أحكام الحيض
أحكام الحيض
ما يحرم بالحيض
توجد العديد من الأحكام التي تتعلّق بالمرأة أثناء فترة حيضها، وفيما يأتي تفصيل ذلك:
- أولا: الطّهارة : لا يَجوزُ للمرأةِ الحائضِ أن تتوضّأَ أو تَغْتَسِلَ كما تفعلُ للعبادةِ، وهذا عِندَ الشّافعيّة والحنابلة.
- ثانياً: الصّلاة: لا يجوزُ للمرأةِ الحائضِ أو النّفساءِ أداءُ الصّلاة بإجماع العلماء، والنّفساء: هي المرأةُ التي وضعتْ ولدها حديثاً ويستمرُ الدّمُ بالنّزولِ عليها مُدّةَ أربعينَ يوماً غالباً، فنزولُ الحيضِ يُفسِدُ صحّة الصّلاةِ ويلغي حُكمَ وجوبِها على المرأةِ المسلمة مُؤقتاً حتّى تَزولَ الحيضةُ، وجاءَ هذا الحكمُ صراحةً عن رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُرشِداً أمُ المؤمنينَ عائشة -رضي الله عنها- أن تترك الصلاة عند الحيض، فقال: (إِذَا أقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وصَلِّي).
- ويكونُ هذا الإلغاءُ تامّاً فلا يجبُ على المرأةِ الحائِضِ قضاءُ ما فاتها من الصّلواتِ أثناء حيضتها، وقد تساءلَت نساءُ المسلمينَ عن سبب قضاء الصّومَ دونَ الصّلاة، وأجابت سيدتنا عائشة -رضي الله عنها- بكلِ وضوحٍ عن ذلكَ فقالت: (قدْ كَانَتْ إحْدَانَا تَحِيضُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، ثُمَّ لا تُؤْمَرُ بقَضَاءٍ).
- ثالثاً: الصّيام : لا يجوزُ للمرأةِ الحائضِ أداءَ الصّيامِ بإجماعِ العلماء، فَرضاً كانَ أو نفلاً، وذلك لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه عن المرأة: (إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ)، ويختلفُ ذلكَ عن الصّلاة، إذ يجبُ على الحائضِ قضاءَ الصّيامِ إذا كان فَرضاً؛ كصيامِ رمضان، كما أنّ المرأةَ إذا حاضتْ أثناءَ صيامِها لكفارةٍ يُشتَرَطُ فيها التّتابعُ؛ أي الكفارات التي تكون على شهرين مُتتابعين مثلاً، فإنّها عندئذٍ تُفطِرُ أيامَ حيضَتِها ثمّ تَستَكمِلُ الصّيامَ، ولا يَخِلُّ ذلكَ بشرطِ التّتابعِ، وذلكَ لأنّ الحيضةَ عارضٌ سماويٌ غيرُ مُتَحَكَّمٍ فِيه.
- رابعاً: الحجّ: إذا خَرَجَت المرأةُ للحجّ ثمّ حاضتْ هناك، فإنّها تأتي بأفعالهِ ولا يَحْرُمُ عليها مِنهُ إلا الطّواف، ودليلُ ذلك قولُ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (قَدِمْتُ مَكَّةَ وأَنَا حَائِضٌ، ولَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ ولَا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ قالَتْ: فَشَكَوْتُ ذلكَ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قالَ: افْعَلِي كما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ أَنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي)، ويعني ذلكَ أنّ الاغتسالَ للحجّ مَثَلاً أو الاغتسال للوقوفِ بجبل عرفة مُباحٌ لها، أمّا الطّوافُ وهو في الحج أنواع؛ منه ما هو ركنٌ فيه كطوافِ الافاضةِ ، ومنه ما هو سُنّة كطوافِ القدومِ.
- فإنْ حاضت المرأة قَبلَ طواف القدوم سَقَطَ عنها، وأمّا طوافُ الإفاضةِ فلا يَسقُطُ، وتطوفَ حينَ تَطْهُر، ولا يَصِحُّ طوافُها وهي حائضٌ بأيِّ حالٍ منَ الأحوالِ وفقاً لرأيِ الجمهورِ، ويُذْكَرُ أنّ الحنفيّةَ يرونَ كراهَتَهُ فقط، كما يُخَفَّفُ في طواف الوداع للحائضِ إنْ طافت طوافَ الإفاضةِ، وذلكَ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر صفية بنت حيي -رضي الله عنها- أن تَنفِرَ دونَ طوافِ الوداع بعدَ أن كانت حائضاً وطهرت.
- خامساً: قراءةُ القرآنِ : وهذا حُكمٌ فِيهِ آراءٌ بينَ الفقهاءِ، فالرأي الأول فيه أنّه حرامٌ عليها، وأصحابُه هم جمهورُ الفقهاء، و يستَنِدونَ إلى حديث: (لا تَقرأ الحائضُ، ولا الجنُبُ شيئًا منَ القرآنِ)، والظّاهرُ بعدَ البحثِ والتحرّي أنّه حديثٌ ضعيف وقيل: هو مُنكَر، وقيل: هو باطل ولم نَرَ له وجهٌ منَ الصّحة، وإنّ مِنَ الفقهاء من وَضَعَ شُروطاً لقِراءتِها للقرآنِ، فَيرى الشّافعية جواز القراءة لها قَلبياً دونَ التّلفظِ به، والحنابلةُ يُجيزُونَ قراءة شيءٍ مِن آية لا آيةً كاملة أو أكثر، وخالفَ الجمهورَ الإمامُ مالك، حيث أجازَ للحائضِ قراءةُ القرآنِ مطلقاً.
- سادساً: مسُّ المصحفِ أو حَملُهُ: اتّفِقُ الفقهاءُ على حُرمَةِ مسّ المُصحف للحائض، استدلالاً بقوله -تعالى-: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)، وللمالكيّة في ذلك نَظَر، إذ يسمحون مسّه لأغراضِ التّعَلّمِ والتَعليمِ، ويُجَوِّزُ الحنفية حَملَهُ بحائلٍ ليسَ مِن القرآن، بينما يَكرَهونَ فِعلَ ذلكَ بأكمامِ الملابس إلّا للتَعَلُّم.
- سابعاً: دُخولُ المسجد : لا يجوزُ للمرأةِ الحائض الجلوسُ في المسجدِ أو بقاؤها فيه في أيِّ حالٍ مِن الأحوال باتّفاقِ العلماء، ولكن يَجوزُ لها المُرورُ بِه مروراً، لضرورةٍ أو طارئٍ، ووَرَدَ هذا الاستثناءُ بالسّنةِ الشريفة، إذ طَلَبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن عائشة أمُ المؤمنين -رضي الله عنها- إحضارَ شيءٍ لهُ مِنَ المسجدِ، فتَعَذّرتْ بِحيضتِها، فقال: (إنَّ حَيْضَتَكِ ليسَتْ في يَدِكِ)، ويكره الفقهاء ذلكَ دونَ ضرورة، إلّا أنّ الحنفيةُ والمالكية يَمنَعونَهُ في كُلِّ الحالاتِ دونَ استثناءٍ، أمّا دُخولها مُصلّى العيدِ فهو مختلف، ويُجَوّزُه أكثرُ الفقهاءِ إلّا الحنابلة، بالإضافة إلى دخولها مُصلى الجنازة.
- ثامناً: الجِماعُ: لا يجوزُ جِماعُ المرأةِ الحائضِ بالإجماعِ، استِناداً لقوله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ)، وجاءَ تأكيدُ ذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم- عن الحيض: (اصْنَعُوا كُلَّ شيءٍ إلَّا النِّكَاحَ)، ومِنَ الجديرِ بالذّكرِ أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يأتي نِساءَهُ في حيضِهنَّ دونَ الفرجِ، فيتركُ مَنطِقَةَ السّرةِ نُزولاً إلى الرّكبة، ودليل ذلكَ حديثُ أم المؤمنين ميمونة -رضي الله عنها- عن رسول الله أنّه: (كان يبًاشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار).
- فبنَى بعضُ الفقهاءِ على الحديثِ الجوازَ باشتراطِ السّاتر، بينما مَنَعَهُ بعضهم خَشيَةَ الاجتِرارِ إلى الوَطَءِ الكامل، وهو كبيرةٌ من الكبائِر في حقِ المُتعمِّد، وقدِ اجتهدَ الفقهاءُ في تعيينِ كفّارة مَن يفعله، فأوجبَ الحنابلةُ نِصفَ دينارٍ مِن الذّهب، واستحبَّ الحنفيةُ والشّافعيةُ إخراجَ دينارٍ من الذّهب على سبيلِ الصّدقةِ إذا كانَ الجِماعُ قد وقعَ في الأيام الأولى للحيضِ، ونِصفهُ إذا وقعَ في آخرها، وأمّا الإمامُ مالك فَلم يُوجِب أيُ كفارةٍ عليه.
- تاسعاً: الطّلاق: لا يجوزُ تطليقُ المرأةِ الحائض، ويستَنِدُ هذا الحُكم على حديثٍ يرويه الإمامُ مسلم في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنّه طلّقَ امرأتهُ وهي حائض، فذَكَرَ عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذلكَ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا).
- عاشراً: الذّكرُ : يجوزُ للمرأةِ الحائضِ أن تَذكُرَ الله -تعالى- بِما شاءت مِن تسبيحٍ، أو تكبيرٍ، أو استغفارٍ، أو صلاةٍ على نبي الله، خِلافاً لباقي العبادات، وكانت النَساءُ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يخرُجنَ لصلاةِ العيدِ فَيُكبّرنَ كما يكبِّر النّاس ويدعينَ كما يدعوا النّاس حتّى الحائضُ منهن.
استدراك الفائت من العبادات بسبب الحيض
يُحرَمُ على الحائضِ أداءَ الكثيرِ مِن العباداتِ، ومِنها ما تَقضيهِ بعدَ الطّهرِ كالصّيامِ وطواف الإفاضة، ومنها ما لا تقضيه كالصّلاة، ولكن في ذلك تفصيلاً نبيّنه فيما يأتي:
- أولاً: استدراكُ الصّلاة: والمقصودُ بها قضاءُ الصّلاةِ التي حاضت المرأةُ في وقتِها، وفيه حالتان، الحالة الأولى: إذا حاضت في أولِ وقتها، كأن يدخل وقتُ صلاةِ الظّهرِ ثم تحيضُ المرأة، فإنّ الحنفيّةَ والمالكيّةَ يرونَ سقوط تلك الصلاة، أمّا الشافعيّة والحنابلة فيرون وجوبَ قضائها، والحالة الثّانية: إذا طَهُرت المرأةُ مِن حيضتها في نهاية وقتِ صلاةٍ ما، فعندَ المالكيّة إذا اتّسع الوقتُ المتبقي لركعةٍ واحدةٍ وَجَبَ عليها صَلاتُها، كأن تَطهَرَ فِي وقتِ صلاةِ العصرِ فتغتسلَ ولم يبقَ من دخولِ وقت صلاةِ المغربِ سوا بِضعُ دقائق، فيجب عليها صلاة العصر.
- أمّا الشافعية والحنابلة فيرونَ قضاءَ الصّلاةِ التي طهرت في وقتها ولو لَم يبقَ فيها سِوا وقتُ تكبيرةِ الإحرام، وتقضي معها الصّلاةَ التي تَسبِقُها إن كانتا مما يُجمَعُ عِندَ الجمعِ، فلو طَهُرت في نهايةِ وقتِ العصرِ قبلَ دخولِ وقتِ المغربِ بمقدارِ وقتِ تكبيرةٍ على الأقل فإنّها تَقضي الظّهرَ والعصرَ، بينما لو طَهُرت قبلَ طُلوعِ الشّمسِ بمقدارِ تكبيرة فإنّها تُصلّي صلاةَ الصُبحِ فقط، ولا تَجمَعُ معها صلاةَ العشاءِ؛ لأنّ صلاةَ العشاءِ ليست مما يُجمعُ مع الفجر.
- ثانياً: استدراكُ الصّيام : اتّفقُ الفقهاءُ جميعُهم على وجوبِ قضاءِ المرأةِ لليومِ الذي يَنزِلُ فيه الدّمُ بعدَ الفجر ولو انقطعَ بعدَ ساعاتٍ أو دقائقٍ، واختلفوا هل تَمتَنِعُ عن الأكلِ والشّربِ بسببِ انقطاعِ الدّم، إذ يرى الحنفيّةُ والحنابلةُ وجوبَ الإمساك عن الطعام والشّراب مع أنّها ستقضيه، بينما لا يرى الشافعيةُ والمالكيةُ ذلك، فيرون أنّ مُجرّدَ نزولِ الدّمِ بعدَ الفجر يُبيحُ إفطار ذلك اليومِ ولو انقطعَ الدّم خلالَ النّهارِ.
- أمّا إذا طَهُرت قبلَ الفجرِ فإنّ الفقهاء جميعهم متّفقونَ على وجوبِ صومِها لليوم التالي، واشتَرَطَ الحنفيّةُ اغتسالها قَبلَ الفجرِ، بينما لم يشترط المالكيّةُ ذلكَ واكتفوا بتحقّقِ انقطاعِ الدّم قبلَ الفجرِ ولو بِلحظةٍ وإن لم تغتسل قبله، وكذا لم يشترط الحنابلة ذلك واكتفوا بإيجاب الصوم من وقتِ انقطاعِ الدّم.
- ثالثاً: استدراكُ طوافُ الإفاضةِ: فكما ذُكر سابقاً من أنّ الطوافَ حرامٌ على المرأةِ الحائض، وأنّ له أنواعٌ، اثنانِ من السّنّة؛ وهُما طوافُ القدومِ وطوافُ الوداعِ، وكلاهما يسقُطانِ عن الحائضِ؛ تخفيفاً عنها، أمّا الأخير فهو ركنٌ من أركان الحجّ؛ وهو طوافُ الإفاضة، وعلى الحائضِ الانتظارَ حتّى تطهرَ ثمّ تغتسِلَ وتؤدّيهِ، ولا يَصِحُّ الحجُّ إلّا بِهِ.
الآثار المترتبة على الحيض
يَتَرَتَبُ على حيضِ المرأةِ أمورٌ عدّة مُهِمَةٌ في حياةِ المرأةِ اليومية، نذكرها فيما يأتي:
- أولا: البلوغ : إنّ نزولَ الدّم علامةُ بلوغِ المرأة، والبلوغُ أساسُ المُحاسَبِةِ والتكليفِ الشّرعيّ، وأشارَ إلى ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبلُ صلاةُ الحائضِ إلا بخمارٍ)، ومعناهُ أنّ المرأةَ الّتي تَحيضُ يَجِبُ عليها سَترُ العورةِ أثناءَ صلاتها إذ أصبَحَت مُكلَّفَةً بالصّلاةِ، وبالسَتر والحجاب وغيرها من التّكاليف الشّرعية.
- ثانيا: وجوبُ الغُسلِ : وحُكمُ النّفساءِ في ذلكَ كحُكمِ الحائض، إذ تَترُكُ العبادات أثناءَ الحيضةِ ثمّ تَغتَسِلُ إذا طَهُرت، والطّهرُ انقطاعُ الدّمِ؛ ولَهُ علاماتٌ تعرِفُها المرأة، وسيأتي بيانها في المبحثِ التالي.
- ثالثاً: كفارةُ الوطء أثناءَ الحيضَ: إنّ جماعُ المرأةِ الحائضِ حرام، وأوجبَ فيه الحنابلة إخراجَ كفارةٍ مقدارها نِصفُ دينارٍ من الذّهب.
- رابعاً: الاعتدادُ بالحيضِ لبراءةِ الرّحم: تُبنَى مدّة العدّة الشّرعية للمرأةِ المُطلّقة بناءً على استبراءِ الرّحم، وبراءةُ الرّحم تعني فَراغَهُ مِن بقايا العلاقة السابقة، ويَحسِبونَ لذلكَ عَدَدَ حَيضاتٍ تَكفي لبراءةِ الرّحم، وممن يَعتَدُ بالحيضِ الحنفيةُ والحنابلة، إذ يُفَسِّرونَ لَفظَ القُرءِ الوارد في الآية الكريمة: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)؛ بالحَيضَة، فيقولونَ بِبراءةِ الرّحم وانتهاءِ العدّةِ بعدَ ثلاثِ حيضاتٍ تحيضُها المرأةُ المطلقةُ.
التعريف بالحيض
الحيضُ لُغةً: هو السَّيَلانُ، وشرعاً: هو دَمٌ يُصيبُ المرأةَ، يَنزِلُ من أقصى الرّحمِ في غَيرِ وقت ولادة، وإلّا سُمِيَّ نَفَاساً ، وفي غير مَرَضٍ، ويأتي في موعدٍ معيّن مِن كُلِ شهر، يُمَيّزُهُ سَوادُ لَونِهِ وكثافَتُهُ ورائِحَتُهُ الكريهةُ، كما أنّ نزوله يسبّبُ آلاماً شديدةً للمرأة، تتفاوتُ شِدّتُها بينَ امرأةٌ وأُخرى، وأولُ ما وردَ ذكره في القرآنِ الكريم في قوله -تعالى- في سورة البقرة: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى).
وللحيضِ أحكامٌ في غاية الأهميةِ، إذ يَتَعَلقُ بشتّى العباداتِ؛ كالصّلاةِ، والصّيام، والحجّ، وقراءةُ القرآنِ، والطّلاق، والجِماع، وغيرها، ولمّا كانت له هذه الأهمية، وَجَبَ تَعَلُّمُ أحكامهِ على المرأةِ عِلم الفريضة، فالجَهلُ بأحكامهِ يعني إفسادَ العباداتِ والوقوعُ بالحرامِ من مختلف أبوابهِ، وهذا ما حاولت الشّريعةُ الإسلامية تنزيه المرأة المسلمة عنِ الوقوعِ فيه، وقد اختلفَ الفقهاءُ في تحديدِ أطولِ مدّةٍ للحيضِ وأقلُّها، ونبيّن ذلكَ فيما يأتي:
- القولُ الأول: قولُ الحنفيّة: ويرونَ أنّ أقلَ الحيضِ ما كان ثلاثة أيامٍ بلياليها، وأكثرهُ ما كان عشرةَ أيامٍ بلياليها.
- القولُ الثّاني: قولُ المالكيّة: لا يضعون حَداً لأقل مدّة للحيضِ إلّا أن يكونَ أقلّه دُفعةً واحدةً مِنَ الدّمِ تَنزِلُ على المرأةِ ثم ينقطِعُ وتطهر، وأكثَرُهُ عندَهُم خمسةَ عشرَ يَوماً.
- القولُ الثالث: قولُ الحنابلة والشّافعيّة: يجعلونَ أقلَّ حدٍ لهُ يومٌ وليلةٌ، وأكثَرُهُ خمسةَ عشرَ يوماً بلياليهنّ، وغالباً ما يكونُ سبعةَ أيامٍ.
الفرق بين الحيض والاستحاضة
يجدُرُ بالذّكرِ هنا أن المرأةَ وإن حاضت فإنّها قد تُستحاضُ أيضاً، والاستحاضَةُ تختلفُ عن الحيضةِ في طبيعَتِها، وأسبابِها، وحُكمها، فأمّا دمُ الحيضِ فيكونُ أحمراً قانياً، وقد يكون أسوداً بإجماعِ العلماء، ويختلفُ لونه باختلافِ البيئةِ التي تعيشُ فيها المرأةُ، وطبيعةُ الطّعامِ الذي تتناوله، وقد يكونُ لونُ الدّمِ مائلاً إلى اللّونِ الأصفر، كأن يكونَ بُنِّياً أو مُختَلِطاً بينَ السّوادِ والصّفار، ويُعدُّ هذا حيضاً عند جمهورِ العلماءِ إذا كان في وقتِ الحيضةِ دون أن يتجاوَزَ الحدَّ الأعلى لِمدّةِ الحيضِ، ويَلحَقُ ذلكَ عِندَ أغلبِ النّساءِ نزولُ إفرازاتٍ بيضاءَ شفافة تُعدّ هيَ علامةَ الطُّهرِ الأساسيةُ، وكانت سيدتنا عائشة -رضي الله عنها- تُرشِدُ نساءَ المسلمينَ إلى انتظارِ ظُهورِ هذه العلامةَ لتيقّنِ الطُهر.
وينبغي هنا التفريق بين الحيض والاستحاضة، فاللاستحاضة حالة من استمرار نزول الدّم على المرأة في غير موعده، وتنزِل من عرقٍ يسمّى العاذل، وتختلف أوصافه عن دمِ الحيض، فالاستحاضة تكون رقيقة لا كثيفة، وليس لها في العادة رائحة، ولا تعتبر من النجاساتِ . ويُعتبَر دم الاستحاضة حَدثٌ دائمٌ تُصلّي المرأة معه وتصوم وتفعل ما تفعله المرأة الطاهرة بخلاف الحائض.
ويجدر بالذكر أنّه إذا تتابعَت الصّفرة والكدَرة مع الحيض في وقته؛ كانت حيضاً، أمّا إذا رَأت المرأة علامةَ الطُّهرِ ثمّ رأت الصُّفرة أو الكدرة فإنّها لا تَعُدّها حيضاً، بل تَعُدّها استحاضةً، استناداً إلى الحديث: (كنَّا لا نعُدُّ الكُدْرةَ والصُّفْرةَ بعدَ الطُّهْرِ شيئًا)، والحكم في الاستحَاضَةِ الوضوءُ لكلِ صلاةٍ، وأقرّ ذلكَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال في المرأة التي ترى بعد الطُّهر ما يثير الريبة في نفسها أهو حيضٌ أم غيره، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (إنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قالَ في المرأةِ ترى ما يريبُها بعدَ الطُّهرِ إنَّما هيَ عرقٌ).
صفة غسل الحائض
إنّ لطهارةِ المرأةِ الحائضِ طريقة للغسل تتّبعها المرأة، كما طرحَ الفقهاءُ فيها مسائل عدّةٌ، نذكرها جميعاً فيما يأتي:
- صِفةُ غُسلِ المرأةِ بالتّرتيبِ: النيّة، ثم البسلمةُ، ثم غَسلُ اليدينِ، ثم غَسلُ موضعِ الدّمِ، ثم الوضوءِ، ثم تعميمُ الرّأسِ بالماءِ مع تخليله، وتعميمُ الماء على البدنِ ودلكهُ ابتداءً بالشّقِّ الأيمنِ مِن كلُ فعلٍ ثم الانتقال للشقّ الأيسر، وهذهِ هيَ الصّفةُ الكاملةُ للغسل على الصّورةِ التي فعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غُسلِهِ مِنَ الجنابة، ولا يختلفانِ في شيءٍ.
- جاء في الحديث: (كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بيَدِهِ شَعَرَهُ، حتَّى إذَا ظَنَّ أنَّه قدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ، أفَاضَ عليه المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)، وأجمعَ الفقهاءُ على أنّ تعميمَ البدنِ بالماءِ ككلّ يكفي لتحقّق الطهارةِ المطلوبة في الحيضِ والجنابةِ ولو لم تتبِع المرأةُ صِفَةَ الغُسلِ السابقة كاملةً.
- الغُسلُ مع ضفيرةِ الشّعرِ: إذا كانت المرأةُ قد ضَفَرَت شعرها -أي جمعته فَرَبَطَتْه- وأرادتْ أنّ تغتسلَ؛ فإنّ مِن الفقهاءِ مَن يرى وجوبَ نَقضِها إياهُ، وهم المالكيّةُ والحنابلة، واستدلوا بحديثِ عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، إذ تروي أنّها حاضت يوم عرفة وهُم في الحجّ، فَشَكَت ذلكَ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (دَعِي عُمْرَتَكِ، وانْقُضِي رَأْسَكِ، وامْتَشِطِي وأَهِلِّي بحَجٍّ).
- أمّا القول الثّاني فهو قولُ جمهورِ العلماءِ ، وهُم على عَدَمِ وجوبِ نقضِ المرأةِ رأسها إلّا استحباباً، ومِن أدلّتهم حديثُ أمُ سلمة -رضي الله عنها- الخاصُ في نَقضِ الضفيرة، إذ سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلكَ فقال: (إنَّما يَكْفِيكِ أنْ تَحْثِي علَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ المَاءَ فَتَطْهُرِينَ)، إذ قَدَّمَ الجمهورُ حديثَ أمِ سلمة -رضي الله عنها- الخاصُ في المسألةِ، وحَمَلوا الأول على الاستحبابِ؛ لأنّهُ جاءَ في الغُسلِ للحجّ بدايةً، كما أنّهُ أُمِرَ فيه بتمشيطِ الشّعرِ، وهو لَيسَ بواجبٍ إطلاقاً، فيأخذ بذلك حُكمَ الاستحبابِ.
- استخدامُ المِسك: وردَ في السّنةِ الشريفةِ حَثُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنساءِ المسلمينَ على استخدامِ شيءٍ ذو رائحةٍ طيبةٍ على موضعِ الدّمِ أثناءَ الغُسلِ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لامرأةٍ سائلةٍ: (خُذِي فِرْصَةً مِن مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بهَا)، وهذا حكمٌ محمولٌ على الاستحبابِ، ولا خلافَ على أنّ الماءَ يكفي لتحقيقِ الطّهارة.
- طهارةُ الثّيابِ التي أصابها من دمِ الحيضِ شيءٌ: أرشدَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في السّنةِ الشّريفة إلى طريقةِ تطهيرِ الثّوب إذا أصابهُ شيءٌ مِنَ الدّم فقال: (إذَا أصَابَ ثَوْبَ إحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ)، وتقرصه: يعني تفركه، ومما لا شكَ فيه أنّ وسائلَ النّظافةِ الحديثةِ مُطهِّرَةٌ للدمِ وزيادة.
- التيمّمُ بدل الغسل: إذا لم تَجِد المرأةُ الماءَ للغُسل فإنّه يُشرعُ لها التيمّم بدلاً عنه، فالتيمّم مشروعٌ لشتى أنواع التّطهرِ لأداءِ العبادات، لعموم الآية الكريمة: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا).