النحو العربي نشأته ومدارسه وقضاياه
تعريف النحو العربي
عرفه أبو بكر محمد بن السري السراج أنه يراد به أن ينحو المتكلم إذا تعلمه كلام العرب، وهو علم قام المتقدمون باستخراجه من استقراء كلام العرب حتى وقفوا فيه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة، فباستقراء كلام العرب، فاعلم أن الفاعل رفع والمفعول به نصب، وأن فعل مما عينه ياء أو واو تقلب عينه، من قولهم قام، وباع.
كما أن أبا فتح عثمان بن جني عرفه بقوله: النحو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه، من إعراب وغيره كالتثنية والجمع والتصغير والتكسير والإضافة والنسب والتركيب وغير ذلك، ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، فينطق بها، وإن لم يكن منهم، أصله نحوت نحوًا، كقولك قصدت قصدًا، ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم.
نشأة النحو
ذهب جمهور العلماء إلى أن وضع النحو كان في الصدر الأول للإسلام، إذ إن علم النحو ككل قانون تتطلبه الحوادث، وتقتضيه الحاجات، ولم يكن قبل الإسلام ما يحمل العرب على النظر إليه، فإنهم في جاهليتهم غنيون عن تعرفه، لأنهم كانوا ينطقون عن سليقة جبلوا عليها، فيتكلمون في شؤونهم بدون إعمال فكر، أو رعاية قانون كلامي يخضعون له، فبيئتهم المحيطة بهم هي معلمتهم.
ولكن بعد مجيء الإسلام تأثرت العرب بالفرس والروم والنبط وغيرهم، فحل بلغتهم ما جعلهم يغيرون عليها وعلى الدين، حتى هرعوا إلى وضع النحو، وكان وضعه ونشوؤه بالعراق، لأنه حدود البادية وملتقى العرب وغيرهم، وتوطنه الجميع لرخاء الحياة فيه، فكان أظهر بلد انتشر فيه وباء اللحن الداعي إلى وضع النحو.
وهناك فريق آخر من العلماء ذهب إلى أن العرب كانوا يتأملون موقع الكلام، وأن كلامهم ليس استرسالًا ولا ترجيحًا، بل كان عن خبرة بقانون العربية، فالنحو قديم فيهم، أبلته الأيام ثم عمل الإسلام على تجديده على يد أبي الأسود الدؤلي بإرشاد الإمام علي كرم الله وجهه.
ومن هؤلاء العلماء أحمد بن فارس القزويني الذي ذهب إلى أن علوم العربية من النحو ومصطلحاته، والخط، والعروض كانت معروفة لدى العرب من قديم الزمن، ثم درست وامحت، ثم جاء الإسلام فجددها وبعثها من جديد.
مدارس النحو
كان لتطور النحو في المراحل التي تدرج في خلالها تأثير بعيد في ظهور مدارس نحوية لها مذاهبها المختلفة واتجاهاتها المتباعدة، ومن هذه المدارس كالآتي:
المدرسة البصرية
إن من أهم ما يقوم عليه المنهج البصري هو القياس الذي تمسك علماء البصرة به، وفضلوه، وآمنوا بسلطانه وجروا عليه، ورأوا أن كا ما خرج عليه شاذ وغير مقبول؛ فاللغة التي تعتمد على القياس يأخذ بها البصريون، والتي تخالفه لا يعترفون بها، وهدفهم من ذلك هو تنظيم اللغة العربية وضبطها ولو بإهدار بعضها.
ومن أشهر علماء هذه المدرسة الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي أقام صرح النحو وتصريفه، والعلم الشهير سيبويه الذي يعد كتابه قرآن النحو، ومنهم قطرب صاحب كتاب العلل بالنحو، وأبو عثمان المازني صاحب كتاب الألف واللام، والمبرد صاحب المقتضب ومعاني القرآن.
المدرسة الكوفية
بفعل الجهود المبذولة من الكوفيين نشأت مدرستهم بعد أن تطورت المدرسة البصرية، ووصلت إلى القمة في هذا التطور، ذلك لأن أقيستها وأصولها وتعليلاتها استقرت ونضجت ونمت وقويت، ويمكن القول إنه لما ظهرت مدرسة الكوفة، كانت مدرسة البصرة ينبوع لها يمدها بالنحو والحياة، ومن هنا نستطيع القول إن المدرسة البصرية كانت سبيلًا ومنطلقاً رحب جال فيه الكوفيون للظفر بعلم النحو.
وقد كان أبو جعفر الرؤاسي شيخ الكوفين، وكان أستاذهم في النحو، ثم أصبح الكسائي والفراء إمامي النحويين الكوفيين.
المدرسة البغدادية
كانت المرحلة الرابعة لتطور النحو العربي مرحلة الترجيح بين المذهبين البصري والكوفي على يد البغداديين الذين أسسوا مدرسة كان لها مذهبها الخاص، وتقوم على الخلط بين آراء الفريقين، واختيار ما يرونه مناسباً منها، فضلًا عن الآراء والاجتهادات التي ابتكروها بأنفسهم، ويعد ابن كيسان رئيس أئمة البغداديين، ومن علماء هذه المدرسة الزجاجي.
المدرسة الأندلسية
أخذت دراسة النحو تزدهر في الأندلس منذ عصر ملوك الطوائف، فإذا نحاتها يخالطون جميع النحاة السابقين من بصريين وكوفيين وبغداديين، وإذا هم ينتهجون نهج الأخيريين من الاختيار من آراء نحاة الكوفة والبصرة، ويضيفون إلى ذلك اختيارات من آراء البغداديين، ولا يكتفون بذلك بل يسيرون في اتجاههم من كثرة التعديلات والنفوذ إلى بعض الآراء الجديدة، وقد نهج الشنتمري نهجاً لنحاة الأندلس.
قضايا النحو
إن علم اللغة علم يتعلق بالمبادئ الأساسية لصيغة المفردات واشتقاقها، وبناء الجمل ونظمها في مواضيع وفقرات، وتُساعد هذه المبادئ على النطق الصحيح، والدقة في إيجاد المعنى، والأداء الجيد في الكتابة.
وقد كان يعرف النحو في القدم على أنه ضبْط أواخر الكلمات ومعرفة حالتها إعرابًا وبناء وكيفية تركيب الجملة، ولكنه لا يتوقف على ذلك وإنما تخطى مفهومه إلى البحث في التركيب وما يرتبط بها من خواص، كما يتناول العلاقة بين الكلمات في الجمل وبين الجمل في العبارات، كما أنّ النحو هو المقياس الدقيق الذي تُقاس به الكلمات أثناء وضعها في الجمل كي يستقيم ويتضح المعنى، فتعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر.