الرثاء في شعر البارودي
الرثاء في شعر البارودي
وردت مجموعة من القصائد الرثائية في قصيدة البارودي لعل من أبرزها ما يأتي:
قصيدة أيد المنون قدحت أي زناد
قال فيها:
أَيَدَ الْمَنُونِ قَدَحْتِ أَيَّ زِنَادِ
- وَأَطَرْتِ أَيَّةَ شُعْلَةٍ بِفُؤَادِي
أَوْهَنْتِ عَزْمِي وَهْوَ حَمْلَةُ فَيْلَقٍ
- وَحَطَمْتِ عُودِي وَهْوَ رُمْحُ طِرَادِ
لَمْ أَدْرِ هَلْ خَطْبٌ أَلَمَّ بِسَاحَتِي
- فَأَنَاخَ أَمْ سَهْمٌ أَصابَ سَوَادِي
أَقْذَى الْعُيُونَ فأَسْبَلَتْ بِمَدَامِعٍ
- تَجْرِي عَلَى الْخَدَّيْنِ كَالْفِرْصَادِ
ما كُنْتُ أَحْسَبُنِي أُرَاعُ لِحَادِثٍ
- حَتَّى مُنِيتُ بِهِ فَأَوْهَنَ آدِي
أَبْلَتْنِيَ الحَسَراتُ حَتَّى لَمْ يَكَدْ
- جِسْمِي يَلُوحُ لأَعْيُنِ الْعُوَّادِ
أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْيَ لَوَافِحٌ
- وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْيَ بِوَادِي
لا لَوْعَتِي تَدَعُ الْفُؤَادَ وَلا يَدِي
- تَقْوَى عَلَى رَدِّ الحَبِيبِ الْغَادِي
يا دَهْرُ فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيلَةٍ
- كَانَتْ خُلاصَةَ عُدَّتِي وَعَتَادِي
إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَ لِبُعْدِهَا
- أَفَلا رَحِمْتَ مِنَ الأَسى أَوْلادِي
أَفْرَدْتَهُنَّ فَلَمْ يَنَمْنَ تَوَجُّعَاً
- قَرْحَى الْعُيُونِ رَوَاجِفَ الأَكْبَادِ
أَلْقَيْنَ دُرَّ عُقُودِهِنَّ وَصُغْنَ مِنْ
- دُرِّ الدُّمُوعِ قَلائِدَ الأَجْيَادِ
يَبْكِينَ مِنْ وَلَهٍ فِرَاقَ حَفِيَّةٍ
- كَانَتْ لَهُنَّ كَثِيرَةَ الإِسْعَادِ
فَخُدُودُهُنَّ مِنَ الدُّمُوعِ نَدِيَّةٌ
- وَقُلُوبُهُنَّ مِنَ الْهُمُومِ صَوَادِي
أَسَلِيلَةَ الْقَمَرَيْنِ أَيُّ فَجِيعَةٍ
- حَلَّتْ لِفَقْدِكِ بَيْنَ هَذَا النَّادِي
أَعزِزْ عَلَيَّ بِأَنْ أَرَاكِ رَهِينَةً
- فِي جَوْفِ أَغْبَرَ قَاتِمِ الأَسْدَادِ
أَوْ أَنْ تَبِينِي عَنْ قَرَارَةِ مَنْزِلٍ
- كُنْتِ الضِيَاءَ لَهُ بِكُلِّ سَوَادِ
لَوْ كَانَ هَذَا الدَّهْرُ يَقْبَلُ فِدْيَةً
- بِالنَّفْسِ عَنْكِ لَكُنْتُ أَوَّلَ فَادِي
أَوْ كَانَ يَرْهَبُ صَوْلَةً مِنْ فَاتِكٍ
- لَفَعَلْتُ فِعْلَ الْحَارِثِ بْنِ عُبَادِ
لَكِنَّهَا الأَقْدَارُ لَيْسَ بِنَاجِعٍ
- فِيها سِوَى التَّسْلِيمِ وَالإِخْلادِ
فَبِأَيِّ مَقْدِرَةٍ أَرُدُّ يَدَ الأَسَى
- عَنِّي وَقَدْ مَلَكَتْ عِنَانَ رَشَادِي
أَفَأَسْتَعِينُ الصَّبْرَ وَهْوَ قَسَاوَةٌ
- أَمْ أَصْحَبُ السُّلْوَانَ وَهْوَ تَعَادِي
جَزَعُ الْفَتَى سِمَةُ الْوَفَاءِ وصَبْرُهُ
- غَدْرٌ يَدُلُّ بِهِ عَلَى الأَحْقَادِ
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ أَنْ يُسَامَ أَخُو الأَسَى
- رَعْيَ التَّجَلُّدِ وَهْوَ غَيْرُ جَمَادِ
هَيْهَاتَ بَعْدَكِ أَنْ تَقَرَّ جَوَانِحِي
- أَسَفاً لِبُعْدِكِ أَوْ يَلِينَ مِهَادِي
وَلَهِي عَلَيكِ مُصاحِبٌ لِمَسِيرَتِي
- وَالدَّمْعُ فِيكِ مُلازِمٌ لِوِسَادِي
فَإِذَا انْتَبَهْتُ فَأَنْتِ أَوَّلُ ذُكْرَتِي
- وَإِذَا أَوَيْتُ فَأَنْتِ آخِرُ زَادِي
أَمْسَيْتُ بَعْدَكِ عِبْرَةً لِذَوِي الأَسَى
- فِي يَوْمِ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَحِدَادِ
مُتَخَشِّعَاً أَمْشِي الضَّرَّاءَ كَأَنَّنِي
- أَخْشَى الْفُجَاءَةَ مِنْ صِيَالِ أَعَادِي
مَا بَيْنَ حُزْنٍ بَاطنٍ أَكَلَ الْحَشَا
- بِلَهِيبِ سَوْرَتِهِ وَسُقْمٍ بَادِي
وَرَدَ الْبَرِيدُ بِغَيْرِ ما أَمَّلْتُهُ
- تَعِسَ الْبَرِيدُ وشَاهَ وَجْهُ الْحَادِي
فَسَقَطْتُ مَغْشِيَّاً عَلَيَّ كَأَنَّمَا
- نَهَشَتْ صَمِيمَ الْقَلْبِ حَيَّةُ وَادِي
وَيْلُمِّهِ رُزءَاً أَطَارَ نَعِيُّهُ
- بِالْقَلْبِ شُعْلَةَ مَارِجٍ وَقَّادِ
قَدْ أَظْلَمَتْ مِنْهُ الْعُيُونُ كَأَنَّما
- كَحَل الْبُكَاءُ جُفُونَها بِقَتَادِ
عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ عَلَيَّ بِقَدْرِ مَا
- عَظُمَتْ لَدَيَّ شَمَاتَةُ الْحُسَّادِ
قصيدة كيف طوتك المنون يا ولدي
قال في رثاء ابنه:
كَيْفَ طَوَتْكَ الْمَنُونُ يَا وَلَدِي
- وَكَيْفَ أَوْدَعْتُكَ الثَّرَى بِيَدِي
وَا كَبِدِي يَا عَلِيُّ بَعْدَكَ لَوْ
- كَانَتْ تَبُلُّ الْغَلِيلَ وَا كَبِدِي
فَقْدُكَ سَلَّ الْعِظَامَ مِنِّي وَرَدْ
- دَ الصَّبْرَ عَنِّي وَفَتَّ في عَضُدِي
كَمْ لَيْلَةٍ فِيكَ لا صَبَاحَ لَهَا
- سهِرْتُهَا بَاكِياً بِلا مَدَدِ
دَمْعٌ وَسُهْدٌ وَأَيُّ نَاظِرَةٍ
- تَبْقَى عَلَى الْمَدْمَعَيْنِ وَالسَّهَدِ
لَهْفِي عَلَى لمحةِ النَّجَابَةِ لَوْ
- دَامَتْ إِلَى أَنْ تَفُوزَ بِالسَّدَدِ
مَا كُنْتُ أَدْرِي إِذْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْ
- كَ الْعَيْنَ أَنَّ الْحِمَامَ بِالرَّصَدِ
فَاجَأَنِي الدَّهْرُ فِيكَ مِنْ حَيْثُ لا
- أَعْلَمُ خَتْلاً وَالدَّهْرُ كَالأَسَدِ
لَوْلا اتِّقَاءُ الْحَياءِ لاعْتَضْتُ بِالْ
- حِلْمِ هُياماً يَحِيقُ بِالْجَلَدِ
لَكِنْ أَبَتْ نَفْسِي الْكَرِيمَةُ أَنْ
- أَثْلِمَ حَدَّ الْعَزاءِ بِالْكَمَدِ
فَلْيَبْكِ قَلْبِي عَلَيْكَ فَالْعَيْنُ لا
- تَبْلُغُ بِالْدَّمْعِ رُتْبَةَ الْخَلَدِ
إِنْ يَكُ أَخْنَى الرَّدَى عَلَيْكَ فَقَدْ
- أَخْنَى أَلِيمُ الضَّنَى عَلَى جَسَدِي
عَلَيْكَ مِنِّي السَّلامُ تَوْدِيعَ لا
- قَالٍ وَلَكِنْ تَوْدِيعَ مُضْطَهَدِ
قصيدة لا فارس اليوم يحمي السرح بالوادي
قال البارودي فيها:
لا فَارِسَ الْيَوْمَ يَحْمِي السَّرْحَ بِالْوَادِي
- طَاحَ الرَّدَى بِشِهَابِ الْحَرْبِ وَالنَّادِي
مَاتَ الَّذِي تَرْهَبُ الأَقْرَانُ صَوْلَتَهُ
- وَيَتَّقِي بَأْسَهُ الضِّرْغَامَةُ الْعَادِي
هَانَتْ لِمَيْتَتِهِ الدُّنْيَا وَزَهَّدَنَا
- فَرْطُ الأَسَى بَعْدَهُ فِي الْمَاءِ والزَّادِ
هَلْ لِلْمَكارِمِ مَنْ يُحْيِي مَنَاسِكَهَا
- أَمْ لِلضَّلالَةِ بَعْدَ الْيَوْمِ مِنْ هَادِي
جَفَّ النَّدَى وانْقَضَى عُمْرُ الْجَدَا وَسَرَى
- حُكْمُ الرَّدَى بَيْنَ أَرْواحٍ وَأَجْسَادِ
فَلْتَمْرَحِ الْخَيْلُ لَهْوَاً فِي مَقَاوِدِهَا
- وَلْتَصْدَأ الْبِيضُ مُلْقَاةً بِأَغْمَادِ
مَضَى وَخَلَّفَنِي فِي سِنِّ سَابِعَةٍ
- لا يَرْهَبُ الْخَصْمُ إِبْرَاقِي وإِرْعَادِي
إِذَا تَلَفَّتُّ لَمْ أَلْمَحْ أَخَا ثِقَةٍ
- يَأْوِي إِلَيَّ ولا يَسْعَى لإِنْجَادِي
فَالْعَيْنُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دَمْعِهَا وَزَرٌ
- والْقَلْبُ لَيْسَ لَهُ مِنْ حُزْنِهِ فَادِي
فَإِنْ أَكُنْ عِشْتُ فَرْدَاً بَيْنَ آصِرَتِي
- فَهَا أَنَا الْيَوْمَ فَرْدٌ بَيْنَ أَنْدَادِي
بَلَغْتُ مِنْ فَضْلِ رَبِّي مَا غَنِيتُ بِهِ
- عَنْ كُلِّ قَارٍ مِنَ الأَمْلاكِ أَوْ بَادِي
فَمَا مَدَدْتُ يَدِي إِلَّا لِمَنْحِ يَدٍ
- ولا سَعَتْ قَدَمي إِلَّا لإِسْعَادِ
تَبِعْتُ نَهْجَ أَبِي فَضْلاً وَمَحْمِيَةً
- حَتَّى بَرَعْتُ وَكَانَ الْفَضْلُ لِلْبَادِي
أَبِي وَمَنْ كَأَبِي فِي الْحَيِّ نَعْلَمُهُ
- أَوْفَى وَأَكْرَمُ في وَعْدٍ وَإِيعادِ
مُهَذَّبُ النَّفْسِ غَرَّاءٌ شَمائِلُهُ
- بَعِيدُ شَأْوِ الْعُلا طَلاعُ أَنْجَادِ
قَدْ كَانَ لِي وَزَراً آوِي إِلَيْهِ إِذَا
- غَاضَ الْمَعِينُ وَجَفَّ الزَّرْعُ بِالْوَادِي
لا يَسْتَبِدُّ بِرَأْيٍ قَبْلَ تَبْصِرَةٍ
- وَلا يَهُمُّ بِأَمْرٍ قَبْلَ إِعْدَادِ
تَرَاهُ ذَا أُهْبَةٍ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ
- كَاللَّيْثِ مُرْتَقِباً صَيْداً بِمِرْصَادِ