التحولات التي طرأت على الشعر في العصر العباسي الأول: في البناء الفني للقصيدة ومضمونها
التحولات التي طرأت على الموضوعات الشعرية القديمة في العصر العباسي الأول
سلك الشعراء العباسيون مسالك القدماء في موضوعاتهم وأضافوا موضوعاتٍ جديدة تتناسب مع النزعة العقلية وطبيعة الحياة التي عاشها العباسيون، كما أنهم أضافوا لمساتهم على الموضوعات القديمة، وقد ثار بعض الشعراء على التقاليد الفنية للقصيدة الجاهلية التي تبدأ بالوقوف على الأطلال ثم وصف الرحلة ثم الوصول للمدوح، وقد خرج بعض الشعراء في العصر العباسي عن هذا التقليد فبدأوا بوصف القصور ثم الربيع ثم الوصول للممدوح، وهاجم بعضهم التقاليد الفنية للقصيدة الجاهلية وسخر منها كقول أبي نواس :
قل لمن يبكى على رسم درس
- واقفًا ما ضرّ لو كان جلس
تصف الرّبع ومن كان به
- مثل سلمى ولبينى وخنس
في المديح
سلك الشعراء العباسيون مسالك القدماء في المديح، كأنّ يمدحوا بالأخلاق الحسنة والصفات الكريمة، ولكنهم في مديحهم جعلوا هذه الصور كأنها صورٌ حيةٌ يبرزونها للناس كأنها أمام أعينهم، كم أنّهم في مديحهم سجلوا التاريخ والوقعات فأضحت قصائدهم وثائق تاريخية لهذ العصر، وبهذا أصبحت مدائحهم في الفتوحات أشبه بالملاحم الشعرية.
أما على مستوى بناء المدحة الفني فحافظوا على الطريقة الجاهلية التي تبدأ بالوقوف على الأطلال ووصف الرحلة وصولًا للممدوح، وأحيانًا أخرى خرجوا عن هذا التقليد كانوا يبدأون قصائدهم بوصف القصور المشيدة وبدللًا من وصف الصحراء وصف بدأوا بوصف الحدائق الغناء، وأحيانًا أخرى يصفون الخمر في بداية مدائحهم.
وهم في مدائحهم يوازنون بين الممدوح والمديح، فإن كان خليفةً وصفوه بسمات الجلال ومحاسن الأخلاق، وإن كان قائدًا وصفوه بالشجاعة والبطولة، وإن كان وزيرًا وصفوه بحسن السياسة، والقاضي والفقيه بالورع والزهد، وهم في ذلك يعملون عقولهم لاستنباط الصور والأساليب التي تناسب الممدوح.
في الهجاء
انطفأت نار العصبيات القبيلة في العصر العباسي، ومعها خفت فن النقائض، ولم تعد صور الهجاء القديمة مؤثرةً في هذا العصر، لهذا عمد الشعراء إلى أسلوبٍ جديدٍ في الهجاء وهو طرح هجائهم بطريقةٍ هزلية يسخرون فيها من المهجو، ومن موضوعات الهجاء المستحدثة النزعة الشعوبية التي كانت تزدري العرب ورأسها في الشعر بشار بن برد، وكما وازنوا بين الممدوح والمدح وازنوا بين المهجو والهجاء، فإن كان قاضيًا وصفوه بالظلم وإن كان قائدًا وصفوه بالجبن.
في الفخر
تمسك بعض الشعراء الفخر بالعصبيات القبلية، ولكن الغالب كان قد سلك مسالك أخرى في الفخر، ومن التجديد في الفخر ظهور النزعة الشعوبية التي تفتخر بغير العرب كما كان معروفًا عن بشار بن برد فقد افتخر بأخواله من الروم وآبائه من الفرس.
في الرثاء
ما كان يموتُ خليفةٌ من الخلفاء أو قائد من القواد حتى ينبري الشعراء يرثونه، ولم يكن رثائهم مجرد تحسرٍ عليهم، بل كان تسجيلاً لمآثرهم حتى يقتدي به الناس ويشعل الحماسة في قلوب الجنود، وهم في ذلك يتنافسون في استنباط الصور الجديدة، وأحيانًا يغوصون في النزعة الفلسفية التي تبحث في الوجود، وظهر نوعٌ جديدٌ من الرثاء هو رثاء المدن، كم ظهر رثاء البساتين.
في شعر العتاب والاعتذار
نظم الشعراء العباسيون في موضوع العتاب والاعتذار الذي ابتكره النابغة الذبياني في العصر الجاهلي، ولكنهم كانوا يعتمدون على قدراتهم العقلية ويستخدمون أسلوب الحجاج لإقناع الطرف المقابل.
ظهور موضوعات شعرية جديدة
تكلم الشعراء العباسيون في الموضوعات القديمة وأظافوا لمساتهم عليها، ولم يكتفوا بذلك بل راحوا يفرعون عنها موضوعاتٍ جديدةٍ يكتبون القصائد والمفطعات فيها ومن هذه الموضوعات:
- موضوع الشيم: تناول الشعراء الأخلاق الحسنة وراح يفردون لكل خلقٍ قصيدة أو قطعةٍ مستقلةٍ.
- موضوع النقائص : فهم تناولوا الأخلاق الرذيلة وراحوا يفردون لكل خلقٍ قصيدةً أو قطعةٍ مستقلةٍ.
- موضوع الصداقة والإخاء: تنازل الشعراء العباسيون هذا الموضوع وأفاضوا فيه بكثرة.
- وصف القصور.
- وصف البساتين والرياض.
- الإكثار من وصف مظاهر الطبيعة وخلع الصفات الإنسانية عليها.
- وصف الحضارة العباسية وما يتصل بها.
- وصف أعراض الأمراض التي تنتاب الشاعر.
- الشكوى من الزمن.
- رثاء المدن والبساتين والطير والحيوان ومرحلة الشباب.
- وصف مرحلة الشيخوخة.
- تحليل المشاعر الإنسانية كعطف الأب على بناته وغيرة الزوج على زوجه.
- تصوير حياة البؤس والجوع.
- شعر الطرديات ويعني وصف مواكب الصيد التي يخرج بها الخلفاء والقادة.
- شعر الهزل حيث كانوا ينظمون شعراً غايته الهزل الصرف، كأنّ يأخذوا قصيدةً حماسية ويقلبونها قصيدةً هزلية.
- الشعر التعليمي حيث كانوا ينظمون الموضوعات العلمية وقواعد العلوم على شكل قصائد.