الغزل العفيف في العصر الأموي
الغزل العفيف في العصر الأموي
الغزل العفيف نوع من أنواع الغزل الذي ظهر وانتشر بشكل كبير في العصر الأموي، وسمّي أيضًا بالغزل العذْري، وسبب التسمية هذه إلى قبيلة عذرة التي ظهر منها واشتهر شعراؤها به، وانتشر في البادية عند شعراء وقبائل كثر، وهو غزل عفيف نقي يعبر عن المشاعر الصادقة في الحبّ ويقتصر على محبوبة واحدة، على عكس الغزل الصريح أو الفاحش .
أسباب ظهور الغزل العفيف/ العذري
أدّت إلى ظهور هذا النوع من الشعر عدّة أسباب، ومنها ما يأتي:
- يعبر الغزل العذري عن جماعة مسلمة تتميز بالتقوى
فقد كانت تفضّل السلامة والعافية على المغامرة والخطر، فكانوا يرون أن النفس أمارة بالسوء، وعلى الإنسان أن يصبر لأن النار حفّت بالشهوات، فكان شعرهم مظهرًا للعواطف الملتهبة والمتعففة في آن واحد والتي وجدت في تعبيرها الفني هذا خير ما تعبّر به عن عواطفها.
- مجيء الإسلام
من أقوى العوامل التي أدت لظهور الغزل العفيف، فأظهر إدراكًا للعاطفة، وهذا يظهر فيما دعا إليه من جهاد النفس ومقاومة الأهواء، والتوجه للزهد، فكانت مقاومة الهوى هي سبيل ظهور الزهد هند هؤلاء.
- تغيّر مقرّ الدولة وأصبح في العراق بدلًا من الحجاز.
فأصيبت النفوس باليأس من الناحية المادية، وبالمقابل ظهر شيء بسيط من الأمل لكنه ليس كالأمل الكبير عند الحضر، فاختلط مزاج البداوة بين اليأس والأمل فأصبح مزاجهم لا هو بدوي غليظ ولا حضريّ رقيق وإنما شيء في وسطهما.
- ظروف الحياة الدينية والاجتماعية في البادية
وبالطبع تأثر الأدب بشكل أساسي ببيئته، فنتج نموذجان للشعر العذري: الغزل العفيف الوصفي الذي سيطرت عليه نزعة الحب الوجداني ومثله بشكل أساسي جميل بن معمر المعروف بجميل بثينة، وغزل نقي باهر سيطرت عليه نزعة الحب الوصفي مثله بشكل أساسي ذي الرمة.
سمات الغزل العذري/ العفيف
يتميز شعر الغزل العذري بمجموعة من السمات، منها ما يلي:
- تجنب الوصف الحسي والمادي، والتوجه إلى التعبير عن المشاعر والأحاسيس مثل الشوق والحزن والألم والحب والأرق وغيرها.
- تصوير المعاناة التي تأتي بسبب الحبّ أولًا وبسبب عدم التمكن من البعد عن المحبوبة أو صدّها.
- الاستقلال، فقصائد الغزل العفيف موضوعها واحد، وهذه مختلف عن السابق حين كان الغزل يشكّل جزءًا تقليديًا من قصائد الجاهليين، بينما الغرض من القصيدة يكون مختلفًا وليس هو الغزل.
- وحدة الموضوع، فالشاعر الذي كتب في الغزل العفيف كان كل ما يشغله في حياته الحب، فلم يكتب بأغراض أخرى، وإنما كان يذكر حبه قيامًا وقعودًا في كل الأوقات، ويعبر عمّا أصابه من عمق هذا الحب وحرارته.
- اللون الواحد، إذ إن قصائد الغزل العذري على اختلاف شعرائها مطبوعة بقالب واحد لم تخرج عنه أبدًا.
- العفة والسمو، فكانت المعاني والمصطلحات المتضمنة في قصائد الغزل العذري عفيفة تسمو عن الدنايا البشرية النفسية والذاتية والشهوات الإنسانية، ولذا وصفت بالبعد عن المادية الحسية.
- التفرغ للغزل، فطبيعية الحياة عند هؤلاء لم تكن مليئة بما يشغلهم، لذا تفرغوا لوصف المحبوبة ومحاسنها، على عكس من سبقهم في العصر الجاهلي الذين كانت حياتهم مليئة بالفقر والقسوة والحروب والمآسي.
أشهر شعراء الغزل العفيف/ العذري
كان زعيم شعراء الغزل العذري ورائد هذا النوع من الغزل جميل بن معمر المعروف بجميل بثينة، وهناك شعراء آخرون تبنوا هذا الاتجاه من الغزل، منهم:
- قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى، نسبة إلى ليلى التي أحبها واشتهر بحبها ولم يتغزل بغيرها، ومن أشعاره المشهورة:
أعد الليالي ليلة بعد ليلة
- وقد عشت دهرًا لا أعد اللياليا
أراني إذ صلّيت يممت نحوها
- بوجهي وإن كان المصلّى وارئيا
- قيس بن ذريح المعروف بقيس لبنى، محبوبته التي أحبها وأخلص لها وتعذب بسبب حبّها وذاق الهلاك والأسقام، ومن أشعاره المشهورة:
يقرّ بعيني قربها ويزيدني
- بها كلفًا من كان عندي يعيبها
وكم من قائل قد قال تب فعصيته
- وتلك لعمري توبة لا أتوبها
فيا نفس صبرًا لست والله فاعلمي
- بأول نفس غاب منها حبيبها
- عروة بن حزام العذري، محبوبته العفراء بنت عمّه واقتصر شعره عليها، ومن شعره:
ما بي من خبل ولا بي جنّة
ولكن عمي يا أخي كذوب:::
أقول لعرّاف اليمامة داوني
فإنك إن داويتني بطبيب:::
وغيرهم شعراء كثر، منهم: توبة بن الحمير ومحبوبته ليلى الأخيلية، وكثيّر بن عبد الرحمن المعروف بكثّير عزّة، ويزيد بن الطثرية ومحبوبته وحشية، وكانت قصصهم تشبه بعضها من حيث كيفية ولادة هذه الحب ونشأته والعذاب بسبب عدم القدرة على الزواج أو الانفصال بعد الزواج والعذاب الدائم لهم، ما يدفعهم للهيام وقول الشعر تعبيرًا عن مشاعرهم وعذابهم.