بحث عن عثمان بن عفان
بحث عن عثمان بن عفان
نسب عثمان بن عفان وكنيته
اسمه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة، القرشي، الأموي، المكي، ثمّ المدنيّ، وقد تزوّج عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بتسعة نساء، أنجبن له ستةَ عشرَ ولداً؛ تسعةٌ من الذكور، وسبعٌ من الإناث، ويُكنّى بأبي عمرو منذ الجاهلية، فلّما دخل الإسلام وتزوّج رُقية ابنة رسول الله، أنجبت له عبد الله، فأصبح يُكنّى بأبي عبد الله، وقد لُقّب بذي النورين؛ لأنه تزوّج ابنتين من بنات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقيل لكثرة قراءته للقرآن أثناء قيام الليل ، فالقيام نور والقرآن نور.
صفات عثمان بن عفان وأخلاقه
يتّصف عثمان -رضي الله عنه- بطوله المتوسط؛ فلا هو بالقصير ولا هو بالطويل، ووجهه حسن، وشعر رأسه ولحيته كثيفين، وكان -رضي الله عنه- يشدّ أسنانه بالذهب، وفي وجنتيه حُمرة، وقد كسا الشعر ذراعيه، وهو حَسَن المَبسم -رضي الله عنه-. كما اتّصف عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالعديد من الصفات والأخلاق الحسنة، منها:
- العلم: فقد كان من كبار علماء الصحابة في الكثير من العلوم؛ كالقرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة، والفقه، والقضاء، وكان حريصاً على الاقتداءِ برسولِ الله والخلفاء الراشدين من بعده؛ وذلك لملازمته لرسول الله، وأخذه العلم عنه، والاستفادة منه في جميعِ مجالاتِ الحياة، ويظهر ذلك جليّاً من خلال خطبته التي حثّ فيها على الزهد بالدنيا والإقبال على الله -تعالى-، وأيضاً من الأحاديث التي رواها عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
- الحلم: وهو الأساس الذي ترتكز عليه الحكمة، فقد كان -رضي الله عنه- القدوة الحسنة في الحلم، ويدلّ على ذلك العديد من المواقف التي تجلّى فيها حلمه، والأمر الذي دفعه إلى ذلك حرصه على الحفاظ على المسلمين من الفتن، وشوقه للقاء الله -تعالى-.
- السماحة ولين الجانب: فقد كان مثالاً عظيماً في ترك الدنيا والكرم ، وإيثار غيره على نفسه، كما اتّصف باللين امتثالاً لقول الله -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وقد اتّصف بهذه الصفة رسول الله محمد، فأحبّه النّاس وأقبلوا عليه.
- العفو: وهي من الصفات التي اتصف بها الرجال الحقّ، والتي تدلّ على ترك شهواتِ النفس ورغباتها، والتخلّي عن الدُّنيا، ويُرفع مقام صاحبه عند الله -تعالى- في الآخرة .
- التواضع : وهو من صفات عباد الله ، قال -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، وهذه الصّفة لعثمان بن عفان نتيجة إخلاصه لله -تعالى-، فقد كان يقوم بخدمة نفسه دون أن يوقظ أحدٌ من خدمه حين يقوم بالليل للصلاة، ويقول إنّ الليل لهم ليستريحوا فيه.
- الحياء والعفة: فقد عُرِف بحيائه، وكان من أشدَّ النّاسِ حياءً، فكان لا يضع ثيابه ليغتسل رغم أنّه وحده، وذلك من شدّة حيائه، كما كان عفيف النفس، بعيداً عن مساوئ الأخلاق حتى قبل دخوله في الإسلام.
- الكرم: فقد اشترى بئر رومة وتصدّق به للمسلمين، وجهّز جيش المسلمين في غزوة العُسرة ، وقام بتوسعة المسجد النبوي ، وتصدّق بقافلةٍ مُحمّلة في عهد أبي بكر الصديق، وكان يعتق رقبة في كل جمعة، وكان أجود النّاس بالخير.
- الشجاعة: فقد شهد الغزوات جميعها مع رسول الله إلا يوم بدر وكان ذلك بأمرٍ من رسول الله، وتوجّه إلى قريش بدعوتهم إلى الإسلام رغم علمه بما سيحلّ به من الأذى، ولمّا حوصر في بيته من أجل أن يترك خلافة المسلمين، وهُدّد بتركها أو قتله، كان صامداً أمامهم ولم يتنازل لهم عمّا يريدوه.
- الحزم: فقد وصفه بذلك أبو بكر الصديق عندما دعاه إلى الإسلام، فقال له: "ويحك يا عثمان! إنّك رجل حازم، ما يخفى عليك الحق من الباطل".
- الصبر والعدل: فقد صبر واحتسب وقدّم نفسه فداءً من أجل الدِّفاع عن الإسلام وأهله، وحتى يردّ الفتنة عن المسلمين ويحافظ على وحدتهم، متمسّكاً بقول الله -تعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). وكان -رضي الله عنه- رقيق القلب، شديد الكرم، كثير الصّيام والقيام، يُقبل النّاس عليه لمحبتهم له.
- التيسير على المَدِين منه بإسقاط الدين عنه: كما أسقط دين طلحة بن عبيد الله حينما أتاه ليردَّ له ماله، وقال له: "هو لك معونة على مروءتك".
- إطعام الطعام: فكان يضع الطعام في المسجد في رمضان لمن يريد أن يأكل منه.
إسلام عثمان بن عفان وهجرته
عَرَض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإسلام على عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وقرأ عليهما القرآن، وبيّن لهما الجزاء المترتب على الإسلام من الله -تعالى-، فصدّقا برسالته وآمنا بدعوته، وأخبر عثمان أنّه لما كان قادماً من الشام إلى مكة وبينما هو نائم، إذ برجلٍ يُنادي ويخبرهم بخروج محمد، فلمّا قدم إلى مكة سمع برسول الله فأتى إليه، وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- من السابقين إلى الإسلام .
وقيل إنّه له خالة اسمها سُعدى كانت قد أخبرته عن شأن محمد، فبقي ما أخبرته في عقله يفكّر فيه، وبينما هو جالس يفكّر أقبل عليه أبو بكر الصديق فسأله عن أمره، فأخبره عمّا سمعه من خالته، فقال أبو بكر: "ويحك يا عثمان، إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، ما هذه الأوثان التي يعبدها قومنا؟ أليست حجارة صم لا تسمع ولا تبصر، ولا تضرّ ولا تنفع"؟ فدعاه إلى أن يسمع من رسول الله، ولم يلبث إلّا أن مرَّ رسول الله برفقة عليّ يحمل ثوباً، فتقدّم إليه أبو بكر وقال له بأُذُنِه شيئاً، فجاء رسول الله إلى عثمان ودعاه إلى الإسلام، فقبل دعوته ودخل في الإسلام. وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة.
وهو أوّل من هاجر بأهله بعد نبيّ الله لوط -عليه السّلام-، فلمّا اشتدّ إيذاء قريش للصحابة في السنة الخامسة من البعثة أمرهم رسول الله بالهجرة إلى الحبشة، فخرج الصحابة من مكة إلى أرض الحبشة؛ حفاظاً على دينهم، ومن أجل التخلّص من أذى قريش، وكان عثمان ممن هاجروا إلى الحبشة برفقة زوجته رقية بنت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وبعدما وصلهم خبر إسلام عمر بن الخطاب وأهل مكة عادوا إلى مكة، فلمّا اقتربوا منها علموا أن ما وصلهم من الأخبار كان كذباً، فمنهم من دخل مكة ومنهم من عاد، فكان عثمان ممن دخلها ولازَم رسول الله فيها وكان يدعو إلى الإسلام، حتى أمر رسول الله أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة ، فكان من أوائل من استجابوا لأمرِ رسول الله، فسُمّي صاحب الهجرتين؛ الهجرة إلى الحبشة ، والهجرة إلى المدينة.
زواج عثمان من بنات الرسول
خطب عثمان بن عفان رقيةَ ابنة الرسول من أبيها وتزوّجها، فأنجبت له عبد الله، وهاجرت معه إلى الحبشة، ثم عاد وإياها إلى مكة، وبعد ذلك أخذها وهاجرا إلى المدينة المنورة، وفي السنة الثانية من الهجرة مرِضت رقية، ولمّا حان وقت غزوة بدر أبقاه رسول الله عند زوجته ليقوم بتمريضها ورعايتها، فما عاد رسول الله وصحابته من الغزوة إلّا وكانت قد انتقلت إلى رحمةِ ربّها، فحزن رسول الله حزناً شديداً، ثمّ في السنة الثالثة من الهجرة تزوّج أختها أمّ كلثوم التي لم تتزوّج أحداً قبله، ولم تُنجب له، وتُوفّيت عنده أيضاً.
زوجات عثمان بن عفان وأولاده
تزوّج عثمان بن عفان تسع نساء، أنجبن له ستةَ عشر ابناً:
- رقيّة، وأنجبت عبد الله.
- فاختة بنت غزوان، وأنجبت عبد الله الأصغر.
- أم عمرو بنت جندب، وأنجبت عمرو، وخالد، وأُبان، وعمر، ومريم.
- فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس، وأنجبت الوليد، وسعيد، وأم سعيد.
- أم البنين، وأنجبت عبد الملك.
- رملة بنت شيبة، وأنجبت عائشة، وأم أبان، وأم عمرو.
- نائلة بنت الفَرافصة، وبنتها مريم.
- أم ولد، وبنتها أمّ البنين.
- أمّ كلثوم، ولم تنجب.
ويجدر بالذّكر أنّه لم يجمع بينهنّ جميعاً في نفس الوقت؛ فلا يجوز في الشريعة الإسلامية للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نساء في الوقت ذاته، فكان -رضي الله عنه- إن ماتت له زوجة تزوّج أخرى.
عثمان بن عفان في العهد النبوي
ترك رسول الله عثمان بن عفان عند زوجته رقيّة في غزوة بدر ليُمرّضها، فلم يشهد عثمان الغزوة لهذا السبب، ولكنّه أخذ سهماً من الغزوة كمن شهدها، أمّا بيعة الرضوان فقد كان حينها مبعوثاً من قبل رسول الله إلى مكة المكرمة؛ ليدعوهم إلى الإسلام، فوصل رسول الله خبراً أنّ عثمان قد قُتل، فدعا رسول الله أصحابه لبيعة الرضوان انتصاراً لعثمان -رضي الله عنه-، وفي اللحظة الأخيرة قبل البدء بالبيعة علم أنّ ذلك الخبر إشاعة، لكنّه أتمّ البيعة لأنها كانت خيراً، فمدّ رسول الله يده اليُمنى وقال: "هذه يد عثمان"، وضرب بيده الأخرى وقال: "هذه لعثمان"، وقد سُمّيت البيعة بهذا الاسم؛ لأن الله -تعالى- رضي عن الذين بايعوا رسول الله فيها، قال -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)، وحرّم عليهم دخول النار.
وقام عثمان بن عفان بشراء بئر رومة الذي كان مِلكاً لرجلٍ يهوديّ بعشرين ألف درهم، وجعله صدقةً للمسلمين ينتفعون منه، وساهم مع رسول الله وصحابته في تجهيز جيش غزوة العسرة، فقدّم ثلاثمئة بعيرٍ وألف درهمٍ، وهو ما لم يقدّمه أحدٌ من الصحابة، فقال رسول الله: (ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ)، وجعل يكرّرها، ولمّا رأى النبيّ أنّ المسجد النبوي لم يعد يتّسع لأعداد المُسلمين القادمين إليه من أجل الصلواتِ الخمس والاستماعِ لخُطب النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وحضور مجالس العلم، وانطلاق جيوش الغزواتِ منه، أراد أن يشتري أرضاً ناحية المسجد ويقوم بضمّها إليه، فقال لأصحابه: (مَن يَشتَري بُقعَةَ آلِ فُلانٍ فيَزِيدَها في المسجِدِ بخيرٍ له منها في الجنَّةِ)، فاشتراها عثمان -رضي الله عنه-.
عثمان بن عفان في عهد أبي بكر
كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- من الصحابة الذين يستشيرهم أبو بكر الصديق إذا أُشكِل عليه أمر، وهؤلاء الصحابة هم مجموعةٌ من سُمّوا بأهل الحلِّ والعقد، وقد اتصفوا بالعدالة، والعلم، والحكمة، والنصحية للمسلمين، كما يجب أن يكونوا ممّن يثق المسلمون برأيهم ويتبعوهم، وهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وهم الفقهاء من الصحابة، ولمّا كان أبو بكر الصديق يحتضر للموت أحضر عثمان لِيُملي عليه وصيّته، ولما كاد يذكر اسم الخليفة من بعده أُغشيَ عليه، فكتب عثمان: عمر، فلمّا أفاق سأله عمّن كتب، فقال له: عمر، فردّ أبو بكر: لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لها، وقال ابن عمر أنّ المراد بقوله -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)، هو عثمان بن عفان.
وامتنع المطر في عهد أبي بكر الصديق، فجاء النّاس إليه يشكون الشّدة التي أصابتهم، فقال لهم أن يرجعوا وينتظروا فرج الله، وإذْ بقوافل عثمان قد وصلت من الشام وفيها مئة راحلة من الطعام، فتوجه الناس إليه يطلبون منه الشراء من الطعام، فأدخلهم وسألهم عن ربحه منهم، فقالوا: "لكل عشرة اثنا عشر"، فقال: "قد زادوني"، قالوا: "من الذي زادك"؟ قال: "زادني الله بكل درهم عشرة"، وجعل الطعام صدقة للمسلمين، فرأى ابن عباس في منامه في تلك الليلة أن رسول الله وهو على برذون أبيض وأسود يعلوه النور، وفي قدميه نعلٌ من نور، وبيده قضيب من نور، وكان يمشي بسرعة، فقال له رسول الله أنّ الله -تعالى- قد قبل الصدقة من عثمان وزوّجه عروساً من الجنّة، وإنّا قد دُعينا إلى العرس.
عثمان بن عفان في عهد عمر بن الخطاب
كان عثمان بن عفان ممّن أشار على عمر بن الخطاب بإحصاء النّاس وعدّهم؛ ليعلم من منهم يأخذ من أموال بيت المال، فقد جعله عمر من أهل الشورى، وأهل الشورى هم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وقد جعل عمر الخلافة من بعده لأحدٍ من هؤلاء، فقام عبد الرحمن بن عوف إلى النّاس واستشارهم، فقال: "لم أرَ الناس يعدلون بعثمان أحداً"، فكانت الخلافة له بالاتّفاق، وفي السنة الثالثة والعشرين أذِن عمر لزوجاتِ النبيِّ بالخروج إلى الحج ، فأرسل معهنّ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير أمامهنّ وعبد الرحمن خلفهنّ، فينزلان قبلهنّ في الشِّعاب، ولا يدعان أحداً يمرُّ عليهنّ.
خلافة عثمان بن عفان
تولّى عثمان الخلافة بعد عمر بن الخطاب، وقد وصل الخلافة بطريق الشورى من قبل الستة من الصحابة الذين عيّنهم عمر، فتشاورا وأجمعوا على عثمان بن عفان، وبايعه جميع الصحابة -رضوان الله عليهم-.
إنجازات الخليفة عثمان بن عفان
جمع القرآن
ازدادت الفتوحات الإسلاميّة بعدما تولّى عثمان الخلافة، فقد فُتحت الري، والأندلس، وجزء كبير من بلاد الروم وخراسان، واصطخر، والكثير من البلدان، وتوسّع المسجد النبوي، وانتشر الإسلام، وطال العهد وابتعد عن عهدِ رسول الله، وأصبح أهل كل بلدٍ يأخذون القرآن عن قراءة من اشتُهرت قراءته من الصحابة في بلدهم، فوقع النّاس في خلافٍ على أمر القراءة، وليس هناك من يحتكمون إليه في هذا الخلاف، فكادت الفتنة أن تقع بين الناس.
وكان ذلك في السنة الثلاثين من الهجرة، فقام عثمان بجمع المصحف ووضعه بين دفّتين معتمداً على المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق، ووكّل زيد بن ثابت بذلك الأمر، وأمر بنسخ مصحف أبي بكر وضبطه وفق لهجة قريش، ووزَّعها على الأمصار، وأمر النّاس بنسخها وإتلاف ما كان قبلها، وأُطلق على الرسم الذي كُتبت به هذه المصاحف؛ الرسم العثماني، نِسبةً إليه -رضي الله عنه-.
نشأة الاسطول الإسلامي
كان معاوية قد اقترح على عمر بن الخطاب أثناء خلافته بناء أسطولٍ بحريٍّ إسلامي، لكن عمر عارض ذلك، وبقي معاوية مُصرّاً على ذلك حتى تُوفّيَ عمر وتولّى الخلافة عثمان، فعرض معاوية الأمر عليه فعارض عثمان ذلك أيضاً بناءً على معارضة عمر لذلك، ولأنه كان يعلم حرص عمر على تحقيق الأمن للمسلمين، فكان رأي عثمان مثل رأي عمر، لكنّ معاوية ظلّ متمسّكاً بإلحاحه على عثمان حتى أخذ منه الموافقة، وكانت بشرط أن لا يُجبر أحداً من المسلمين على خوض غمار الغزو في البحر، وأن يقود الجيش بنفسه وبرفقته زوجته؛ حتى يكون شجاعاً ويبذل قوّته في القتال، مع أخذه لجميع الاحتياطات في ذلك، فوافق معاوية وأخذ بإنشائه.
واستعان معاوية بعبد الله بن أبي السرح والي مصر، وذلك لأنّ مصر كان فيها معامل صناعة السفن، بالإضافة إلى وجود العمال المُدرّبين على ذلك، والأشجار التي يصلح استخدام أخشابها في صناعة السفن، وما كانت أربع سنواتٍ حتى قام معاوية بغزو جزيرة قبرص التي كانت تشكّل تهديداً مستمراً للمسلمين من قبل الشواطئ، فطلب أهلها المصالحة مع المسلمين، فوضع عليهم معاوية الجزية، واشترط عليهم إخبار المسلمين بالاعتداءات القادمة نحوهم من الرّوم، وأن يقفوا في الصفِّ المُحايد بين الروم والمسلمين إذا وقعت الحرب بينهم، وأن يسمحوا لجيوش المسلمين بالمرور من جزيرتهم إذا احتاج الأمر لذلك، لكنهم نقضوا العهد، فقام معاوية بغزوها مرة أخرى وضمّها إلى الدول التي تقع تحت الخلافة الإسلامية، وخاض في البحر أيضاً معركة ذات الصواري التي انتهت بنصر المسلمين ضد البيزنطيّين.
زيادته في المسجد النبوي
أول توسعة للمسجد النبوي كانت في عهد رسول الله حين حثّ صحابته على الصّدقة من أجلِ ذلك، فقام عثمان بن عفان بتولّي تكلفة التوسيع، ثمّ في عهد عثمان شكى المسلمون إليه ضيق المسجد النبوي، وأنّه أصبح لا يسعهم وخاصّةً يوم الجمعة حين يجتمعون لأداء الصلاة، فجمع عثمان بن عفان أهل المشورة واستشارهم في توسيع المسجد فوافقوه.
فصلّى بالناس وصعد إلى المنبر يخطب بهم، فقال: "أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأزيد فيه، وأشهد أني سمعت رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم- يقول: من بنى مسجداً بنى اللَّه له بيتاً في الجنة، وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه"، فلمّا سمع المسلمون بذلك فرحوا ودعوا له، فقام بتوسعته من العديد من الجهات، وبنى جدرانه بالحجارة المنقوشة وطلاها بالجبس، وصنع الأسقف من الساج، وجعل في الجدران من الأعلى نوافذ.
زيادته في المسجد الحرام
كان المسجد الحرام في عهد رسول الله وأبي بكر يضمُّ الكعبة وحولها فناء ليطوف الناس فيه، ولم يكن يفصل بين المسجد والبيوت من حوله أي فاصل، فلمّا تولى عمر الخلافة قام بشراء مجموعةٍ من البيوت وهَدَمها، وضمَّ أرضها إلى المسجد، وبنى حوله جداراً قصيراً، فكان عمر بن الخطاب أول من اتخذ جداراً للمسجد الحرام، ثمّ لمّا تولّى الخلافة من بعده عثمان فَعَل مثلما فَعَل عمر وبنى المسجد والأروقة، فكان عثمان أوّل من اتّخذ الأروقة للمسجد، وكان ذلك في السنةِ السادسةِ والعشرين من الهجرة، وقد بلغ مقدار ما قام بتوسعته ثمانمئةٍ وتسعاً وستّين متراً.
تحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة
طلب النّاس من عثمان أن يقوم بتحويل الساحل من الشعيبة إلى جدّة، كونها أقرب إلى مكّة وأكبر، فذهب إليها عثمان ونظر فيها فوجدها مناسبة، فاتّخذها بدلاً من الشعبية، ودخل البحر وقال لمن معه ادخلوا، ولا يدخل أحد البحر إلّا بمئزر، فاغتسل واغتسلوا، وكان ذلك في السنةِ السادسةِ والعشرين من الهجرة.
مناقب وفضائل عثمان ابن عفان
تحلّى عثمان بن عفان بالكثير من فضائل الأخلاق ومكارمها، ومن هذه الفضائل:
- ذو النورين: فقد تزوّج ابنتين من بنات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
- الملائكة تستحي منه لشدّة حيائه: فقد روت السيدة عائشة فقالت: (كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- مُضْطَجِعًا في بَيْتِي، كَاشِفًا عن فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فأذِنَ له، وَهو علَى تِلكَ الحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فأذِنَ له، وَهو كَذلكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ، قالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ ذلكَ في يَومٍ وَاحِدٍ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ له وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ له وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِن رَجُلٍ تَسْتَحِي منه المَلَائِكَةُ).
- أحد العشرة المبشرين بالجنّة ، وثالث الخلفاء الراشدين، ومن السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين.
- أحد حفظة القرآن الكريم ، وقد قرأة كاملاً في ركعةٍ واحدة في الصلاة، وكان أعلم الصّحابة بالمناسك.
- أحد الستّة الذين تُوفّي رسول الله وهو عنهم راضٍ، وأحد الذين جمعوا القرآن في حياة رسول الله وحفظوه.
وفاة عثمان بن عفان
كان عثمان بن عفان قد رأى في منامه رسول الله يقول له: "أتُحبّ ان تفطر عندنا الليلة؟" فقال عثمان: نعم، فأصبح عثمان صائماً، ومات وهو يقرأ القرآن، في شهر ذي الحجة من السنة الخامسة والثلاثين من الهجرة، ودُفن بالبقيع.