بحث حول حماية البيئة وحقوق الإنسان
أهمية حماية البيئة من منظور حقوق الإنسان
تُنادي العديد من الشعوب بضرورة التعامل مع مسألة حماية البيئة واعتبارها أحد حقوق الإنسان، وعلى العكس من القانون البيئي الدولي الذي يُصب جهوده على علاج الأثر البيئي الواقع على البيئة والدول بشكل عام، يرى المنادون بهذا الحق بأنّ حقوق الإنسان تُعالِج بشكل مباشر الآثار البيئية الواقعة على حياة الفرد، وصحته، وممتلكاته الشخصية، وهذا من شأنه أن يضمن وضع معايير أعلى لجودة البيئة من قِبَل الدول الملزَمة باتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على التلوث المؤثر بشكل سلبي على صحة الإنسان وحياته الخاصة، كما ستساهم فكرة اعتبار حماية البيئة أحد حقوق الإنسان في تعزيز سيادة القانون، إذ ستصبح الحكومات هي المسؤولة بشكل مباشر عن أيّ خلل يقع ضمن النطاق البيئي، والذي تتسبب به العديد من الجهات بما في ذلك الشركات، كما أنّه سيساهم في تحقيق العدالة، وتطبيق القوانين البيئية والقرارات القضائية، ويُمكن القول بأنّه يُمكن تأسيس حق جديد مفاده أنّ الإنسان له حق في العيش في بيئة لائقة، من خلال التوسع في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لتشمل عناصر تُصب في المصلحة العامة لحماية البيئة.
وفي هذا الصدد، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (UNHRC) عام 2005م قراراً يعترف بالصلة بين حقوق الإنسان، وحماية البيئة، والتطور المستدام، وبناءً على هذا القرار فإنّ المجلس يدعم عدداً من المبادرات البيئية في هذا النطاق، ومن ضمنها إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية (بالإنجليزية: Rio Declaration on Environment and Development)، والذي يتبنى تشجيع جميع الجهود المبذولة لتنفيذ المبادئ الواردة ضمن هذا الإعلان، ولا سيما المبدأ رقم 10، والمتعلق بتفعيل آليات لتنفيذ جملة من الإجراءات القضائية والإدارية فيما يخص الشؤون البيئية، وتكمن أهمية مبدأ إعلان ريو رقم 10 في دعمه لمشاركات الشعب في صناعة القرارات المتعلقة بالبيئة، والوصول إلى المعلومات وتحقيق العدالة.
ولعل معاملة ظاهرة التغيّر المناخي التي يُعاني العالم بأجمعه من آثارها، والتي تُعدّ حسب القانون الدولي أمراً مشتركاً بين البشرية، لهو أحد الخطوات الدولية المهمة في مجال اعتبار حماية البيئة كأحد حقوق الإنسان التي يجب أخذها بعين الاعتبار، فجميع الدول اليوم لديها مخاوف مشتركة ومشروعة تتعلق بهذه الظاهرة، وقد حذرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (بالإنجليزية: UN Human Rights Committee) مؤخراً من هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر البيئية السلبية كالتدهور البيئي، والتنمية غير المستدامة، وقد جاءت تحذيراتها نتيجة مخاوف تحيط بالأجيال الحالية والقادمة تُهدد قدرتها على التمتع بحق الحياة، من هنا يجب ملاحظة أنّ هناك علاقة وثيقة وواضحة بين حقوق الإنسان والبيئة.
حقوق الإنسان البيئية
تكفل الحقوق البيئية للإنسان الحق في العيش في بيئة ذات موارد طبيعية غير ملوثة تضمن له القدرة على البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الأرض، والمأوى، والغذاء، والماء، والهواء، بل إنّ الحقوق البيئية أكثر شمولاً من ذلك، فهي تضمن للإنسان الحق في الاستمتاع بمناظر طبيعية غير ملوثة، ويُمكن تصنيف الحقوق البيئية الخاصة بالإنسان إلى فئتين رئيسيتين، هما:
- الحقوق الأساسية أو الموضوعية البيئية للإنسان: (بالإنجليزية: Substantive Rights) ويُقصد بها الحقوق التي تتأثر في البيئة بشكل مباشر، بحيث تؤثر البيئة في وجود أو استمتاع الإنسان بحقه البيئي ذات نفسه، وتشمل الحقوق الأساسية كل من:
- الحقوق المدنية والسياسية: كحق الإنسان في الحياة، والحرية النقابية، والمساواة.
- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: كحق الإنسان في الرعاية الصحية، والحصول على الغذاء، والحصول على مستوى معيشي لائق.
- الحقوق الثقافية: كحق الوصول إلى الأماكن المقدسة.
- الحقوق الجماعية المتأثرة بالتدهور البيئي: كحقوق الشعوب الأصلية.
- الحقوق الإجرائية: (بالإنجليزية: Procedural Rights)، وهي الحقوق التي تحدد الخطوات الرسمية الواجب اتخاذها لتطبيق الحقوق القانونية، وتشمل:
- الحق في الوصول إلى المعلومات.
- المشاركة في صنع القرار.
- تحقيق العدالة.
انعكاسات المشاكل البيئية على الإنسان
تنعكس التغيّرات في النظام البيئي على الوجود البشري بطرق عديدة، من أهمّها:
- الأمن: تؤثر التغيّرات الحاصلة في تقديم الخدمات (بالإنجليزية: Provisioning Services)* في أمن الشعوب، وبالتالي يؤثر الأمن في عملية تأمين الغذاء وغيره من البضائع والسلع، كما أنّه يزيد من احتمالية وقوع المنازعات بين الأشخاص نتيجة انخفاض الموارد، كما قد يتأثر الأمن ببعض التغييرات الحاصلة في خدمات التنظيم (بالإنجليزية: Regulating Services)،* والتي قد تؤثر على تكرار وشدة حدوث الفيضانات، والجفاف، والانهيارات الأرضية، وغيرها من الكوارث الطبيعية، وقد يتأثر الأمن ببعض التغيّرات الثقافية، فقد تؤدي بعض المشاكل البيئية إلى اختفاء بعض المظاهر الاحتفالية المعتادة أو المناسبات ذات الرمزية الدينية، الأمر الذي يُساهم في إضعاف الروابط الاجتماعية في المجتمع ، وتؤثر جميع هذه التغيّرات في رفاهية الشعوب، ومعاني الحرية، والأمن والاختيار، والروابط الاجتماعية الجيدة.
- المواد الأساسية لحياة جيدة: قد تتأثر عملية الحصول على المواد الأساسية اللازمة للحصول على حياة جيدة ومقبولة بكل من تقديم الخدمات كخدمات إنتاج الغذاء، وخدمات التنظيم بما في ذلك عملية تنقية المياه.
- الصحة: ترتبط الصحة بدورها برابط قوي بكل من تقديم الخدمات كإنتاج الغذاء، وخدمات التنظيم، وخصوصاً الخدمات التي تُؤثر في توزيع الحشرات الناقلة للأمراض والمهيجات (بالإنجليزية: Irritants)، ومسببات الأمراض في الماء والهواء، وترتبط الصحة أيضاً بشكل إيجابي بالخدمات الثقافية، خصوصاً الروحية والترفيهية.
- العلاقات الاجتماعية: وتتأثر بتغيّرات الخدمات الثقافية ، والتي تؤثر بدورها في جودة ونوعية خبرة الإنسان.
- الحريات والاختيار: وتستند هذه الخصائص بشكل كبير إلى وجود المكونات الأخرى للرفاهية، وبالتالي فإنّها تتأثر أيضاً بتقديم الخدمات، وخدمات التنظيم، والخدمات الثقافية القادمة من البيئة.
وللتعرف أكثر على معلومات حول البيئة يمكنك قراءة مقال تعريف البيئة ومقال موضوع عن البيئة
ـــــــــــــــــــــــ
- تقديم الخدمات: هي المنتجات التي يحصل عليها الإنسان من النظام البيئي.
- خدمات التنظيم: هي المنافع التي يحصل عليها الإنسان من خلال تنظيمه للعمليات التي تحدث في النظام البيئي.
العلاقة بين البيئة وحقوق الإنسان
تُعرَّف حقوق الإنسان على أنّها مجموعة واسعة من القيم الموضوعة لحماية الوجود البشري، وتعزيزه، وتعزيز كل ما يتعلق به، بهدف الوصول إلى مجتمع عادل يُنصف الأفراد والجماعات ويُدافع عن المستضعفين، ويُعدّ هذا المصطلح جديداً نسبياً، فقد أصبح أكثر تداولاً منذ الحرب العالمية الثانية، وتأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945م، وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة (بالإنجليزية: United Nations General Assembly) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (بالإنجليزية: Universal Declaration of Human Rights) عام 1948م، وبهذا أضحى مصطلح حقوق الإنسان مصطلحاً عالمياً مُلزِماً لجميع الدول في شتى بقاع العالم في الحاضر والمستقبل.
للتعرف أكثر على علاقة الإنسان والبيئة يمكنك قراءة المقال العلاقة بين الإنسان والبيئة
ترتبط حقوق الإنسان ارتباطاً مهماً ومؤثراً في البيئة ، وتمتاز العلاقة بينهما بأنّها علاقة تبادلية، إذ لن يستطيع الإنسان الاستمتاع بحقوقه التي تُقرها المؤسسات العالمية إذا لم تكن البيئة التي ينتمي إليها آمنة، ونظيفة، وصحية، وفي المقابل يستحيل إيجاد إدارة بيئية مستدامة في مكان لا يحترم حقوق الإنسان، وحالياً يشهد العالم اعترافاً مُتزايداً بحق الإنسان في العيش في بيئة صحية، فاليوم يضمّ دستور أكثر من 100 دولة حول العالم هذا الحق بنص واضح وصريح، ومع ذلك لا زالت العلاقة بين حقوق الإنسان والبيئة علاقة شائكة تشوبها الكثير من الأسئلة التي لم يجد لها المسؤولون حلاً وتفسيراً، ولا زال التقصير منوطاً بالأبحاث الواجب القيام بها لدراسة هذه الأسئلة بشكل أفضل.