الطبيعة في شعر نازك الملائكة
الطبيعة في شعر نازك الملائكة
تميزت الشاعرة العراقية الناقدة نازك الملائكة باستخدامها عناصر الطبيعة في قصائدها لتمزجها مع مشاعر الحزن والحب والشوق، وفيما يلي مجموعة من أشهر القصائد التي استخدمت فيها نازك الملائكة عناصر الطبيعة في الشعر:
قصيدة: في أحضان الطبيعة
تقول الشاعرة في الأبيات:
أيها الشاعرون يا عاشقي النبـ
- ـل وروح الخيال والأنغام
ابعدوا ابعدوا عن الحبّ وانجو
- بأغانيكم من الآثام
اهربوا لا تدّنسوا عالم الفنّ
- بهذي العواطف الآدميّه
احفظوا للفنون معبدها السا
- مي وغنوا أنغامها القدسيّه
قد نعمتم من الحياة بأحلى
- ما عليها وفزتم بجناها
يعمه الآخرون في ليلها الدا
- جي وأنتم تحيون تحت سناها
اقنعوا باكتآبكم واعشقوا الفنّ
- وعيشوا في عزلة الأنبياء
وغدا تهتف العصور بذكرا
- كم وتحيون في رحاب السماء
اقنعوا من حياتكم بهوى الفنّ
- وسحر الطبيعة المعبود
واحلموا بالطيور في ظلل الأغـ
- ـصان بين التحليق والتغريد
اعشقوا الثلج في سفوح جبال الـ
- أرض والورد في سفوح التلال
وأصيخوا لصوت قمريّة الحقـ
- ـل تغني في داجيات الليالي
اجلسوا في ظلال صفصافة الوا
- دي وأصغوا إلى خرير الماء
واستمدّوا من نغمة المطر السا
- قط أحلى الإلهام والإيحاء
وتغّنوا مع الرعاة إذا مرّ
- وا على الكوخ بالقطيع الجميل
وأحبوا النخيل والقمح والزهـ
- ـر وهيموا في فاتنات الحقول
شجرات الصفصاف أجمل ظلاّ
- من ظلال القصور والشرفات
وغناء الرعاة أطهر لحنا
- من ضجيج الأبواق والعجلات
وعبير النارنج أحلى وأندى
- من غبار المدينة المتراكم
وصفاء الحقول أوقع في النفـ
- ـس من القتل والأذى والمآثم
وغرام الفراش بالزهر أسمى
- من صبابات عاشق بشريّ
ونسيم القرى المغازل أوفى
- لعهود الهوى من الآدميّ
وحياة الراعي الخياليّ أهنأ
- من حياة الغنيّ بين القصور
في سفوح التلال حيث القطيع الـ
- ـحلو يرعى على ضفاف الغدير
حيث تثغو الأغنام في عطفة المر
- ج وتلهو في شاسعات المجالي
وينام الراعي المغرّد تحت السّـ
- ـرو مستسلما لأيدي الخيال
في يديه الناي الطروب يناجيـ
- ـه ويشدو على خطى الأغنام
مستمدّا من همس ساقية السفـ
- ـح لحون الشباب والأحلام
آه لو عشت في الجبال البعيدا
- ت أسوق الأغنام كل صباح
وأغنّي الصفصاف والسرو أنغا
- مي وأصغي إلى صفير الرياح
أعشق الكرم والعرائش والنبـ
- ـع وأحيا عمري حياة إله
كلّ يوم أمضي إلى ضّفة الوا
- دي وأرنو إلى صفاء المياه
أصدقائي الثلوج والزهر والأغـ
- نام, والعود مؤنسي ونجيّي
ومعي في الجبال ديوان شعر
- عبقريّ لشاعر عبقريٍّ
أتغّنى حينا فتصغي إلى لحـ
- ـني مياه الوادي ومرتفعاته
وأناجي الكتاب حينا وقربي
- هدهدٌ شاعرٌ صفت نغماته
وخرير من جدول معشب الضفّـ
- ـة يجري إلى حفاف الوادي
وثغاء عذب من الغنم النشـ
- ـوى وهمسٌ من النسيم الشادي
آه لو كان لي هنالك كوخ
- شاعريٌّ بين المروج الحزينة.
قصيدة: في الريف
تقول الشاعرة في الأبيات:
عند هذي الأكواخ شاعرتي ألـ
- ـقي المراسي تحت الفضاء الصاحي
أنظري أيّ عالم فاتن المجـ
- ـلى بعيد عن ضجّة الأتراح
أنظري عّلنا بلغنا أخيرا
- ذلك الشاطىء الذي نتمّنى
بعد ليل من المسير طويل
- ضاع فيه عمري كلالا وحزنا
أنظري أنظري هنا العشب الأخـ
- ـضر نشوان في سفوح الجبال
عند نبع من قنّة الجبل الأبـ
- ـيض يجري تحت السّنا والظلال
الصباح الجميل قد توّج الود
- يان بالضوء والجمال البهيج
ما أحبّ الحياة في هذه الجنّـ
- ـة تحت الضياء بين المروج
ما أحبّ الصفاء يحتضن الأشـ
- ـجار والواد النضير الخصيبا
ما أرقّ الأزهار في مهدها الور
- ديّ ما أعطر الربى والسهوبا
كلّ شيء في هذه الجّنة الحلـ
- ـوة يوحي بأننا قد وصلنا
ها هنا شاطىء السعادة هذا
- حلم قلبي فما ألذّ وأهنا
فلنطف بالعرائش الخضر فلنغـ
- ـنم صفاء الحياة بعد أساها
فلتجفّ الدموع فليمض أمس
- مرّ بالقلب باكيا أوّاها
ولنعش للصفاء يفتن دنيا
- نا غناء الرعاة عند الجبال
ونشيد تديره شفتا طفـ
- ـل يغّني على تلول الرمال
وقطيع الأغنام في المرج تحت الظـ
- ـلّ والفجر والندى والنسيم
وليالي الحصاد و القمر السحر
- يّ والطيف والصدى والغيوم
فلنُقَضِّ الحياة في هذه الجنـ
- ـة ناسين حادثات الحياة
ها هنا فتنة الطبيعة تنجي الـ
- ـكائن الحيّ من خيال الممات
ها هنا أستطيع أن أفهم السرّ
- ففيم الأسى وفيم البكاء؟
قصيدة: كآبة الفصول الأربعة
تقول الشاعرة في الأبيات:
نحن نحيا في عالم كله دمـ
- ـع وعمر يفيض يأسا وحزنا
تتشفّى عناصر الزمن القا
- سي بآهاتنا وتسخر منا
في غموض الحياة نسرب كالأشـ
- ـباح بين البكاء والآهات
كلّ يوم طفل جديد وميت
- ودموع تبكي على المآساة
ثم ماذا ؟ في أيّ عالمنا المحـ
- ـزن نلقى العزاء عمّا نقاسي؟
عند وجه الطبيعة الجهم أم عنـ
- ـد فؤاد الزمان وهو القاسي
قد عبرنا نهر الحياة حيارى
- في ظلام الفصول والسنوات
وثبتنا على أسانا خريفا
- وربيعا فما جمال الحياة ؟
طالما مرّ بي الخريف فأصغيـ
- ـت لصوت القمريّة المحزون
وأنا في سكون غرفتي الدجـ
- ـياء أرنو إلى وجوم الغصون
طالما في الخريف سرت إلى الحقـ
- ـل وأمعنت في وجومي وحزني
كيف لا والكآبة المرّة الخر
- ساء قد رفرفت على كل غصن
والحمام الجميل قد هجر الأعـ
- ـشاش سأمان من وجوم السهوب
وطيور الكنار آثرت الهجـ
- ـرة والعيش في حقول الجنوب
وغصون الشجار مصفرّة الأو
- راق والزهر ذابل مكفهرّ
ورياح الخريف تعبث بالأو
- راق والسحب في الفضاء تمرّ
طالما سرت في المساء وفي سمـ
- ـعي صوت الأوراق تحت خطايا
كلما سرت خطوة أنّت الأو
- راق فاستجمعت بعيد أسايا
أرمق الحقل والجداول قد جفـ
- ـت ولون الفضاء أسود غائم
وأحسّ البوم الكئيب يغنّي
- من بعيد بين النخيل الواجم
وأرى النهر من بعيد كسرّ
- غلّفته أيدي الخريف الكئيب
لا رعاة على شواطئه يز
- جون أغنامهم قبيل الغروب
لا اخضرار يغري الحزانى بأن يسـ
- ـعوا إليه ولا صفاء جميل
ليس إلا رطوبة الأرض والوحـ
- ـشة والصمت والربى والنخيل
فإذا رعشة تضمُّ فؤادي
- وإذا الروح ضائق بأساه