوا أنّ أعداد أتباع الرسول في ازدياد أرادوا فتنة من آمن بدين الإسلام.
فأنزلوا شتى أنواع التعذيب بالمسلمين وقاموا بسجنهم، فأمر الرسول الكريم أتباعه بالهجرة إلى الحبشة، اختار الرسول -عليه السلام- الهجرة إلى الحبشة تحديدًا، لمعرفته الواسعة بأحوال شبه الجزيرة العربية وبالبلاد والمدن الأخرى، فكانت الحبشة أكثر أمانًا للمسلمين من أيّ مكانٍ آخر؛ لأنّ القبائل العربية كانت تربطها بقريش علاقات وثيقة وروابط متينة.
علينا أن نعلم أنّ هذه العلاقات والروابط كانت تمنع القبائل العربية من استقبال المسلمين إذا عزموا على الهجرة إليها، وبلاد اليمن كانت غير مستقرة وتحدث فيها الصراعات والتنافس بين الفرس والروم، ولم تكن هناك أيّة مدينة من مدن الجزيرة العربية صالحةً كي تكون مكانًا مناسبًا لإيواء المسلمين وحمايتهم.
أمّا الحبشة فكانت خاليةً من القبائل العربية، وعدم وجود القبائل العربية فيها يمنع قريش من التحالف معها لتكوين قوة ضد المسلمين، فكان ملك الحبشة النجاشيّ معروفًا بعدله لعلمه بالتوراة والإنجيل، وكذلك أهلها النصارى، إذ كان وجودهم أحد الأسباب في اختيار المسلمين الهجرة إليها، إضافةً إلى كون الحبشة أرضًا مستقلةً لا تخضع لأحد، وبُعدها عن مكة.
الهجرة السرية نواة دولة جديدة
آخر ما يشار إليه أنَّ الهجرة السرية للمسلمين كانت أهم سبب في انتشار الإسلام في شتى بقاع الأرض، فقد مهّدت للهجرة الكبرى إلى المدينة وهيَّأت أسبابها، بعدها بقي الرسول -صلى الله عليه وسلم- مدةً من الزمن في مكة ثم هاجر إلى المدينة.
قام الرسول والصحابة عند الوصول إلى المدينة ببناء مسجد، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وترابطَ المسلمون فيما بينهم، وتم تكوين الدولة الإسلامية القوية التي انطلقت منها الفتوحات، وانتشر الإسلام في أقاصي المعمورة في زمن ربما لم يكن المسلمون أنفسهم يعتقدون سرعته.