تحليل قصيدة أغالب فيك الشوق للمتنبي
تحليل قصيدة أغالب فيك الشوق للمتنبي
فيما يأتي عرض لتحليل قصيدة أغالب فيك الشوق ، والتي كتبها المتنبي لكافور الإخشيدي:
تحليل مطلع القصيدة
أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ
- وأَعجَبُ مِن ذا الهَجر والوصلُ أعجبُ
أَما تَغلط الأَيام في بِأَن أَرى
- بَغيضاً تُنائي أَو حَبيبا تُقَرب
ولِلَّهِ سَيري ما أَقل تَإِية
- عشية شَرقي الحدالي وغُربُ
عَشية أَحفى الناسِ بي مَن جَفَوتُهُ
- وأَهدى الطريقين التي أَتجنب
وَكَم لظَلام الليل عندك مِن يَد
- تُخبر أَنَّ المانوية تكذبُ
وقاك ردى الأعداء تسري إِليهم
- وزارك فيه ذو الدلال المحجب
ويوم كليل العاشقين كَمنته
- أراقب فيه الشمس أيان تغرب.
يتحدث الشاعر في هذه الأبيات عن شوقه لكافور الإخشيدي، وأن هذا الشوق يغلبه لا محالة ويقول: إن من عادة الأيام أنها تقرب إلينا البغيض، وتبعد عنا الحبيب، فلماذا لا ينعكس الأمر لمرة واحدة، وبعد ذلك يتعجب من سرعة سيره إلى مصر وعدم بقائه في الشام، ويندم على تركه لكافور الإخشيدي الدولة، على الرغم من اهتمامه بأمره، وبعدها يشير إلى عطاء كافور الإخشيدي في الليل، وهذا يبطل ادعاء المانوية وهم جماعة من المجوس يقولون بأن الظلمة لا خير فيها، والخير في هذا الليل أنه يحمي كافور من أعدائه.
تحليل المقطع الثاني
وعيني إلى أذني أغر كأنه
- من الليل باقٍ بين عينيه كوكب
له فضلة عن جسمه في إهابه
- تجيء على صدر رحيب وتذهب
شققت به الظلماء أدني عنانه
- فيطغى وأرخيه مرارًا فيلعب
وأصرع أيّ الوحش قفّيته به
- وأنزل عنه مثله حين أركب
وما الخيل إلّا كالصديق قليلة
- وإن كثرت في عين من لا يجرّب
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها
- وأعضائها فالحسن عنك مغيّب.
في هذه الأبيات يصف المتنبي فرسه، ويقول بأنه يراقب أذني الفرس لمعرفة الخطر؛ لأن الفرس إذا أحس بشخص من بعيد نصب أذنيه نحوه، ثم يتبع وصف الفرس في لونه وسواده الذي يشبه الليل، ويتكلم عنه بسعة صدره، ومهما كان صدره واسعًا كان العدو أشد، ومن خلال هذا الفرس فإنه يشق ظلام الليل ، وإذا تبع أي وحش فإنه يلحقه ويغلبه دون أن يلحقه تعب ولا إعياء، ثم ينتقل إلى تشبيه الخيل بالأصدقاء، الذين يكثرون في العدد ويقلون عند التجربة، بعدها يخبرنا عن أن الجمال غائب عن الأشخاص الذين يظنون أن جمال الخيل فقط في شكلها.
تحليل المقطع الثالث
لحا الله ذي الدنيا مناخاً لراكب
- فكلّ بعيد الهمّ فيها معذّب
ألا ليت شعري هل أقول قصيدةً
- فلا أشتكي فيها ولا أتعتّب
وبي ما يذود الشعر عنّي أقلّه
- ولكنّ قلبي يا ابنة القوم قلّب.
يتحدث الشاعر عن الدنيا وحالها يقول: لعن الله الدنيا التي لا ينال بها المرء مراده، فكل صاحب همة شريفة فيها يكون معذبًا بإجدابها عليه، ويتمنى أن يأتي عليه زمان يكتب فيه قصيدة، دون أن يشتكي أو يعتب ويكون قد وصل إلى مراده، ونال منها ما يطلبه، ويتكلم بعد ذلك عن صبره وعن الهم القليل الذي قد يمنعه من الشعر، لكن قلبه صابر على الرغم من ذلك، ويستخرج المعنى مع ما فيه من الهموم.
تحليل المقطع الرابع
وأخلاق كافور إذا شئت مدحه
- وإن لم أشأ تملي عليّ وأكتب
إذا ترك الإنسان أهلاً وراءه
- ويمّم كافوراً فما يتغرّب
فتىً يملأ الأفعال رأياً وحكمةً
- ونادرةً أحيان يرضى ويغضب
إذا ضربت في الحرب بالسيف كفّه
- تبيّنت أنّ السيف بالكفّ يضرب
تزيد عطاياه على اللبث كثرةً
- وتلبث أمواه السحاب فتنضب
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله
- فإنّي أغنّي منذ حين وتشرب
وهبت على مقدار كفي زماننا
- ونفسي على مقدار كفّيك تطلب
إذا لم تنط بي ضيعةً أو ولايةً
- فجودك يكسوني وشغلك يسلب.
يرى الشاعر أن مدح كافور سهل بما فيه من محاسن الأخلاق ، وكأن المدائح تتنزل عليه فلا يحتاج إلى التفكر في المعنى، كما بيَّن معاملة كافور مع المغترب عن أهله فإنه يؤنسه بعطايه ويتفقده كأنه معهم، ويتحدث عن أفعاله فإنها لا تكون إلا حكمة، وإن ضربة السيف عنده تكون من قوة الكف لا من جودة السيف، أما عن عطاياه فإنها إذا تأخرت تزداد كثرةً، وبعد ذلك يطلب ما توجبه همته ويقتضيه كرمه وجوده بأن يكسوه، لكن انشغاله بتدبير الملك يسلب هذا الجود منه.
تحليل المقطع الخامس
يضاحك في ذا العيد كلّ حبيبه
- حذائي وأبكي من أحبّ وأندب
أحنّ إلى أهلي وأهوى لقاءهم
- وأين من المشتاق عنقاء مغرب
فإن لم يكن إلّا أبو المسك أو هم
- فإنّك أحلى في فؤادي وأعذب
وكلّ امرئ يولي الجميل محبّب
- وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب
يريد بك الحسّاد ما الله دافع
- وسمر العوالي والحديد المذرّب
ودون الّذي يبغون ما لو تخلّصوا
- إلى الموت منه عشت والطفل أشيب
إذا طلبوا جدواك أعطوا وحكّموا
- وإن طلبوا الفضل الّذي فيك خيّبوا
ولو جاز أن يحووا علاك وهبتها
- ولكن من الأشياء ما ليس يوهب
وأظلم أهل الظلم من بات حاسداً
- لمن بات في نعمائه يتقلّب.
ويكمل بوصف حالته في العيد بأنه وحيد بعيدًا عن أهله ووطنه، وإذا خيّر بين المكوث عند كافور والذهاب إلى أهله سيختار كافورًا، ومقامه بجانبه يطيب له لأنه يعزه ويحبه، ويصف حال الحساد وكيف يريدون لكافور سوءًا لكن الله يدفعه، وهؤلاء الأعداء لو طال بهم العمر فلن يصلوا لهذا الملك؛ لأنه متنبه لهم ويصدهم، وإذا طلبوا منه العطاء فسيعطيهم، وإن طلبوا الفضل الذي عند كافور منعهم وهذا ليس بخلًا؛ بل لأن فضله لا يوهب، ويكمل حديثه عن أظلم الظالمين الذين يحسدون من يُنعِم عليهم.
تحليل المقطع السادس
وأنت الّذي ربّيت ذا الملك مرضعاً
- وليس له أمّ سواك ولا أب
وكنت له ليث العرين لشبله
- وما لك إلّا الهندوانيّ مخلب
لقيت القنا عنه بنفس كريمة
- إلى الموت في الهيجا من العار تهرب
وقد يترك النفس الّتي لا تهابه
- ويخترم النفس الّتي تتهيّب
وما عدم اللاقوك بأسًا وشدّةً
- ولكنّ من لاقوا أشدّ وأنجب
ثناهم وبرق البيض في البيض صادق
- عليهم وبرق البيض في البيض خلّب
سللت سيوفاً علّمت كلّ خاطب
- على كلّ عود كيف يدعو ويخطب.
ويخبر أن هذا الملك أنت الذي بنيته ليس له حاكم غيرك، ويصور كيف اعتنى به كما يعتني الأسد بشبله، وكيف دافع عنه دفاعًا عظيمًا دون خشية الموت بل دفاعًا من خشية العار، ويصف حال الذين قاتلهم بأنهم لم يكونوا ضعفاء لكنهم لقوا من هو أقوى منهم، بعد ذلك ينتقل إلى الحديث عن السيوف ، ويقول: بأن برق السيوف صادق لأنه يتبعه سيلان الدم، وهذه السيوف تعلم الخطباء الخطبة باسمك في الدعاء ؛ لأنك أخذت البلاد فصار كل خطيب بلد يخطب باسمك.
تحليل المقطع السادس
ويغنيك عمّا ينسب الناس أنّه
- إليك تناهى المكرمات وتنسب
وأيّ قبيل يستحفّك قدره
- معدّ بن عدنان فداك ويعرب
وما طربي لمّا رأيتك بدعةً
- لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب
وتعذلني فيك القوافي وهمّتي
- كأنّي بمدح قبل مدحك مذنب
ولكنّه طال الطريق ولم أزل
- أفتّش عن هذا الكلام وينهب
فشرّق حتّى ليس للشرق مشرق
- وغرّب حتّى ليس للغرب مغرب
إذا قلته لم يمتنع من وصوله
- جدار معلّى أو خباء مطنّب.
يتحدث عن نسبه ويقول: أن لو لم يكن لك نسب في العرب فأنت أصل المكرمات، وأي قبيلة من العرب تستحق أن تنسب إليها؛ لأنك أنت أفضل من معد بن عدنان ويعرب، اللذين هما أصل العرب ، ويصور حال القصائد في مدح غيره كيف أنها لامته على مدح غيره، وكذلك لامته همته وقالت: لمَ اشتغلت بخدمة غيره حتى كأن مدحك لغيره ذم، بعد ذلك يعتذر إليه من مدح غيره لأن الطريق بينهم كان بعيدًا، نهايةً يصف لنا إلى أين وصل شعره فقد وصل إلى الآفاق ولم يمتنع من وصوله شيء.