آثار المعاصي على النفس
المعاصي وأنواعها
أمر الله -تعالى- عباده بطاعته والصبر عليها، وحذّرهم من عصيانه وسوء عاقبة المعاصي عليهم، وعرّفهم أنّ أصحاب المعاصي قد عرّضوا أنفسهم إلى الخسارة في الدنيا والآخرة، وذكّرهم بألوان العقاب إن هم أصروا على ذلك، والمراد بالمعصية أنّها عكس الطاعة وخلافها، فمن عصى الله سبحانه فقد خالف أوامره وأتى شيئاً من نواهيه، فبذلك يكون قد رضي لنفسه شيئاً كرهه الله له، وذلك هو الخسران المبين كما أسماه الله تعالى في الآية الكريمة: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، لذلك يتوجب على العبد إن علم أمراً من أوامر الله سبحانه أن يمتثل له ويطبّقه.
والمعاصي كما قيل صِفة للشيطان، وشباكه التي يصطاد بها من استجاب له، فالله -تعالى- وصف الشيطان بقوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا)، فهو آمرٌ للبشر بإتيان المعاصي والذنوب ، فمن أطاعه فقد وقع في شركه، حيث قال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، وتقسّم المعاصي إلى عدّة أنواع؛ فمنها ما هو قلبيّ يأتيه القلب بإرادته كما في قوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، وقد تكون المعاصي تابعة للجوارح، فالعين تعصي بإطلاق النظر إلى ما حرّم الله سبحانه، واللسان يعصي، وآثار ذلك عظيم جداً وحذّر النبي منه، إذ قال عليه السلام: (إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ ، لا يُلقي لها بالًا ، يرفعُه اللهُ بها درجاتٍ ، وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ ، لا يُلقي لها بالًا ، يهوي بها في جهنَّمَ)، وفي تقسيم آخر للذنوب جُعل بعضها أعظم من الآخر، فهناك كبائر من الذنوب؛ كالشرك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور ، وأكل مال اليتيم، وهناك صغائر الذنوب التي وعد الله عباده أن يغفرها لهم إن اجتنبت الكبائر، حيث قال تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا).
آثار المعاصي على النفس
ذكر ابن القيّم العديد من آثار المعاصي التي تعود على صاحبها، فهي شؤمٌ عظيمٌ بلا شكّ إن كان صاحبها مصرّاً عليها، وفيما يأتي ذكر لبعض آثار المعاصي على النفس:
- الحرمان من العلم: فالعلم نورٌ يهديه الله لأصحاب الفضل والخير، ويحرم أهل الذنوب والمعاصي منه، ويُذكر في ذلك أنّ الإمام مالك كان يدرّس الإمام الشافعي ، فقال له ذات يوم: (إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً ، فلا تُطفئه بظلمة المعصية).
- الحرمان والتضييق في الرزق: وفي ذلك قال النبي عليه السلام: (إنَّ الرَّجُلَ لَيُحرَمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ الَّذي يُصيبُه).
- حصول وحشة بين العبد وربّه: فكما أنّ الطاعة تورث العبد المحبّة والقرب، فإنّ المعصية تورث الوحشة، وحتّى أنّ الله يجعل الوحشة بين العبد وأهله وزوجه وحتّى دابته.
- تعسير الأمور في وجه العاصي: فالله وعد أهل تقواه باليُسر وتدبير الأمور، وكذلك حرم منها أهل المعاصي والمتمسكين بها.
- الحرمان من الطاعة: وهو أعظم الخسائر وأفدحها التي تعود على من تمسّك بالمعاصي وتاجر بها، فقد ورد أن رجلاً جاء الحسن البصريّ يخبره أنّه ينوي قيام الليل ويهيّؤ نفسه لذلك فلا يستطيع، فأجابه البصريّ: (ذنوبك قيدتك).
- فتح باب تعدد المعاصي على العاصي: إذ تُحبّب المعاصي إلى قلب صاحبها حتّى يصعب عليه تركها.
- هوان المذنب على الله وعلى الناس: حيث يقول الحسن البصريّ: (هانوا على الله فعصوه ولو عزُّوا عليه لعصمهم وإن هان العبد على ربه لم يكرمه أحد)، وكذلك يسقط الله هيبته في عيون الناس من حوله، إذ يقول أبو الدرداء: (إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر).
- قرب زوال النعم عن العاصي: فالنعم تدوم على صاحبها بشكرها، ولا يكون الشكر مع المعصية، فيوشك الله سبحانه أن يأخذ نعمته من عبده العاصي.
أمور تعين على ترك المعاصي
هناك العديد من الأمور المعينة على ترك المعاصي والثبات على التوبة بعد ذلك، فإن علمها الإنسان وعمل بها كانت له معيناً لتحقيق غايته، ومما يعين على ترك المعاصي واجتنابها ما يأتي:
- إدراك العبد لقبح المعاصي وشؤمها، وسوء منقلبها على صاحبها ولو بعد حين، وأنّ الله -سبحانه- ما حرّمها على عباده إلا ليرفعه عن الرذائل والسفاسف.
- الشعور بالحياء من الله عزّ وجل، فهو مطّلع على عبده طوال الوقت يرى حاله وقت المعاصي ، ولا يخفى عليه شيء من ذلك.
- تذكّر النعم التي تفضّل الله -سبحانه- على عبده بها، وأنّ هذه النعم محكومة بالشكر والعمل الصالح، فإن قابلها بالذنوب يوشك الله أن يحرمه منها، وأنّ تاب إلى الله سبحانه واستغفره وترك معصيته فإنّ الله يتمّم فضله ونعمه عليه، ويزيدها كذلك.
- الخوف والخشية من عقاب الله في الدنيا والآخرة.
- محبّة الله سبحانه، وهو من أعظم وأقوى الدوافع لترك المعاصي وهجرها، فالدليل على الحبّ أن يطيع المحبّ محبوبه.
- تعزيز النفس ورفع شأنها، وتذكّر أنّ المعصية تضع من شأنها وتحقّرها وتساويها بالسفلة أهل العصيان.
- قِصر الأمل في الدنيا والركون إليها، واليقين بقرب الدار الآخرة ويوم الحساب، فهذا من أنفع ما يجعل العبد يسارع في ترك المعاصي والتوبة منها.
- ترك الزيادة في الطعام والشراب واللباس، وتجنّب مخالطة الناس ومجاملتهم، فإنّ القوة التي تدعو إلى العصيان تنشأ من هذه الزيادات في المباحات لِتصرف فيها، فإن تركها العبد حصر نفسه في الطاعات ولم ينظر إلى غيرها من أبواب الخلطة والعصيان.