تحليل قصيدة يا أيها الرجل المرخي عمامته
تحليل قصيدة يا أيها الرجل المرخي عمامته
تحليل البيت الأول
يا أَيُّها الرَجُلُ المُرخي عِمامَتَهُ
:::هَذا زَمانُكَ إِنّي قَد مَضى زَمَني
في هذا البيت يفتتح الشاعر جرير قصيدته ب أسلوب النداء ، فنراه يستعمل أداة النداء للبعيد، بغرض مناداة القريب، وهذا الأسلوب البلاغي لم يكن أسلوبًا عاديًا في الاستعمال عند العرب، بل هو أسلوب يختزل داخله معانٍ بلاغية، أهمّها أنّ الشاعر يريد إخبارنا أنّ هذا الرجل قريب إلى القلب حتى لو بَعُدت المسافة بينهما، بالإضافة إلى إظهار معنى التحبب والقرب.
ونجد أنّ الشاعر يصف المنادى بالمرخي عمامته، فهو رجل صاحب جاه ومكانة، فالعمامة غطاء الرأس، وهي رمز للسيادة والحرية، وأنّ الرجل متقدم بين قومه، وإرخاء العمامة لها مزية أيضًا، فقد كان إرخاؤها وتدليها صفةً للأسياد والوقار، فالشاعر يحاول أن يرفع منزلة هذا الرجل حتى يساعده في الوصول إلى غايته.
والناظر إلى استعمال الشاعر للفظ المنادى ، يجد أنّه خاطبه بخطاب المعرفة، فهو بذلك يعمق أثر شعور المتلقي بأنّ المخاطب سيدٌ من الأسياد، وهو معروف بين الناس وغنيٌ عن ذكر اسمه، إذ يكفي أن يشار إليه بالرجل، حتى يعرفه الجميع؛ لشهرته ومقامه بين الناس، وبذلك استطاع الشاعر أن يرفع مقام الرجل بسمعته، وبهيئته ولباسه.
بالإضافة إلى ذلك نجد أنّ الشاعر يخبره بأنّ زمانه وشهرته قد انقضت، فلن يكون له بعد اليوم سيط أو جاه، فهذا الزمن والوقت مخصوص لهذا الرجل المخاطب، الذي حاز الشهرة، وحيّد ما دونه من شعراء وسادة كبار، فهو صاحب رأي ومكانة، وستكون مشورته مقبولة عند السادة.
تحليل البيت الثاني
أَبلِغ خَليفَتَنا إِن كُنتَ لاقِيَهُ
:::أَنّي لَدى البابِ كَالمَصفودِ في قَرَنِ
في هذا البيت نجد أنّ الشاعر يستعمل خطاب المستجدي الضعيف، في مخاطبته للمنادى، ويطلب منه مستعملا أسلوب الأمر أن يخاطب الخليفة، لكنّ هذا الأسلوب لم يكن أمرًا حقيقيًا، بل كان بلاغيًا خرج عن معناه الحقيقي إلى معنى الدعاء، فالشاعر يستلطف المخاطب حتى ينفذ له مطالبه، ويذكره عند الخليفة علّه يرقُّ له ويدخله.
أمّا مطلب الشاعر فقد كان يتجلى بأن يتوسط له الرجل بالدخول على الخليفة، فالخليفة عمر بن عبد العزيز عندما تولّى الخلافة، صدّ عن بابه كل الشعراء الذين كانوا يترددون على من سبقه من خلفاء، وهذا الأمر انعكس سلبًا على الشعراء الذين ليس لهم حِرفة إلا قول الشعر و المديح ، وكسب العطاء من الخلفاء والأمراء، لذلك وقف الشاعر بباب الخليفة، محاولاً أن يكسب منه ما يستطيع أن يكسبه بغية أن يستر نفسه، ويعود إلى أهله.
ونرى أنّ الشاعر في هذا البيت يصف نفسه وصفًا حرجًا، فهو يقف أمام الباب المغلق بوجه، مثل السائل المستجدي الضعيف، الذي يطلب الوصال والصدقة، فالشاعر يعلن أنّ لن يمل من وقفته هذه أمام الباب، وأنّه سيجمد محلّه مثل الشمس الواقفة في منتصف السماء، ونلاحظ أنّ الشاعر يستعمل في تشبيهه جملة اسمية، وهذ الجملة عند البلاغيين تفيد معنى الثبوت.
تحليل البيت الثالث
لا تَنسَ حاجَتَنا لاقَيتَ مَغفِرَةً
:::قَد طالَ مُكثِيَ عَن أَهلي وَعَن وَطَني
في هذا البيت نجد أنّ الشاعر يستمر في استجدائه واستعطافه للرجل الداخل على الخليفة عمر بن عبد العزيز، ويطلب منه مستعملاً أسلوب النهي أن لا ينسى حاجة الشاعر وطلبه، ونرى أنّ الشاعر يستعمل أسلوب النهي في غير معناه الحقيقي، بل في معناه البلاغي الذي يفيد الدعاء، فالشاعر يجعل المخاطب أعلى منه منزلة.
ونجد أنّ الشاعر يُقرن طلبه للمخاطب بجائزة، وهي أن يلقى غفرانًا من الله، فكأنّ الشاعر يجعل طلبه هبةً تستحق الجزاء من الله، فهو بذلك يشير إشارة خفيّة إلى أنّه ضعيف، والضعيف لا يجزي بل اللهُ يجزي عنه، وفي ذلك تعميق لحالة الشاعر المحزنة، والتي لا تتحمل تأجيلاً عن مقابلة الخليفة، فحالته صعبة وتحتاج إلى حل.
ومن باب زيادة أثر حالة الشاعر المحزنة عند المخاطب يفصح الشاعر أنّه مغترب، وأنّ أهله ووطنه ينتظرانه، فالشاعر قد تقطعت به السبل، وصارت حاله يرثى لها، فهو لا يملك المال الكافي حتى يعود إلى أهله، وحتى أهله ينتظرونه حتى يعيلهم، فالشاعر يعلن أنّه في معاناة وضائقة صعبة، وحلّها مقرونٌ بالدخول على الخليفة الذي صدّ الشعراء وقطع عنهم الأعطيات.