الحياة والموت في القرآن
مفهوم الحياة والموت
عرفت معاجم اللغة العربية الحياة والموت بأن كل واحد منهما نقيض للآخر، فالحياة الإنسانية: نفخ الروح في جسد الجنين وهو في رحم أمه، والموت: انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقته والحيلولة بينهما، والانتقال من دار إلى دار.
الحياة والموت من سنن الكون
الموت والحياة من سنن الله -عز وجل- في هذا الكون، ومن أسراره التي لم يصل إليها أحد، وجعلها الله -سبحانه- من المفاهيم المتقابلة والمتضادة التي تكتمل بها المنظومة الكونية.
والحياة والموت بيد الله -عز وجل-؛ وهي من المعجزات الدائمة التي يشهدها الإنسان في نفسه وفيمن حوله، قال -تعالى-: (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا)،أي أنه هو وحده- سبحانه- المختص بوهب الحياة وسلبها؛ لقوله -تعالى-: (وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا).
وقد جعل الله -تبارك وتعالى- الموت والحياة امتحاناً للإنسان في عمله واختياراته؛ ليختبره في اتباع أوامر الخالق واجتناب نواهيه حسب مراده، قال -تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
معاني الحياة والموت في القرآن
تنوعت معاني الحياة والموت في القرآن الكريم وكثرت دلالاتها، ومن هذه المعاني ما يأتي:
معاني الحياة في القرآن
جاء لفظ الحياة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ولكل موضع دلالة معينة، ومن معاني الحياة في القرآن الكريم ما يأتي:
- بمعنى الحياة الدنيا
ذكر الله -عز وجل- في القرآن الكريم الحياة الدنيا بمعنى الحياة الفانية ومنها آيات تتحدث عن الحياة الدنيا للإنسان كما يأتي:
- قال تعالى-: (وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا لَعِبٌ وَلَهوٌ).
- قال -تعالى-: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ).
- قال -تعالى-: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ)
- قال -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
كما ذكر أيضاً آيات تتحدث عن الحياة الدنيا في مظاهر الكون، منها:
- قال -تعالى-: (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ).
- قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ).
- قال -تعالى-: (وَاللَّـهُ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحيا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها).
- الحياة بمعنى الإيمان
تحدث القرآن الكريم عن الحياة بمعنى الإيمان وبين أن الالتزام الديني بالمنهج الصحيح هو بمثابة الحياة للإنسان، ومن هذه الآيات ما يأتي:
- قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم).
- قال -تعالى-: (أَوَمَن كانَ مَيتًا فَأَحيَيناهُ وَجَعَلنا لَهُ نورًا يَمشي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيسَ بِخارِجٍ مِنها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلكافِرينَ ما كانوا يَعمَلونَ).
- الحياة بعد الموت
والحياة بعد الموت تنقسم إلى حياتين كما يأتي:
- حياة البرزخ بعد الموت، وذلك في قوله -تعالى-: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ)،
- الحياة الآخرة بعد البعث، قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ)،وفي قوله -تعالى-: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)،وقوله -تعالى-: (وَمَا هَـذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
معاني الموت في القرآن
قدم الله عز وجل ذكر الموت على الحياة في مواضع كثيرة، إذ قال أهل العلم بأن الموت هو الأصل لسبقه، حيث أن الإنسان قبل نفخ الروح فيه كان ميتاً لعدم وجود الروح،كما استعمل القرآن الكريم لفظ الموت ولفظ الوفاة؛ وكلاهما يطلق على المنية ومفارقة الروح للبدن، فجاء الاستدلال بهما تارة على نفس المعنى، وتارة باستعمال مجازي.
- آيات بمعنى الموت الحقيقي
الموت الحقيقي يقع مرة واحدة على كل الكائنات الحية، وهو للإنسان خروج الروح من الجسد بلا عودة، وبها ينقطع عمله، ومن الآيات التي ذكر فيها الموت ما يأتي:
- قال -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ).
- قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا).
- قال -تعالى-: (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ).
- قال -تعالى-: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ).
- قال -تعالى-: (حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ المَوتُ تَوَفَّتهُ رُسُلُنا وَهُم لا يُفَرِّطونَ).
- قال -تعالى-: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ).
- آيات الوفاة
ذكر الله -عز وجل- الوفاة في القرآن الكريم بمعنين:
- معنى النوم
ذكر الله الموت بمعنى سكون الكائنات الحية ونومها، وذلك في قوله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذي يَتَوَفّاكُم بِاللَّيلِ وَيَعلَمُ ما جَرَحتُم بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبعَثُكُم فيهِ لِيُقضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيهِ مَرجِعُكُم ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ)، وكذلك في قوله -تعالى-: (اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
- بمعنى الرفع وليس الموت
ذلك فيما جاء في ذكر النبي عيسى -عليه السلام- حيث قال -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا).