شرح حديث (الصلاة عماد الدين)
شرح حديث (الصلاة عماد الدين)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاةُ عِمادُ الدّين)، وقد حكم العلماء على هذا الحديث بالضعف، فيقوم مقامه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أُخبرُك برأسِ الأمرِ وعمودِه وذروةُ سنامِه؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصلاةُ، وذروةُ سنامِه الجهادُ).
والبناء الإسلامي له خمسة أركان، وركائز هذا البناء الشهادتان وعموده الصلاة ، فإن هدم العمود تهدمت كل الأركان، فلا ترسخ الشهادتين وباقي الأركان بلا عمود، ولا يستقيم إسلام العبد بدون الصلاة.
ثبات عمود الصلاة
أثبت الأبنية من كان بناؤه مؤصلٌ ثابتاً راسخاً مع كل الأركان، فإن عواصف الأهواء الثقيلة لا تميله ولا ترعده المعاصي، ولا تصيبه سهام نار الشهوات؛ فإنها إن سُلطت عليه أطفئها بنور إيمانه وثبات صلاته، قال الله -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تنهى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ).
ومن كان عمود بنائه غير موصل فهو معرضٌ للسقوط بأي لحظة إذا هبّت عواصف الأهواء فينهار ويسقط، كمن أخر الصلاة عن وقتها، أو كمن استعجل في صلاته فلم يؤدها كما يجب.
والشهوات تحيط بالإنسان، وتؤثر في إيمانه لذا يجب على المسلم أن يتوب إلى الله -تعالى- ويحافظ على صلاته لتكون له حصن منيعاً ضد الشهوات، وإن أصاب قام الإنسان بارتكاب الكبائر ، فإنه يجب عليه التوبة والإكثار من الاستغفار والمحافظة على الصلاة حتى يبقى المؤمن محافظاً على إيمانه؛ لأن المعاصي تطفأ نور القلب وتحرقه.
الصلاة مدرسة الروح
إن الصلاة تربي على حسن الخلق من الصدق، وتجر إلى فضائل الأعمال فهي رأس كل فضيلة؛ لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتبعث على حب النظام واحترام الوقت وتقديره لأدائها، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حُبِّبَ إليَّ النساءُ، والطيبُ، وجعلَتْ قرةُ عَيني في الصلاةِ)، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا أحزنه أمر قال: (يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها).
والصلاة تقرر العقيدة لله، وتربي في النفوس حُسن العبودية فبها يسمو كل أمر، وتنزع لظى الأحزان، ومرارة الدنيا في السير على الصراط المستقيم، ولقد عُدَّ السُّجود سر الصلاة؛ لأنه كلما عظم خضوع العبد رفعه الله، وكلما تذلل لله عظّم الله شأنه، فكلما كانت الصلاة مزينة بحسن الخضوع كانت أكثر نجوعاً وشفاء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ الناسُ به يومَ القيامةِ مِن أعمالِهم الصَّلاة).
السر الروحاني في الصلاة
تكمن معجزة الإسلام في بعث الراحة في قلوب المؤمنين، وتهذب النفس على مأدبة الصلاة؛ فإنما هي تقوّم كل مائل، وتروي كل قاحط، وتروي القلب بالإيمان وتملؤه باليقين والصدق الخالص لله -تعالى-، وتدفعه لفعل الخير والمداومة على العبادة، وتزيد المؤمن قرباً من الله -تعالى-.
والحكمة في جعل الصلاة خمس مرات في اليوم لكثرة الشهوات المحيطة بالقلب، فالمؤمن بحاجة للوقوف بين يدي الله خمس مرات في اليوم لكي يجدد فيهم العهد مع الله -تعالى- مما يدفعه للابتعاد عن المعاصي والآثام، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وإنما حظ المرء في الإسلام على قدر حظه في الصلاة، ورغبته في الإسلام بقدر رغبته في الصلاة".
والصلاة تشمل معظم العبادات القلبية؛ كالخشوع والخضوع والانقياد، والإنابة والتوسل والدعاء والمحبة والمراقبة لله، وتشمل أقوال اللسان من الذكر وقراءة القرآن والتسبيح والتكبير، وتشمل أعمال الجوارح من السجود والركوع والقيام، وتشمل على الكثير من الفضائل كالطهارة الجسدية من الأحداث والأنجاس، والطهارة المعنوية من طهارة القلب من الشرك الفواحش.
فضائل الصلاة
إن فضائل الصلاة كثيرة عظيمة، نذكر منها فضيلة واحدة في يوم القيامة وهي أن النار لا تحرِق آثار السجود؛ فمن دخل النار من أهل الإيمان، إنه لا يوجد شيء يمنع النار عن أجسادهم إلا السجود في الدنيا، فالنار لا تصيب مواضع السجود من المصلين.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حتَّى إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بيْنَ عِبَادِهِ، وأَرَادَ أنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَن أرَادَ أنْ يُخْرِجَ، مِمَّنْ كانَ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أمَرَ المَلائِكَةَ أنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وحَرَّمَ اللَّهُ علَى النَّارِ أنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أثَرَ السُّجُودِ).