الكمأة في القرآن الكريم
الكمأة في القرآن الكريم
خلق الله -سبحانه وتعالى- العديد من النباتات، منها ما نعرف استخداماته وفوائده ومنها ما لا نعرف، وأحد هذه النباتات الكمأة التي لم يرد اسمها صريحا في القرآن الكريم، في حين نراه واضحا في الأحاديث الشريفة؛ وفيها الإشارة أنّ الكمأة من المنّ، ولفظ المنّ جاء في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:
- سورة البقرة
قال -تعالى-: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى).
- 'سورة الأعراف
قال -تعالى-: (وَظَلَّلنا عَلَيهِمُ الغَمامَ وَأَنزَلنا عَلَيهِمُ المَنَّ وَالسَّلوى).
- سورة طه
قال -تعالى-: (يا بَني إِسرائيلَ قَد أَنجَيناكُم مِن عَدُوِّكُم وَواعَدناكُم جانِبَ الطّورِ الأَيمَنَ وَنَزَّلنا عَلَيكُمُ المَنَّ وَالسَّلوى).
الكمأة في الحديث الشريف
من فضل الله ورحمته أن بيّنَ على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- الكمأة وفوائدها الجمّة، ولا يخفى أنّ حديث النبي أحد شقّي الوحي، لقوله -عز وجل-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)، وقد وردت الكمأة في الحديث الشريف باسمها الصريح بروايات ألفاظها متقاربة، وأبرزها ما يأتي:
- رواية عند الإمام البخاري
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ)، كما رواه الإمام مسلم في رواية بنفس اللفظ.
- في رواية عند الإمام مسلم
قال -عليه الصلاة والسلام-: (الْكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ الذي أنْزَلَ اللَّهُ علَى مُوسَى، وماؤُها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ).
- في رواية عند ابن ماجه
قال -صلى الله عليه وسلم-: (الكمَأةُ من المنِّ الَّذي أنزلَ اللهُ على بني إسرائيلَ، وماؤُها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ).
ما هي الكمأة
يستخدم كثير من الناس الكمأة كغذاء، وباعتبار ذكرها في الحديث الشريف تُستخدم كعلاج كونها من الطب النبوي ، وربما كثير منّا لا يعرف هذه الثمرة الغنية بكثير من الفوائد، ولنتعرف عليها أكثر من خلال أبرز معانيها:
معنى الكمأة في اللغة
الكَمْأ: نبات يُنَقِّضُ الأرض فيخرج كما يخرج الفطر ، وربما تُسمى بذلك لانشقاق الأرض عنها، يقولون: كَمِئَتْ رِجْلِي: أي تَشَقَّقَتْ، والكمأة نوع من الدرنيات والجذور لا ورق لها ولا ساق ولا جذر ولا زهر، وتخرج في الأرض بدون زرع.
وجميع محاولات زراعتها بتدخل الإنسان باءت بالفشل لغاية الآن، حيث تنمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة، وتزداد مع كثرة الأمطار والرعد، ولذلك يسميها العرب نبات الرعد، ومن أسمائها كذلك؛ جدري الأرض، وفي الجزيرة العربية يسمونها فُقع، وفي بلاد الشام يسمونها كماه.
والكمأة شكلها مستدير أملس، تشبه البطاطا تقريباً، متفاوتة الألوان من الرمادي إلى البني إلى الأسود، وأجودها ما كان صغيراً، وما ينبت في التربة الرملية قليلة الماء، وسميت كذلك كمأة لاختفائها في الأرض، ويستدل على وجودها برائحتها والحشرات التي تطير فوقها، وفي أوروبا يستخدمون بعض الحيوانات التي تستدل عليها برائحتها.
معنى المنّ في القرآن الكريم
تشير الآيات الكريمة إلى النّعم التي أنزلها الله -سبحانه وتعالى- على بني إسرائيل ، ومن هذه النعم المنّ الذي تعددت في بيانه أقوال المفسرين؛ ومن أبرز هذه الأقوال ما ذكره شيخ المفسرين في صفة المنّ، منها: أنه كالصمغ، أو شراب حلو يمزجونه بالماء ويشربونه، وكذلك ذكر العسل، والخبز المنبسط الرقيق، والزنجبيل، والتَّرَنْجَبِين.
في حين ذكر القرطبي قول النحاس بأنه الطَّرَّنْجَبِين بالطاء، وهو قول أكثر المفسرين مبينا أنه طلٌ ينزل من السماء على شجر أو حجر، ويحلو وينعقد عسلا، ويجف جفاف الصمغ، بينما ذهب وهب بن منبه إلى أنّ المنّ مصدر يعمُّ جميع ما منّ الله به على عباده من غير تعب ولا زرع.
ومن المعاصرين وصف المنّ بأنه نقط حمراء تتجمع على أوراق الشجر بين الفجر وطلوع الشمس، وهي نوع من الحلوى اللذيذة المغذية سهلة الهضم سريعة الامتصاص في الجسم.
معنى الكمأة في الحديث الشريف
يمكن تلخيص أقوال شراح الحديث في بيان معنى الكمأة بأقوال ثلاثة:
- إنها من المنّ الذي أنزل على بني إسرائيل
وهو الطل الذي يسقط على الشجر، أي شبه به الكمأة والجامع بينهما أن كلاً منهما يوجد بغير تدخل من الإنسان.
- إنها من المنّ الذي امتن الله به على عباده عفوا بغير علاج
قال الخطابي : "ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل على بني إسرائيل، وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي".
- يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعا؛ منها ما يسقط على الشجر ومنها ما يخرج من الأرض فتكون الكمأة منه
وبهذا جزم بعض أهل العلم، فقالوا إن المنّ الذي أنزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط بل كان أنواعا مَنّ الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفوا، ومن الطير التي تسقط عليهم بغير اصطياد، ومن الطل الذي يسقط على الشجر.
الرابط بين الكمأة والمنّ
المنّ مصدر بمعنى المفعول أي مَمْنُونٌ به، وجميع نعم الله منّا منه -عز وجل- واختصاص المنّ بهذا الاسم لكونه لا صنع فيه لأحد، وعلى ضوء ذلك يمكن أن نفهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ)؛ أي من جنس المنّ الذي أنعم الله به على بني إسرائيل وهو جميع ما منّ به على عباده مما يخلق تلقائيا من غير زرع ولا تعب.
وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: (وماؤُها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ)، فهي من الطب النبوي الذي أشار إليه القدماء والمعاصرون من الأطباء، وذكروا فوائد ومكونات الكمأة والاستشفاء بها في مجالات متعددة خاصة الأمراض التي تصيب العين، لكن ينبغي الإشارة هنا أنه رغم إيماننا وتصديقنا بحديث النبي -عليه السلام- لكن ينبغي أن يكون الاستشفاء بإشراف أهل الاختصاص في هذا المجال.