تاريخ الأنبياء والرسل
تاريخ الانبياء والرسل
أول الأنبياء وآخرهم
آدم عليه السلام أول الأنبياء
إنّ أوّل نبيٍّ أرسله الله -تعالى- للبشريّة هو آدم -عليه السّلام-، وهو أبو البشر كلّهم، خلقه الله -تعالى- بيديه، ثمّ نفخ فيه من روحه، وإنّ الله -تعالى- لمّا خلقه قبض قبضةً من الأرض كلّها، ولذا كان بنو آدم مُختلفين باختلاف بقاع الأرض، فالبشر منهم الأسود، ومنهم الأبيض، والأحمر، ومنهم الّلين ومنهم الصّعب، وسكن آدم -عليه السّلام- الجنّة ، لكنّه لم يلبث فيها طويلاً؛ وذلك لأنّ الشيطان وسوس له وزيّن له الأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، ففعل ذلك، فأنزله الله -تعالى- منها هو وزوجته حوّاء إلى الأرض.
ومما جاء في سبب تسميته بهذا الاسم لأنّ الله -تعالى- خلقه من أديم الأرض، والمقصود بأديم الأرض: هو وجهها، ونُقل عن ابن عباس ومجاهد -رضي الله عنهما- أنّه سبب تسميته بذلك لأنّ آدم مشتقٌّ من الأُدْمة المراد بها سُمرة لون البشرة، وقال أبو إسحاق الثعلبي إنّ كلمة آدام كلمة عبريّة تعني التّراب. ويجدر بالذّكر أنّ اسم آدم اسمٌ عربيٌّ لا أعجميّ، ولكنّه لا يُصرف، ويكنّى آدم إضافةً لكونه أبي البشر بأبي مُحمّد، وذلك تكريماً لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
النبيّ محمّد خاتم الأنبياء والرسل
إنّ آخر الأنبياء الذين بعثهم الله -تعالى- وخاتمهم هو نبيّنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وهذا أمرٌ أجمعت عليه الأمّة ولا اختلاف فيه، فقد وردت الكثير من الأدلّة في القرآن الكريم والسنّة النّبويّة تؤكّد كلّها على أنّه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنّه لا نبيّ بعده، قال الله -تعالى-: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، وكلّ من ادّعى النّبوة بعده فهو كاذب، ويجب على كلّ من يشهد أنّ محمّداً رسول الله؛ أن يشهد بأنّه خاتم الأنبياء دون أن يشكّ في ذلك أدنى شكّ، وسُمّي -عليه الصّلاة والسّلام- بالعاقب؛ لأنّ كلمة العقب تُطلق على من يأتي أخيراً، فسمّي بذلك لأنّه جاء عقب الأنبياء وآخرهم.
ما بين الأنبياء من السنين
تعدّدت آراء المؤرّخين في الفترات المتراوحة بين كلّ نبيّ والنّبي الذي بعده، فقال بعضهم: كان بين آدم ونوح -عليهما السّلام- من السّنين ألفا ومئتا سنة، وقيل إنّ بينهما ألف ومئتا سنة، ثمّ جاء بعد نوح -عليه السّلام- نبيّ الله هود بعد ثمانمئة سنة، وعقبه نبيّ الله صالح بعد مئة سنة، ثمّ بعث الله -تعالى- إبراهيم -عليه السلام- بعد ستّمئة وثلاثون عاماً، أمّا بين إبراهيم وموسى -عليهما السّلام- فسبعمئة سنة، وقيل خمسمئة وخمس وستّون سنة، ثمّ جاء بعد موسى داود -عليه السّلام- وكان بينهما خمسمئةٍ وتسع وسبعون أو خمسمئة وتسع تسعون، وما بين داود وعيسى ألف و ثلاثٌ وخمسون سنة، وقيل ألف وثلاثمئة وست وخمسون، ثمّ كان بعد عيسى -عليه السّلام- خاتم الأنبياء محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان بينهما ستّمئة سنة.
ولم يثبت ذلك في النصوص الشرعيّة بل ذكره بعض العلماء والمؤرّخين في كتبهم، ويرجع السّبب في اختلاف المؤرّخين في الفترات بين الأنبياء؛ لاختلاف اليهود في تحديد الفترة بين آدم ونوح -عليهما السّلام- وغيرهم من الأنبياء، ولو أراد رسول الله -عليه الصلاة والسّلام- أن يعلّم هذا للنّاس لعلّمه إيّاهم.
أماكن الأنبياء والرسل
تفاوتت الأماكن التي بعث الله -تعالى- منها الأنبياء والمرسلين الذين ذُكروا في القرآن الكريم، لكنّهم كانوا جميعاً في محيط الوطن العربيّ الذّي يتميز بموقعه الجغرافيّ والمناخي، وله مكانة عظيمة؛ لكونه مهبط لجميع الحضارات، ومكانٌ انطلقت منه الدّيانات السّماوية ، وفيما يأتي بيان أماكن بعث الأنبياء والمرسلين من خلال تقصّي العلماء وبحثهم في القرآن الكريم:
- جزيرة العرب، أو ما تسمّى أرض الحجاز: حيث بعث الله -تعالى- فيها كلّ من: آدم، وهود، وصالح، وإسماعيل، وشعيب -عليهم السّلام-، ومحمّد -صلى الله عليه وسلم-.
- أرض العراق: وفيها بعث الله -تعالى- كُلّاً من: إدريس، ونوح، وإبراهيم، ويونس -عليهم السّلام-.
- بلاد الشام وفلسطين: بعث الله -تعالى- فيه كلّاً من: لوط، وإسحاق، ويعقوب، وأيوب، وذو الكفل، وداود، وسليمان، وإلياس، واليسع، وزكريا، ويحيى، وعيسى -عليهم السّلام-، ويتّضح أنّ غالبية الأنبياء والمرسلين بُعثوا من بلاد الشّام، ممّا يميّزها ويُبارك فيها؛ كونها مكاناً للرّسالات السّماويّة الإلهية، ولتكون نقطة الوسط التي تنشر المبادئ والقيم على العالم أجمع، ولتنقّي هذه الأماكن وتمهّدها لمجيء شريعة محمّد الخالدة.
- مصر: وفيها بعث الله -تعالى- من الأنبياء: يوسف ، وموسى، وهارون -عليهم السّلام-.
أقوام بعض الأنبياء
بعث الله -تعالى- الأنبياء لدعوة أقوامهم للإسلام، وقد ذُكر في القرآن الكريم أسماء العديد من أقوام الأنبياء -عليهم السلام-، وفيما يأتي بيان بعضهم:
- عاد قوم هود -عليه السلام-: كانت أقوام عاد مقيمةً في جنوب المملكة العربيّة السّعودية، فيما بين منطقة الرّبع الخالي وحضرموت في اليمن، وفي مكانٍ يُقال له الأحقاف ؛ أي الأرض البارزة، وعُرف مكان إقامتهم من خلال آثارهم التي تدلّ عليهم والنّحوتات التي كانوا ينحتونها في الجبال، وهذا أهمّ ما كان يميّز هؤلاء القوم، فقد عُرفوا بقوّتهم، وغَلَبتهم، وشدّة طولهم، ومَقْدرتهم على بناء القصور والمباني الشّامخة، وكانوا ينتحتون فيها نقوشاً ورسومات، ومع أنّه لم يكن عندهم كما في العصر الحديث من الآلات والمعدّات، إلّا أنّهم من شدّة غلبتهم كانوا يحملون الصّخور وينقلونها بأيديهم.
- لكنّ هذه القوة جعلتهم يزيدون في طغيانهم، ويظنّون أنّه لا شيء فوق مقدرتهم، فكانوا يتفاخرون بقولهم: "من أشدّ منّا قوّة"! فأرسل الله -تعالى- لهم النّبي هود -عليه السّلام-، وهو من نفس قبيتلهم، ونَسَبه يعود لجدّه عاد؛ ليدعوهم إلى عبادة الله ويذكّرهم بأنّ كلّ ما عندهم من قوّة وقصور هي من الله -تعالى-، لكنّهم رفضوا وكذّبوا، فأرسل الله -تعالى- عليهم ريحاً صرصراً دمّرت كلّ مساكنهم.
- ثمود قوم صالح -عليه السلام-: كانت قبيلة ثمود من الأقوام الظّالمة الذين ذمّهم الله -تعالى- في كتابه الكريم، وكانوا يسكنون في شمال المملكة العربيّة السّعوديّة، وآثارهم لا تزال موجودة، وكانت قريش تعرف مكانهم عندما يمرّون من هذه الأماكن في أثناء تجارتهم مع الشّام؛ ولذلك أكثر الله -تعالى- من ذكرهم ليتّعظ بهم كفّار قريش، إذ أرسل الله إليهم صالحاً؛ ليدعوهم إلى عبادة الله -تعالى-، وبذل كلّ جهده ليؤمنوا بالله -تعالى-.
- وأرسل الله معه معجزة الناقة وأوصاهم ألّا يؤذوها، لكنّهم خالفوا أوامره و عقروا هذه النّاقة ، فأمهلهم الله ثلاثة أيّام، ثمّ أرسل عليهم العذاب، وهو الصّيحة التي جعتلهم كالعيدان المُمتهنة المتساقطة على الأرض، قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ).
- أصحاب الأيْكة قوم شعيب: أرسل الله -تعالى- شُعيباً لقومٍ يُدعَوْن أصحاب الأيْكة، ومكانهم في جنوب الأردن في منطقةٍ تسمّى معان، والمقصود بالأيكة هي المنطقة الملتفّة بالأشجار الكثيفة، ودعاهم نبيّ الله إلى عبادة الله وحده، لكنّهم كذّبوا نبيّهم كسائر الأقوام السّابقة لهم، واستمرّوا على كفرهم وضلالهم، فأرسل الله -تعالى- عليهم العذاب وأهلكهم بالرّجفة وعذاب يوم الظّلة.
- المؤتفكات قوم لوط -عليه السلام-: يُدعى قوم لوطٍ بالمؤتفكات، وكلمة المؤتفكات مأخوذةٌ من الائتفاك؛ وهو الانقلاب، وسُمّوا بذلك لأنّ الله -تعالى- أهلكهم لشدّة ما اقترفوه من المعاصي والأخطاء، وخسف بهم وقلب بهم الأرض.
عدد الأنبياء والرسل
إنّ الأنبياء عددهم كثيرٌ ووفيرٌ لا حصر له، و يجب الإيمان بهم جميعاً مهما كان عددهم، والله -سبحانه وتعالى- ذكر بعضهم في القرآن الكريم، ولكنّ الكثير منهم لم يخبرنا عنهم، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)، ولكن هناك بعض الرّوايات التي يستدلّ بها بعض العلماء والتي تبيّن عدد الأنبياء والرّسل، مع أنّ هذه الروايات ضعيفة، كحديث أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ كم وفَّى عددُ الأنبياءِ؟ قال: مائةُ ألفٍ وأربعةُ وعشرون ألفًا، الرسلُ من ذلك ثلاثمائةٍ وخمسةَ عشرَ جمًّا غفيرًا).
فيظهر من الحديث السابق أنّ عدد الأنبياء كبير جداً، وأنّ عدد الرّسل ثلاثمئة وخمسة عشر، وقال بعض العلماء إنّهم كانوا ثلاثمئة وثلاثة عشر، ثمّ خُتموا بمحمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، فكان مجموعهم ثلاثمئة وأربعة عشر، ولكن لم يُذكر في القرآن الكريم من الرّسل إلّا ثمانية وعشرون منهم، على اختلاف المفسّرين على نبّوة بعضهم.
الأنبياء والرسل المذكورون في القرآن الكريم
الأنبياء نعرف بعضهم ونجهل بعضهم، ومنهم من قصّ الله -تعالى- علينا أخباره والكثير منهم لم يقصّهم علينا، ولا يجوز لمن يؤمن بالله -تعالى- أن ينكر أحداً منهم، و يجب الإقرار بأنّ الله -تعالى- أرسل رسلاً كُثُر لا نعلم عددهم، والذين نعرفهم وذكروا في كتاب الله -تعالى- هم خمس وعشرون، وهذا عدد الرّسل المتّفق عليهم.
وقد ذُكر ثمانية عشر منهم في موضعٍ واحدٍ في سورة الأنعام، وهم في قول الله -تعالى-: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ* وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ)، وذكر سبعةٌ آخرون منهم في مواضع متفرّقة من القرآن الكريم، وهم: آدم، وهود، وصالح، وشعيب، وإدريس، وذو الكفل، ومحمّد -عليهم السّلام-.
الأنبياء الذين اختلف في نبوتهم
هناك من ذُكر في القرآن الكريم واخُتلف في كونهم أنبياء أو أنّهم من أولياء الصّالحين، والإيمان بالرّسل واجبٌ على كلّ مؤمنٍ على وجه العموم، سواءً ثبتت عليه النّبوّة، أو ثبت كونه من الأولياء؛ لأنّه من آذى وليّاً آذنه الله -تعالى- بالحرب كما ورد في الأحاديث الصحيحة، فيجب التّصديق بولايتهم، والاقتداء بهم، وتعظيمهم؛ ليكتمل الإيمان في القلب، ومن الذين اختُلف في نبوّتهم:
- الخضر: وهو صاحب موسى -عليه السّلام-، وذُكرت قصّته في سورة الكهف عندما رافق موسى وعلّمه، لكنّ المفسّرين تعدّدت آراؤهم في كون الخضر نبيّاً أم لا، فيرى جمهورهم أنّه نبيّ؛ لأنّه كان موحى إليه كالأنبياء؛ لقول الله -تعالى- على لسانه: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)، ويرى آخرون أنّه من الأولياء، وأنّه عبدٌ صالحٌ لأنّه لم ترد أدلّة قطعيّة على نبوّته، وقالوا بالنسبة لما كان يوحى إليه أنّه قد يكون في زمنه نبيٌّ آخر أوحى إليه الله -تعالى- أن يأمر الخضر بهذا، ويُرجِّح عددٌ من العلماء التّوقّف في القول بنبوّته من عدمه، وبناءً على عدم إجماع العلماء على نبوّته فإنّ من اعتقد أنّ الخضر ليس نبيّاً لا يُكفّر ولا يُخطّأ.
- لقمان: اخُتلف في لقمان هل هو نبيّ أم رجلٌ صالح وحكيم، ولكن ذهب غالب العلماء إلى اعتباره حكيماً وليس نبيّاً، فقد كان عنده من حكمة الله -تعالى-، وكان ذو فقهٍ في أمور الدّين والأمور العقلانية، كما كان قاضياً في بني إسرائيل ، أما عمله الأساسيّ فقد ذكر العلماء أنّه كان نجّاراً.
- ذو الكفل: ذُكر ذو الكفل في القرآن الكريم في سورة الأنبياء في موضع امتداح الله -تعالى- للأنبياء، وذكر معهم ذو الكفل، ويدلّ إقران الله له بالأنبياء على أنّه نبيّ، وهذا ما ذهب إليه غالبية العلماء، ولكن يرى بعضهم أنّه رجلٌ صالحٌ وحاكمٌ عادل.
- عُزَيْر: قال ابن كثير: اشتُهر عند بني إسرائيل أنّ عُزيْراً يعدّ أحد أنبيائهم، والمسألة خلافيّة.
- الأسباط : وهم إخوة يوسف -عليه السّلام-، فمن العلماء من يرى إنّه كان منهم نبيّ، ومنهم من قال إنّه لا نبيّ بين إخوة يوسف، وإنّما المراد بالأسباط أحد قبائل بني إسرائيل التي كان منها بعض الأنبياء.