تحليل قصيدة: أمر ما لقيت لطرفة ابن العبد
التحليل الموضوعي لقصيدة أمر ما لقيت
إنّ المتأمل في هذه القصيدة يجد أنّها تدور حول موضوع الغزل المقترن باللوعة وألم الفراق، إذ عبّر الشاعر عن حزنه وألمه تجاه عدم قدرته على وصال المحبوبة، فهي أمام عينيه لكنه لا يستطيع الاقتراب منها لوجود محضورات أخلاقية، وأسس اجتماعية ترفض أي علاقة جسدية خارج نطاق الزواج، فقد كان العرب متشددين في هذا المجال.
ونرى الشاعر يعلن شكواه وألمه من هذا الحب وتمنع المحبوبة عنه، فهي تعلم أنّه يحبها ومتعلق بها إلا أنها تستمتع بعذاب الشاعر، وحرقة قلبه عليها، حتى أنّها أخذت هذا الحب من منظورٍ هزلي ولم تبادله شيئًا من هذا الحب الذي يبذله لها.
التحليل الفني للقصيدة
إن الناظر في هذه القصيدة يجد أنّ الشاعر يتمعّن في وصف حالته وحزنه وما يعانيه في حب هذه المحبوبة، فنراه يصف نفسه وهو يرى المحبوبة ولا يستطيع الاقتراب منها بالناقة التي تحمل الماء على ظهرها في صحراء قاحلة، لكنها لا تستطيع بلوغ ذلك الماء، فهذه الصورة تبئير لشعور الشاعر الذي يعاني من ألم التمنع والتدلل الذي تمارسه عليه المحبوبة.
ونرى الشاعر يبرر حبه لهذا الفتاة فيصف جمالها ويتغنى به، فهي جميلة كالبدر، تجعل كل من يراها يطير عقله من شدة جمالها، فكما الناس يسهرون على ضوء البدر، فالشاعر يسهر على صورتها وذكراها المستقرين في قلبه، ونراه يصف جسدها وجماله بغصن رطب مثمر، فهي قد اجتمع فيها جمال الوجه والجسد، وهذا الاستعمال جاء مبررًا لحالتها التي وقع بها بعد أن كان عنيدًا متمنعًا عن الحب.
ونرى الشاعر يُبرز قدراته اللغوية، وحسن تصرفه في الشعر، فنراه يحاول التخلص من إشكالية الوقوع في اللغط، فقد وصف محبوبته بالبدر، إلا أنّ البدر في يوم ما سيصير هلالاً، لذلك نرى الشاعر حريصٌ على حُسن المعنى، فيذكر أنّ كل أيام وجه المحبوبة سيكون فيه بدرًا.
التحليل الإيقاعي للقصيدة
إنّ هذه القصيدة تلتزم بوحدة الوزن والقافية، فالوزن شعري المخصوص سمة الشعر العربي وهذه القصيدة تقوم على البحر الطويل، وتفعيلاته فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيل، ولعل هذا الوزن يتلاءم مع سياق القصيدة، فالشاعر يريد أن يعبر عن حبه وعشقه للمحبوبة، والبحر الطويل يتميز بامتداد تفعيلاته، فهو مكون من 8 تفعيلات في البيت، مما يتيح المجال للتعبير والاسترسال بحرية عن حالته.
أمّا فيما يخص الإيقاع والجرس الموسيقي الداخلي، فنراه يتجلّى في تكرار حرف الراء غير مرة، وهذا الحرف يتميز بصفاته ذات الوقع الموسيقي، فهو حرف ترددي أي أنّ نطقه يجبرنا على تكراره وتردده، وحضوره هنا يدل على معنى التكرار والاستمرار، فالشاعر يريد أن يثبت للمحبوبة استمرار حبه لها، وأنّ هذا الحب يتردد في قلبه دوما، وأنّ لسانه ليس معصومًا عن ذكراها، فهو دائم الذكر لها