الإسلام دين التسامح
مبادئ ومعاني التسامح في الإسلام
يعدّ التّسامح من المبادئ و الأخلاق الإسلاميّة ، ويُراد به الرّفق بالمعاملة ومقابلة السّيئة بالحسنة؛ لِتحقيق التّواصل مع الآخرين ودعوتهم للإسلام والاستفادة منهم دون التّساهل أو التنازل عن الثّوابت والقيم، حيث قال الله -تعالى-: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ).
فقد أمر الله -تعالى- بالتّسامح والإعراض عن الجاهلين وغضّ الطّرف عن الإساءة عمّا قد يتعرّض له المسلم من صور الأذى المختلفة بعد إقامة المعروف والدعوة إليه.
وتجدر الإشارة إلى أنّه ينبغي للمسلم أن يكون منطلقه وباعثه في التّحلّي والاتّصاف بالتّسامح هو طاعة الله -تعالى- ونيل مرضاته، وذلك لقوله -تعالى-: (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وهناك العديد من مبادئ التّسامح في الإسلام، نذكر بعضها فيما يأتي:
الأديان السماوية ربّانية المصدر
وقد دلّ على ذلك قول الله -سبحانه وتعالى-: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
الإيمان بجميع الأنبياء لِاتّحادهم في الرّسالة
حيث قال الله -تعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
القناعة في اعتناق الإسلام
حيث نهى الإسلام عن الإجبار والإكراه في اعتناقه، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وقوله -تعالى-: (أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ).
البرّ والصلّة والحوار الهادف لا يمنعه الاختلاف في الأديان
وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ)، وقوله -تعالى-: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
حماية العقيدة والدّين حال العدوان عليهما
وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ)، فإن تحققّت الغلبة والنّصرة للمسلمين فلا يحلّ لهم اضطهاد مَن تهجّم واعتدى عليهم، ولا إجبارهم على ترك دينهم وعقيدتهم.
مراعاة العدل والمعروف
يعدّ العدل غايةً وهدفاً لِكافّة الأديان السماويّة، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)، كما ويُعدّ ميّزة للأمّة المؤمنة لقوله -تعالى-: (وَمِمَّن خَلَقنا أُمَّةٌ يَهدونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلونَ).
وتجدر الإشارة إلى بيان أمرين:
- أوّلهما: إنّ الإسلام يراعي العدل وتطبيقه بصورةٍ عامّة وشاملة، بحيث يُطبَّق على المسلمين فيما بينهم وعلى المسلمين مع غيرهم، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا).
- ثانيهما: إنّ الإسلام يضبط التّسامح بالعدل، بحيث لا يترتّب على الالتزام به تضييع الحقوق أو الانتقاص منها، كما يضبطه بإقامة المعروف والدّعوة إليه وإنكار المنكر والنّهي عنه، بحيث لا يترتّب على الالتزام به مداهنة النّاس ومداراتهم.
مراعاة الإنسانية وحق الفرد
اهتمّ الإسلام بالحقوق الشّخصية لأفراد المجتمع ودعا إلى التّعامل مع الآخر وقبوله بغض النظر عمّا يعتقده ويتبنّاه من الأفكار والقناعات، وليس ذلك فحسب بل نَهى عن كلّ ما كان من شأنه أن ينتهك أو يؤذي هذه الحقوق، ويظهر ذلك جليّا في منهج الإسلام في التعامل مع أهل الكتاب لا سيما النصارى.
مراعاة المساواة
دعا الإسلام إلى المساواة بين النّاس بغض النّظر عن ألوانهم وأعراقهم، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حجّة الوداع: (يا أيُّها النَّاسُ: إنَّ ربَّكمْ واحدٌ، وإنَّ أباكمْ واحدٌ، ألا لا فَضلَ لعربيٍّ على عَجميٍّ، ولا لعَجميٍّ على عَربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسوَدَ، ولا لأسوَدَ على أحمرَ، إلَّا بالتَّقوَى، إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ).
كما دعا إلى نبذ التّمييز العنصريّ، وعدّه سِمة من الحضارة الجاهلية، لِما ثبت عن أبي ذرّ الغفاريّ -رضيَ الله عنه- قال: (إني كنت ساببتُ رجلاً وكانت أمُّه أعجميةً، فعَيَّرتُه بأمِّه، فشكاني إلى رسولِ اللهِ، فقال: يا أبا ذرٍّ، إنك امرؤٌ فيك جاهليةٌ).
ومن صور المساواة في الإسلام التقاء المسلمون في المساجد والوقوف بين يديّ الله -تعالى- في صفوف واحدة على اختلاف ألوانهم، وكذلك في الحجّ يقفون على صعيدٍ واحدٍ وبثياب واحدةٍ متشابهة لا فرق بينهم.
الدّعوة إلى الحوار مع الآخر
دعا الإسلام إلى التّواصل مع الآخرين والحوار معهم لعرض حقائق الدّين وبيان المقاصد الوجودية من الحياة، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى- في القرآن الكريم : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
كما أنّه لا بدّ من مراعاة قواعد الحوار في الإسلام، وهي كما يأتي:تقوى الله -تعالى- وملء القلب بالإيمان به والتّواضع له والثقة بنصره والعزّة بدينه، لقول الله -تعالى-: (وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، فلا شكّ بأنّ استشعار المسلم لِذلك أدعى لثباته وتمسّكه بالحقّ الذي يدعو إليه وعدم الانكسار والهوان أمام الباطل.
التّحلّي بالأخلاق الإسلامية
والاقتداء بمنهج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته -رضوان الله عليهم- في الحوار، ومخاطبة النّاس بالحسنى، حيث قال الله -تعالى-: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ).
قصد الحقّ وبيانه
والسّعي للوصول إليه بكافّة الوسائل التي من شأنها تحقيق مصالح العباد والبلاد.
بعض مظاهر التسامح في تعاليم الإسلام وشريعته
برزت في تعاليم الإسلام العديد من مظاهر التّسامح، نذكر بعضها فيما يأتي:
- العتق وتحرير الرّقاب
حثّ الإسلام على العتق وتحرير الرّقاب، فوضع العديد من الوسائل التي من شأنها إلغاء الرّق أو حصره والحدّ منه، ومن هذه الوسائل ما يأتي:
- جعل الإسلام أولاد الأَمَة من سيِّدها أحراراً.
- جعل الإسلام الحُكم في أمر أسرى الحرب من الأعداء لقائد الدّولة الإسلاميّة، وذلك بخيار أحد الأمرين: أوّلهما إطلاق سراحهم وتحريرهم دون مقابلٍ؛ وهو ما يُعرَف بالمنّ، وثانيهما إطلاق سراحهم وتحريرهم بمقابل، وهو ما يُعرَف بالفداء، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)، فيظهر من الآية السابقة أنّ الاسترقاق لم يكن أحد الخيارات المُتاحة في التّعامل مع الأسرى من الكفار.
- جعل الإسلام العتق وتحرير الرّقاب كفارة للحنث في اليمين ، والإفطار عمداً في شهر رمضان المبارك.
- جعل الإسلام العبد بعد عتقه وتحرير رقبته مساوياً لِمَن وُلد حُرّاً.
- تحيّة الإسلام
دعا الإسلام إلى إلقاء السّلام على المعارف وغيرهم؛ لِما فيه من بثّ الطمأنينة في نفس مَن أُلقي عليه السّلام بعدم تعرّضه لأيّ نوع من الأذى القوليّ أو الفعليّ، وليس ذلك فحسب بل جعل ردّ التحيّة على مَن طرحها واجباً من باب التّعامل بالمثل، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا).
وتجدر الإشارة إلى أمرين:
- أوّلهما أنّ الله -تعالى- أطلق على جنّته اسم دار السّلام؛ لِأنّ مَن يدخلها ضَمِن الأمن والأمان وعموم السّلامة.
- وثانيهما أنّ الله -تعالى- جعل الأفضل من المتخاصمَين مَن يُبادر بإلقاء السّلام على الآخر.
- الصّفح
دعا الإسلام إلى الصفح والعفو، وهناك العديد من الآيات القرآنية الدّالّة على ذلك، نذكر بعضها فيما يأتي:
- قول الله -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا).
- قول الله -تعالى-: (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
- قول الله -تعالى-: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا).
- قول الله -تعالى-: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)،
- يُسر الشّريعة وسماحتها
والسّماحة لُغة تعني: السّهولة واللّين، وهي إحدى الفضائل التي نادى بها الإسلام وحثّ المسلم على الاتّصاف بها، فقد امتازت الشّريعة باليُسر والسّماحة، وقد دلّ على ذلك ما يأتي:
- قول الله -تعالى-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)، حيث إنّ الله -تعالى- لم يأمر عباده بما يشقّ عليهم أو يُؤلمهم، ولم يُكلّفهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم، وذلك رأفةً ورحمةً بهم.
- قول الله -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وقال السّيوطي عن هذه الآية إنَّها "الأصل والقاعدة التي تنبثق منها التّكاليف والأحكام الشرعيّة، كما وتُبنى عليها العديد من القواعد الفقهيّة؛ كالمشقة تجلب التّيسير، والضّرورات تبيح المحظورات".
- التّسامح الدينيّ والفكري
حيث إنّ التّسامح الدينيّ والفكريّ له ثلاث درجات، وبيانها فيما يأتي:إعطاء المخالف حريّة الدّين والعقيدة ، وعدم فرض أيّ نوع من العقوبات عليه؛ كالموت أو النّفي ونحوهما جرّاء ما يتبنّاه من القناعات والعقائد، ومن مظاهر التسامح الديني والفكري:
- فتح المجال أمام المخالف لممارسة واجباته الدينيّة دون التضيّيق عليه، بحيث لا يُمنَع من فعل واجبٍ أو ترك مُحرّمٍ في عقيدته؛ كعدم تكليف اليهودي بالعمل يوم السبت لاعتقاده حرمة ذلك، وكذلك عدم منع النّصراني من الذّهاب إلى الكنيسة يوم الأحد لاعتقاده بوجوب ذلك.
- إعطاء المخالف حريّة الدّين والعقيدة وفتح المجال أمامه لممارسة شعائره الدينية التي يعتقد حلّها وإباحتها في دينه، وإن كانت مُحرّمة في الإسلام، على الرّغم من إمكانية منعه منها لكون إباحتها في دينه لا تقتضي بفرضها عليه.
فلو عَمد الإسلام إلى منع النّصارى من شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير، لم يكن عليهم حرج ديني في منعهم من ذلك لكون هذه الأمور من المباحات في دينهم لا من الواجبات، ومع ذلك لم يقضي الإسلام بالتضييق عليهم فيما يعتقدون حلّه في دينهم، وهذه أعلى درجات التّسامح الدينيّ والفكريّ.
مظاهر تسامح الدين الإسلامي مع غير المسلمين
هناك العديد من مظاهر تسامح الدّين الإسلاميّ مع غير المسلمين، نذكر بعضها فيما يأتي:
- البرّ والإحسان
دعا الإسلام إلى البرّ والإحسان والمعاملة بالمعروف مع غير المسلمين ما لم يَعمدوا إلى القتال أو محاربة الدّين، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقوله -تعالى-: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وتجدر الإشارة إلى أمرين:
- أوّلهما: أنّ المراد باللّفظ الوارد في الآية السّابقة (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)؛ هو إعطاء غير المسلمين من الأقارب وغيرهم جزء من المال كنوع من الصّلة والبرّ، ولا يُراد به العدل فقط لكونه مطلوباً في معاملة غير المسلمين ممّن يعمد للحرب والقتال وممّن لا يعمد لذلك على حدّ سواء.
- وثانيهما: أنّ حرمة أموال ودماء أهل الذمّة كحرمة أموال ودماء المسلمين.
- الإسلام يجُبّ ما قبله
بيّنت الشّريعة الإسلاميّة منذ بداية الدّعوة أنّ اعتناق الإسلام والدّخول فيه سببٌ في إلغاء كلّ ما كان قبله من الذّنوب والخطايا مهما عظُمَت، وليس ذلك فحسب بل جعل الإسلام باب التوبة مفتوحاً أمام مَن أذنب وأراد الرجوع عن ذنبه، ووعده بتبديل سيّئاته حسنات.
وجعل ما أمر به من الأعمال الصالحة وسيلة للتكفير عمّا اقترفه من الذّنوب والآثام، لِذا قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها).
- إباحة أكل طعام أهل الكتاب ونكاح نسائهم
أباح الإسلام أكل طعام أهل الكتاب والزواج من نسائهم، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ).
- حرية الدّين والعقيدة
تكفّل الإسلام بحفظ كافّة حرّيات الفرد؛ كالحرية في دينه ومعتقده، وذلك دون التّمييز بين الفرد المسلم وغيره، فلم يكن في نهج الإسلام الإجبار والإكراه على اعتناقه والدّخول فيه، لأنّ أصل الإيمان يقوم على إقرار القلب وخضوعه وتسليمه، وهو ما لا يتحقق إلّا بالحجّة والبرهان.
- عقد الأمان
عقد الأمان هو تَكفّل الدّولة الإسلامية بتوفير الحماية والأمن لغير المسلم على نفسه وماله حال إرادته الدّخول إلى أراضيها لقضاء أحد مقاصده المباحة، ويتوجّب على المسلمين عدم التّعرض له بأذيّته، أو أَسره، أو أخذ ماله إلّا بإذن شرعيّ، وفي حال وفاة المُستأمن فماله لا يكون إلّا لوارثه؛ سواء كان معه في بلاد الإسلام أو خارجها.