الحياة الاجتماعية والطبقية العصر الحديث
الحياة الاجتماعية والطبقية العصر الحديث
ساعد العصر الحديث بما فتحه من أسواق حديثة ومجالات عدّة من الممكن أن يشغلها المرء في تقليل انتشار الطبقية داخل المجتمع، وتغيير طبيعة الحياة الاجتماعية فيه؛ حيث تغيّرت هذه الطبقية واختلفت أشكالها؛ لتشّكل غطاء على الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي يحياها الفرد، وتقوم الطبقية في العصر الحديث على محدّدات متنوعة كالتعليم وحجم الدخل الفردي والمهنة التي يشغلها الفرد.
طبيعة الحياة الاجتماعية في العصر الحديث
ساهم ظهور الحياة الصناعية في إحداث تغييراتٍ في الحياة الاجتماعية في العصر الحديث؛ فأبناء هذا العصر لا يعترفون بالقديم من الصناعات ويبحثون دائمًا عن التطوير، وهذا الأمر انعكس على نظرتهم لحياتهم الاجتماعية؛ حيث بدأ المجتمع ينظر إلى الفرد كأساس للمجتمع منفصلٍ عن الجماعة، ويخضع الفرد المعاصر لمجموعة من القوانين المبنية على النهج العلمي، دون الارتكاز على العادات والتقاليد الاجتماعية.
تطّورت الحياة الاجتماعية في العصر الحديث على صعيديْ السعادة وطول العمر، ووصعيد الرفاهية المتمثلة بمستوى معيشة أفضل، حيث يبذل الفرد مجهودًا أقل عمّا كان ليبذله في العصور السابقة بسبب التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، كما أنّ عدد الوفيات بسبب الحوادث والأمراض والحروب أقل في هذا العصر من أي وقت مضى.
أدّت هذه الرفاهية الاجتماعية في العصر الحديث إلى ظهور عدة مشكلات على الصعيد الاجتماعي أيضًا كالتعاطي، والإجرام، ورفض التعليم، والطلاق، والصراعات العرقية والسياسية، وهذا عائد لانفتاح العالم على بعضه، مما يحفز فكرة المقارنة ويبعث على عدم الرضا، وتراجع الاهتمام الدّيني بسبب الانشغال في التطور الحياتي وكثرة الملهيات الاجتماعية والتكنولوجية في هذه العصر.
مما يعطي اعتقادًا لدى الكثيرين بأنّ الحياة في العصور الماضية كانت أفضل على المستوى الاجتماعي، بسبب الطبيعة المحافظة التي اتسمت فيها الحياة الاجتماعية في العصور السابقة، ويفتقر لها هذا العصر.
طبيعة الحياة الطبقية في العصر الحديث
قسّم علماء الاجتماع الحياة الطبقية إلى ثلاثة أقسام؛ العليا، والمتوسطة، والعاملة، وقد كانت لكل طبقة فيهم ميّزاتها المادية والاجتماعية التي تمنح المكانة الطبقية، فكانت للطبقة العليا ثروات كبيرة بسبب امتلاكها لمصادر الإنتاج في الدولة، أما عن الطبقة العاملة فتكوّنت من العمّال المأجورين، وأمّا عن الوسطى فتقع بين الطبقتين السابقتين، وتكونت من العمال المشرفين أو المدراء.
ساهم التطور الصناعي والسياسي الذي بدأ في القرن العشرين، في التقليل من وجود الطبقات وانصهارها؛ حيث أصبح من الممكن أن يشارك الأفراد من أي طبقة في عملية صنع القرار والوصول إلى السلطة بسبب انتشار التعليم والتطوّر في الجوانب المؤسساتية في الدول الحديثة، وبالتالي تنقّل الأفراد في الطبقات دون قيود، إذ ترحب طبيعة العصر الحديث بتطوير الذات الفردية وتساعد على ترقيها.
ومع الثورة الصناعية الحديثة انخفض عدد العمّال الذين يعتمدون على أيديهم وطاقتهم في الإنتاج، وتمّ التعويل على المهارات العقلية والشخصية لدى العاملين، لكن على الصعيد الآخر ساهم هذا التطوّر الصناعي في بزوغ طبقة جديدة داخل المجتمعات الحديثة وهي العاطلين عن العمل الذين أقعدتهم الثورة الصناعية الاقتصادية، وأبعدتهم عن أي مكاسب اقتصادية.
انعكاس الحياة الاجتماعية والطبقية على الإنسان الحديث
تساهم الحياة الاجتماعية والطبقية في العصر الحديث ومدى ارتقائها وقوتها في تغيير حياة الفرد المعاصر لما تتيحه من فرص، وبما تعكسه هذه الفرص على ظروفه المعيشية، وإمكانية حصوله على الموارد، فقد أشارت دراسة بريطانية أنّ الأشخاص الذين يعيشون في مناطق تعتبر محرومة، أكثر عُرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بمقدار الضِّعف من نظرائهم في المناطق غير المحرومة.
إضافة إلى أنّ الحياة الاجتماعية الجيدة، والحياة الطبقية عالية المستوى تؤثر على تعليم الفرد بما توفّره من فرص للتطور المعرفيّ واللغوي، حيث إنّ قدرة الأطفال على معالجة اللغة في البيئات الاجتماعية والطبقية الجيّدة أعلى بمعدّل ستة شهور من نظرائهم الآخرين في البيئات الاجتماعية ذات الأوضاع المتدنية، أو الدخل المادي المنخفض.
علاوة على ذلك، فإنّ مستوى الصحة العقلية والنفسية لدى الأشخاص الذين يعيشون حياة اجتماعية وطبقية منخفضة الجودة تعتبر أقلّ كفاءة من غيرهم؛ حيث تظهر لديهم حالات من الاضطرابات النفسية بمعدل أكبر من الذين يعيشون حياة اجتماعية وطبقية ذات مستوى عالٍ؛ يعود هذا لما تسبّبه مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية من توتر وقلق نفسي وصراعات داخلية تتمثل بعدم تمثيل الواقع المعاش لأحلامهم وتطلعاتهم.